مر رمضان هذه السنة بصيامه وقيامه ومفطريه سرا وجهرا، وسلوكات وظواهر مغربية تحتاج إلى تحليل علماء النفس والإجتماع لتشخيص الأمراض التي يعاني منها المغاربة في رمضان وغيره من الشهور، ولعل أخطرها الفوضى العارمة التي يتخبط فيها هذا الشعب ، في كل شيء، وفي كل مكان حتى أصبحت جزء من حياته لا يقوى على التخلص منها رغم بعض مظاهر التحضر الشكلية التي وصل إليها في بعض الميادين. الفوضى ضد النظام،وهي كل سلوك أو ممارسة أو مشاعر يمارسها البشر بشكل فجائي غير منضبط ومضاد للقوانين والأعراف وبنية القيم المتعارف عليها مجتمعيا ، واللافت للنظر أن هذه الفوضى تصبح بمرور الوقت هي البديل عن القوانين الرسمية والأعراف المجتمعية المتعارف عليها، تصبح نمط حياة يومي، وقديما قال نابليون أن الشيء المؤقت قد يصبح الشيء الدائم. وخطورة الفوضى تظهر عندما تغزو كافة مؤسسات الحياة بدءا من الأسرة ومرورا بالعمل وانتهاء بالشارع. وترتبط الممارسات الفوضوية ببنية الفساد الواسعة وما أكثرها في هذا البلد،حيث التربة الخصبة التي تنمو من خلالها الفوضى، وتتعمق وتتجذر مجتمعيا،مع أنه في ذلك تحدي لكل القوانين وخروج عنها ، فحينما يفعل كل فرد ما يراه مناسبا له بغض النظر عن الأضرار الاجتماعية والإقصادية والسياسية التي يخلفها ذلك التصرف، فإنه يصبح المجتمع ساحة للممارسات العبثية الفوضوية في ضل اتساع مساحات الفساد بكل أنواعه. فقد أصبح المغرب مؤخرا يعيش – للأسف - تحت رحمة فوضى" منظمة"، فوضى خلاقة تحولت إلى فوضى "هلاكة" ومهلكة،نشاهدها يوميا في الشوارع والأزقة.. حيث احتلت الأرصفة، وزاحم الراجلون السيارات فتضاعفت الحوادث... والباقي تعرفونه. أما ثقافتنا المزبلية تقتضي رمي كل الأزبال في غير المكان المخصص لها برا وبحرا ، ولا نقبل بأي شيء أو مكان نظيف فيه منفعة عامة لأن ذلك يسبب لنا الحساسية. فوضى حتى في المساجد حيث كل جاهل أصبح عالم بالدين يتصرف على هواه ، يخلق لنفسه قبلة وصفا وصلاة...والويل لمن تطوع لنصحه. لقد مات النظام المغربي ، ليس الحاكم ..ولكن النظام العام الذي هو أساس الحياة والدولة، التي لا يمكنها القيام دون نظام مدروس وقوانين تضمن السير الطبيعي لشعبها. أين النظام؟ ونحن نعيش وسط فوضى قبيحة ، فوضى في اللباس،فوضى في الأكل،فوضى في الشرب، فوضى في العلاقات الأسرية والمجتمعية... وعليه الخيانات بالجملة ، الكذب والنفاق عملة العصر السائدة، انتهاك حرمة الجيران ليل نهار..الإجرام بكل أنواعه الصغار والكبار سواسية إلا في العقاب لتدخل سحر الدرهم.. أين النظام؟ في فوضى هدر الوقت الخاص والعام ، وعدم احترام المواعيد أصبح أمر عادي، السادسة هي السابعة..التأخر لساعة أو ساعتين وربما لا يأتي لا يهم دون أي اعتذار لدى الأغلبية في الإدارات ووسائل النقل العمومي ...عادي، وجل المظاهر لا وجود لها في أي بلد غير المغرب حيث لا تستغرب.. فوضى حركة المرور عشوائية وقاتلة، السرعة مفرطة ، التجاوز من اليسار واليمين، الطرقات في وضعية مزرية ..النتيجة آلاف الحوادث والقتلى سنويا.. لأن آليات العقاب حاضرة غائبة... فوضى البناء العشوائي في المدن والقرى ، دور الصفيح تتناسل ليل نهار ، الترامي على الملك العمومي في جل المدن أمام أعين كل السلطات ولا تحرك ساكنا.. التدخين القتال في كل مكان، لا فرق بين مقهى وحافلة ركاب بها نساء حوامل أو رضع، أو حتى مستشفى،بل يصل الأمر إلى تدخين المخدرات علانية في تحدي سافر للجميع.. الكلام الساقط في كل مكان ، أمام الصغير والكبير، ولا يمكن للأب أن يصاحب ابنه إلى أي ملعب رياضي حيث الحضور الجماهيري، لما يتلفظ به هناك من سب وشتم بأفحش الكلمات..ويتطور الأمر بسرعة إلى التراشق بالحجارة..والنتائج يعرفها الجميع... هذه نماذج الفوضى المغربية،حيث مات النظام في حياتنا ،وازدهرت مظاهر السيبة والتخريب...حتى أصبحت بعض صور الفوضى سلوك مغربي خالص نعرف به في الداخل والخارج.. وأصبحنا نطلق على أنفسنا " مخاربة" عوض مغاربة.. إذن لماذا المغاربة يفسدون ولا يصلحون ؟ ينهبون خيرات الوطن ثم يلعنون الأرض والسماء والعباد.. في احتقار وانتقاص خطير للهوية والانتماء..بينما نشاهد جل الشعوب تعتز بوطنيتها ، وتموت من أجل هويتها وسمعة وطنها رغم ما تعانيه من فقر وظلم... هناك الشعوب يجتهدون ويتفانون ..يحرصون على العمل بصدق وإبداع، ونظام وانتظام بعيدا عن كل أنواع السلبية والفوضى والتواكل وكثرة الكلام دون الفعل...ونحن نضيع حقوق الناس ومصالحهم في الكم الهائل من أكوام الفوضى... لذلك يتساءل المواطن الحر: لماذا كل هذه الفوضى..؟؟ ولماذا نجدها في كل مكان ؟ وكأنها هناك خطة معينة من بعض الأشخاص لكي تكون موجودة،وكأن في الأمر مؤامرة حقيقة لكي تعم الفوضى التي يستفيد منها بعض الذين لهم مصالح ومكاسب في وجودها.. حتى أصبح الكثيرمنا حريصون على أن تكون الدولة غير منظمة بشكل طبيعي ، تسير في سكة التنمية الشاملة،وتساير التطور الحضاري...إنهم لا يريدون للبلاد أن تكون مثل باقي الدول في النظام والتحضر وتطبيق القانون... بمعنى آخر هناك من هم مستفيدون من الفوضى وهم المكلفون بتطبيق القانون لما يحققون من مكاسب مادية ومعنوية... ونتائج ذلك تظهر للجميع وطنيا، ودوليا، تكفينا الرتب الأخيرة في كل شيء، والهزائم المخجلة، والإخفاقات السياسية والاقتصادية والرياضية ... والسؤال هو إلى متى سيبقى هذا الوطن يعاني من سياسات وفساد كبار المسؤوليه في جل القطاعات ؟ إلى متى سيبقى الجميع يكتوي بنيران الفوضى والظلم والاستبداد...؟ لأن من شب على شيء شاب عليه ومن شاب على شيء مات عليه. ناقوس خطر ندقه في أدن كل من يهمه الأمر، ونقول للجميع أنه قد حان وقت الجد والحزم دون أي تهاون ، وقت محاربة كل الظواهر السلبية والتحلي بشجاعة تغيير المنكر، والتسلح بتربية وطنية صادقة، ترتكز على حسن الخلق والأخلاق، حان وقت رد الاعتبار لكل القيم والقوانين من أجل عدالة شاملة، واستحضار المصلحة العامة للحاضر والمستقبل في زمن زحف غول العولمة المتوحشة. -----------