لم أجد مثالا معبرا عن الحالة التي يعيشها قطاع الإشهار في بلادنا السعيدة والغنية سوى أن فلوس الإشهار كيديهوم البراني، وفي الحقيقة لم أفهم من أين أتت هذه الحمى التي أصابت هذا القطاع، فبعد أن كان فنانونا يعانون من مزاحمة المطربين والممثلين الأجانب لهم في ميدانهم خصوصا التمثيل والغناء، انتقلت الظاهرة إلى الإشهار، وهذا مؤشر خطير يدل على أن ممثلينا ومطربينا ليس لهم من الشهرة داخل وطنهم حتى يتم استيراد نظرائهم من الدول الشقيقة وغير الشقيقة، رغم أن الفنان المغربي أولى بتلك الأموال. قد يقول قائل وما الضير في أن يقوم الأجانب بالتمثيل في المغرب أو الاستفادة من الإشهار في بلد الكرم والضيافة؟ في الحقيقة العيب ليس في أولئك المطربين والممثلين، لأن ذلك مجالهم وهم يلبون دعوة من استدعاهم خصوصا عندما تكون الدعوة معها ملايين من السنتيمات، ولكن العيب كل العيب على أصحاب الشكارة الذين لم يرف لهم جفن وهم ينفقون تلك المبالغ الضخمة على نجوم هم في الأصل ليسوا بحاجة إليها، وينسون أن هناك أشخاص هم في أمس الحاجة إلى ربع تلك المبالغ المنفقة على الفنان الأجنبي، والمضحك المبكي في الأمر أن الأجنبي يسوق لمنتوج مغربي خالص، فهل يأملون في أن يقوم إخواننا الهنود بشراء شقق فضاءات السعادة ؟ مادام الشاروخان هو الذي يشهر تلك الشقق، وهل أصبحت ميديتيل فاعل اتصالاتي في الجزائر مادام عبد القادر السيكتور يقوم بإشهار منتجات الشركة المذكورة؟ وهل شقق الضحى الاقتصادية أصبحت تستهدف إخواننا الجزائريين مادام الشاب خالد الوجه الإشهاري لتلك الشركة الكبيرة؟ ومن قبلهم استعنا في إشهاراتنا بالأتراك وغيرهم.
نعم، من حق أصحاب تلك الشركات أن ينادوا على من يشاؤون من الفنانين الأجانب مادام المال مالهم والشركات شركاتهم وحنا مااااشي شغلنا، لكن... ما فيها باس أن نقدم لهم نصيحة لن تضرهم بل ستعود عليهم بالنفع العميم، فالكل يعرف بأن أي صاحب شركة شغله الشاغل هو الربح وتسويق منتجاته والحصول على زبائن كثر، وفي هذا الإطار ماذا لو قمنا بعملية حسابية بسيطة، حيث لو أخذنا المبلغ المالي الذي قيل بأن الشاروخان حصل عليه جراء تحريك شفتيه وتمتمته ببعض الكلمات بالعربية، والذي هو 700 مليون سنتيم، فلو قسمنا هذا المبلغ على 18 مليون فإننا سنحصل على قرابة 39 شقة اقتصادية في حدود 18 مليون سنتيم، فإذا قامت تلك الشركة بتسليم هذه الشقق ل 39 شاب (فقراء طبعا) في بداية حياتهم الزوجية سيكون أصحاب هذه الشركة قد ضربوا عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول هو تحقيق خبطة إشهارية لعلامة الشركة التي ستعرف داخل الأوساط الفئة المستهدفة بمنتوجها بعملها الإجتماعي والخيري ومساعدتها للشباب، وبذلك ستحقق انتشارا داخل الأوساط المغربية أكثر مما سيحققه الشاروخان أو الشاب خالد أو غيرهما، والعصفور الثاني هو أن هذه المبادرة الإنسانية ستنقد الكثير من شباب المملكة، فتسعة وثلاثون شقة يعني تسع وثلاثون أسرة، هذا بالنسبة لشركة واحدة فما بالكم بعدة شركات، تخيلوا معي عدد الأسر التي ستستفيد، وفي الأخير تبقى هذه المبادرة مأجورة (من عند الله) باعتبارها صدقة جارية.
للأسف أصحاب الشركات لديهم عقدة الأجنبي، ويظنون أن منتجاتهم ستحقق أرباحا كبيرة بوجود أسماء مشهورة، وهذا خطأ يقع فيه مسؤولوا التسويق عندهم، فبإمكان فكرة بسيطة أن تحقق شهرة واسعة لعلامتهم التجارية وبإمكانهم مساعدة أبناء بلدهم دون الحاجة إلى صرف الملايين على فنانين يرقصون ويغنون لبضع ثوان بدون فائدة تذكر..