هو سؤال بسيط يطرحه الجميع في الآونة الأخيرة خصوصا مع الضجة التي أحدثها حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال بإعلانه الانسحاب (المؤقت) من حكومة بنكيران، من المسؤول عن الحالة التي وصلنا إليها؟ وحتى تنجلي الحقائق لا بد من تسليط بعض الضوء عليها حتى ولو كان ضوءا خافتا، ولنبدأ الحكاية من الأول.
المشاكل بدأت منذ بوأت الانتخابات الأخيرة حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى لكن مع وقف التنفيذ، لأن نظام الاقتراع عندنا لا يخول لأي حزب كيفما كان بأن يحوز الأغلبية المريحة التي تجنبه عناء الدخول في تحالفات لا طائل من وراءها سوى مصلحة كل حزب لا غير، كما أن صعود حزب المصباح جاء ضد رغبة العديد من الجهات التي كانت ترى فيه مصدرا للإزعاج وأنه خط أحمر، لكن رياح الربيع العربي هبت وفرضت على الجميع صعود هذا الحزب رغم التحفظات التي كانت عليه لأنه وببساطة كان الحزب الوحيد الذي لم تحترق أوراقه، بل كان طوق النجاة الذي جنب المغرب قلاقل هو في غنى عنها، لهذا راهن البعض على أن عمر هذه الحكومة معدود وأن المسألة مسألة وقت فقط لتعود الأمور إلى نصابها، لهذا تعرضت حكومة العدالة والتنمية لوابل من الهجمات سواء الداخلية والخارجية، واستعملت جميع الأسلحة في مواجهتها سواء المسموح بها أوالممنوعة لعرقلة عملها.
ففي بداية تكوين الفريق الحكومي تم إجهاض فكرة دخول أحزاب الكتلة كاملة إلى الحكومة ونعني هنا امتناع حزب الاتحاد الاشتراكي المشاركة في الحكومة لأسباب ساقها صناع القرار فيه ورأوها أنها تحول بينهم وبين دخول هذه التجربة الجديدة بقيادة العدالة والتنمية، وإن كانت الأسباب المساقة وقتئذ على الأقل غير مقنعة، لأن حزب الوردة شارك في حكومة أقل من هذه الحكومة وفي ظرفية غير هذه الظرفية، ولم تمنعه لا إيديولوجيته ولا تاريخه النضالي ولا أي شيء أخر من المشاركة إيمانا منه بأن مصلحة الوطن فوق جميع الاعتبارات، لكن مع صعود العدالة والتنمية امتنع، ولنتصور لو أن حزب الوردة كان مشاركا في الحكومة لكان هناك نوع من توازن القوى بين ثلاث أحزاب كبيرة وقوية، الإستقلال والعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، لكن هذا الأخير اختار فريق منه الخروج إلى المعارضة مما فوت على المغاربة فرصة وجود حكومة قوية (نسبيا).
مع مجيء حزب العدالة والتنمية تحركت جهات عدة وحركت ألتها الإعلامية لمهاجمة هذا الحزب، وبما أن الحكومة كانت في بدايتها ولا يمكن التركيز على منجزاتها تم التطرق إلى مسألة التدين عند الحزب، فتعالت الأصوات وخرجت العناوين بالخط العريض تحذر من أسلمة المجتمع وتقول بأن هذه الحكومة جاءت لتقفل البارات وتفرض الحجاب على النساء وتمنع السباحة والكثير من الكلام الذي كان الهدف منه زرع الشك تجاه هذا الحزب، كما تم التركيز أيضا على ربطة عنق رئيس الحكومة وعلى هندام باقي الوزراء وتصرفاتهم وعلى وجوههم هل فيها لحية أم لا، والعديد من الأشياء التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لأنها لا تهم المواطن بأي شكل من الأشكال، فلا يضر أي مواطن أن يحلق وزير وجهه أو لا، فما يهمه سياسته وأثرها عليه أم الباقي فيعتبر من صميم حياة الوزير ولا دخل لأي كان به.
أيضا من الظواهر التي نبتت مع مجيء هذا الحزب ظهور موجة جديدة لبعض من يسمون مفكرين علمانيين، وكأنهم جاءوا من العدم، لأن لا أحد كان يسمع بهم من قبل، لكن وبما أن هذه الحكومة ذات مرجعية إسلامية فكان من اللازم الدفع بهؤلاء إلى الصفوف الأولى للمعركة، وما عصيد وغيره إلا أدوات تستعمل في هذه السياسة التي تريد قطع الطريق على العدالة والتنمية من جميع الجهات، فلم يسمع أحدا عصيدا من قبل في ظل جميع الحكومات السابقة يقول بما يقوله ألان، خصوصا وانه بقوله يجر الحزب الإسلامي للرد عليه وهذا هو المراد، لذلك تجد أن أي رد من الحزب الحاكم يكون له وقع كبير وتكون له تبعات أكثر من الردود الاخرى.
من الطبيعي أن تكون لأي حكومة كيفما كانت معارضة، وهذا من صميم العملية الديمقراطية، إلا أن المعارضة في ظل الحكومة الحالية مختلفة وهي نوعان، خارجية وداخلية، وهي حسب المتتبعين وحسب فئة عريضة من الشعب من تساهم في زيادة شعبية حزب العدالة والتنمية من حيث لا تدري، لأن الذين ذكرتهم يرون أن هذه المعارضة هي التي لا تترك مجالا للحكومة للعمل، خصوصا وأن الجميع لحد الآن يشهد بنظافة يد وزراءها، فمن سيصدق أي حزب في المعارضة أمضى سنوات في الحكم وهو يطالب هذه الحكومة بما عجز هو عن تنفيذه، فالغالبية تقول له ماذا فعلت أنت عندما كنت في الحكومات السابقة؟
بل أكثر من ذلك، هناك من يحمل الحكومات السابقة جميع المشاكل التي يعيشها المغرب حاليا، فمن سيصدق حزب الوردة مثلا عندما يراه يطالب بالكشف عن حقيقة بن بركة أو ايت الجيد، وهو الذي تقلد وزارة العدل لسنين، ولم يحرك ساكنا ليأتي الآن ويطالب بالكشف عن الحقيقة، إذن بصفة عامة فدور المعارضة يصعب على حزب كالاتحاد الاشتراكي أو الأصالة والمعاصرة أو غيرهما ممارسته بحكم أن رصيدهم لدى الشعب قد استنفد، لهذا هناك من يرى أن هذا الدور، أي المعارضة أفضل من يقوم به حزب من داخل الحكومة، رغم أن هذه النظرية مستبعدة مادام كل ما يقوم به حميد شباط هو من أجل تحسين موقعه داخل الحكومة وتوزير من ساعده في الصعود إلى أمانة حزب الميزان، إلا أن ما يقوم به شباط كيفما كانت دوافعه لا يصب في مصلحة المغرب أولا ولا في مصلحة الحزب ثانيا، لأن الجميع يعرف أن هناك طرقا كثيرة لحل المشاكل المستعصية بين الأحزاب السياسية وهذا طبيعي بدون لعبة لي الأذرع، فما يقوم به شباط سوف يقرأ بأنه من صنيع جهات ما وأنه مدفوع من الأول لفرملة عمل الحكومة، ثم إن هذه الخرجات تزيد من شعبية بنكيران ولا تنقص منها، وهذا الأخير سكت عن الكلام لأنه عرف نفسه في موقع قوة، خصوصا بعد تجميد حزب الميزان لقرار انسحابه من الحكومة، وهو يعرف أنه ليس لديه ما يخسره في جميع الحالات، فإن رجعت الحكومة كما كانت من قبل فهذا ما يريده، وإن كان هناك تعديل حكومي فلن يكون بالسهولة التي يريدها شباط، وفي نفس الوقت يكون شباط قد تعلم درسا مفاده أن بنكيران ليس سهلا للأكل، وحتى وإن كان هذا التعديل ضد رغبته (بنكيران) وفرض عليه وفشلت الحكومة عند انتهاء ولايتها فسوف ترجع اللائمة إلى الذين لم يتركوه يعمل بسلام، وإن كان الحل في خوض انتخابات سابقة لأوانها فإن هذا ما يتمناه حزب العدالة والتنمية مادام مطمئنا إلى أن رصيد شعبيته لم يستهلك منه كثيرا، ففي جميع الحالات حزب المصباح هو الرابح لحد ألان مادام ليس هناك بديلا يحل محله، أما حزب الميزان وإن بدا له أن يحقق مصالح أنية فسوف ينعكس ذلك عليه سلبا في الأمد القريب البعيد.
في الأخير نقول، لقد كانت الفرصة مواتية ليستفيد المغرب من الموجة التي اجتاحت العديد من الدول العربية ويؤسس لنفسه تجربة تنقله نقلة نوعية وذلك بتضافر قوى جميع الأحزاب كل من موقعه، سواء داخل الأغلبية أو المعارضة، مادام الجميع يناضل من أجل مغرب واحد، وكان أحرى بالجميع الترفع عن جميع الخلافات كيفما كانت لننقذ هذا الوطن الذي ندعي جميعا أننا نحبه لكن لا أحد منا يبرهن على أنه يحبه. فحب الوطن أكبر من حب الكراسي ومن حب المصالح الشخصية الضيقة.