أشرت في مقال سابق إلى الأسى، بل الألم، الذي تملكني وأنا أقرأ على صفحات يومية »القدس العربي« ، اللندنية، مقالة للشاعر صالح بوسريف، قال إنها رد على »رسالة مفتوحة« وجهها الشاعر محمد بنيس للرئيس الحالي ل »بيت الشعر« على صفحات الجريدة نفسها. لماذا الألم إزاء مقالة نزالية، نشرت الصحف المغربية في الماضي القريب (وحتى البعيد) الكثير من مثيلاتها؟ أولا : لأن مقالة بوسريف، في اعتقادي الشخصي، غير مسبوقة في »وقاحتها« التي تتجلى في تعاملها مع مثقف وباحث وأستاذ جامعي وشاعر بحجم محمد بنيس بقلة احترام غير مقبولة على الإطلاق.. فقد تعمد صاحب المقالة التعامل مع محمد بنيس بازدراء مكشوف من خلال تجاهل اسمه، ومخاطبته تارة ب »صاحب الرسالة« (اللي ما يتسماش) وتارة أخرى ب »أحد (كذا) المؤسسين« لبيت الشعر. وثانيا : لأنه تقصد التحقير والإهانة من خلال قوله : »أتوجه إلى هذا الرئيس السابق (كذا) للبيت، وهو الذي استحوذ بدعم من حسن نجمي على رئاسة البيت بعد مغادرتي له، وأنا عضو مؤسس واحد الحاضرين في كل التشييدات الفعلية لدعم البيت والساهر على وضع برامجه وتطبيقاته إلى جانب من كانوا يعملون دون آدعاء أو نية في قتل الآخرين..« وزعمه أنه (أي محمد بنيس) سعى »بتتعبيرات عارية ومفضوحة أن ينسب لنفسه بعلاقة (؟ !!) وبلا أدنى خجل (؟ !!) من فعل التاريخ وما جرى في واقع التأسيس والبناء، قبل أن يعمل هو نفسه على هدم البيت (؟ !!) بالسعي لتحويله عن رئيس للبيت، عندما تحدث عن اقتراح البعض لحسن نجمي، لأن الرئيس ينتخب ولا يعني... أن ينسب لنفسه (؟ !!) كل ما جرى في بيت الشعر من إنجازات، وهو ما فعله من قبل في »الثقافة الجديدة« ، حين جرد (؟ !!) الشاعر الراحل عبد الله راجع وعبد الكريم برشيد وغيرهما من أي حضور. (؟ !!) بل إن بوسريف لم يتردد في الحديث عن »ذات تعود لتشي بأعطابها المزمنة« . كما أنه لم يتردد في التعريض ب »هؤلاء الذين اقتاتوا من ادعاء اليتم والتآمر السياسي، وسعوا أن يكونوا حاضرين بصفات الإلغاء والإبعاد والإقصاء، وقالوا ما قالوه في المؤسسات، هم من يسعون اليوم إلى العودة بنفس القميص« وهم من كانوا دائما لا يوجدون إلا بفضل المؤسسات وما زالوا لا يستطيعون الحياة إلا بها ...« (؟ !!) وهي »طريقة لم تعد، يضيف بوسريف، تنطلي اليوم على الكثيرين، خصوصا أن المشهد اليوم هو غيره بالأمس والأجيال اليوم، بما لها من حضور في الشعر وفي غيره من أشكال الكتابة الإبداعية لم تأت من كلية الآداب بالرباط، ولم تعد تنتظر من يطلب منها رد الدين، أو تحرير رسائل جامعية تحت الطلب.. (؟ !!) هكذا إذن، أصبح محمد بنيس الشاعر والناقد والأستاذ الباحث، الذي أعطى للثقافة المغربية ما لا يذكره إلا جاحد، من »الثقافة الجديدة« بأعدادها ال 24، إلى دار النشر، »توبقال« بإصداراتها التي تعد بالمئات مرورا بحضور لافت في ساحة الإبداع الشعري والنقدي.. محمد بنيس هذا، أصبح مجرد نكرة (ما يتسماش) يشار إليه بعبارات تفتقر إلى الحد الأدنى من اللياقة والاحترام. »صاحب الرسالة« »هذا الرئيس السابق« »أحد المؤسسين« (لبيت الشعر) بل أصبح »مدعيا« ينسب لنفسه ما تحقق في بيت الشعر من »إنجازات« ، وهو عين »ما فعله من قبل...« أين؟ في مجلته »الثقافة الجديدة« ، حين جرد الشاعر الراحل عبد الله راجع وعبد الكريم برشيد وغيرهما (من غيرهما؟ !) من أي حضور ! بل هو مجرد »ذات تعود لتشي بأعطابها المزمنة« ! وهو لمن يعلم (والعهدة على السيد صالح بوسريف) بطلب من تلامذته »رد الدين« ، وتحرير رسائل جامعية تحت الطلب« ! هي إذن مقالة هجاء ليس إلا... لم تطرح فكرة ولا رأيا حول واقع ثقافي بجمع الكل تقريبا على بؤسه.. وفصلت جر القراء إلى متاهة خلاف، لا يعني أحد حول »بيت شعر« بجمع أشخاصا ينطبق على أغلبهم ما كتبه القصاص السوري المبدع زكريا تامر، في العدد الأول من مجلة »الناقد« ، حث قال. »لم يعد الشعر ديوان العرب الذي يفخر به، وتحول إلى دابة للشعراء يركبها من يشاء وكيفما شاء وأنى شاء، فما ينشر على أنه الشعر الخالص إذا قورن بمقال عن زراعة البصل والثوم، فاز الثاني بجائزة الشعر كأنه إليادة هوميروس.. »بل إن معظم ما ينشره من شعر حديث لا يرقى مستواه الفني إلى مستوى تعليق سياسي يكتبه صحافي يسيطر على ما لديه من أدغال الكلام... لقد أصبح الشعر بائسا فقيرا لا مملكة له ولا جمهورية، وتدهور وأسف حتى أغرى الصغار من فاقدي الموهبة بالتجرؤ عليه وانتهاك مقدساته.. وبعيدا عن عمليات غسل الدماغ التي يمارسها باتقان عدد من الشعراء والنقاد بغية الإقناع بأن المكنسة شجيرة ورد، والجراد سرب يملم... بعيدا عن الغوغائية وعبادة الأوثان، وبعد الاحتكام إلى القلب والعقل يمكن القول بلا وجل أن الركاكة والسماجة والادعاء والخواء هي صفات ثابتة لمعظم الشعراء الحديثين بل إن تفاهة أشعارهم كلما ازدادت ازدادوا كبرا وصلفا وزهوا بما جنته أيديهم.. ماذا سيحدث إذا ألغي الشعر من بين الأجناس الأدبية. هل سيخسر الأدب أم سيربح. سيخسر الأدب ويربح في آن واحد ولكن ربحه سيفوق خسارته. سيخسر الأدب إبداع شعراء قليلي العدد... وسيربح النجاة من غلاظة وتفاهة مئات الشعراء. سيظلم نفر من الشعراء ولكن القراء سيتخلصون من كتائب من الشعراء الظالمين. ولو كان الشعر العربي يملك عصا لكانت رؤوس الشعراء مشروخة دائما.. ما أود التأكيد عليه في الختام هو أنني لا أعرف الشاعر محمد بنيس.