رمضان محطة حيوية في حياة كل مسلم، فهو الشهر الذي يجُبُّ ما قبله، ويبارك فيما بعده، ولكن هناك بعض المسلمين، ممن لا تهمهم تلك المحطة، ولا يلقون لها بالا، يفطرون في شهر الصيام، ويعصون أمر ربهم بغير عذر شرعي، فيستحقون بجدارة لقب "شواذ رمضان". والعجيب أن بعض المفطرين، لا يخجلون من عصيانهم لشريعة الله، ويجهرون بفطرهم علانية أمام الصائمين. فتنة النساء في البداية فوجئت بحسين -عامل في إحدى المؤسسات الصحفية- في نهار رمضان؛ يدخن سيجارة، ويمسكها بإحدى يديه، وفي اليد الأخرى كوب من الشاي!!.. فاقتربت منه وسألته: "هل أنت مفطر؟" فأجاب: "لا تشغل بالك"؛ مؤكدا أنه لم يصم في حياته من قبل، معللا: "أتعمد الإفطار الصريح في رمضان؛ لأنه ليس للصوم معنى، عندما أمتنع عن الطعام والشراب، وأجد الفتيات في الشارع متبرجات". سألته: "وهل تجاهر بفطرك، أم تخشى أن يعلم بأمرك زملاؤك في العمل؟".. فنفى قائلا: "أغلب العاملين في المؤسسة مفطرون مثلي، وبالتالي لا أشعر بحرج"!!. وعما إذا كان سيتوب أو يقلع عن هذا الفعل الذي يحرمه الإسلام؛ قال: ربنا يسهل، يمكن السنة الجايه (المقبلة) الحال يتغير! ليس "حسين" المفطر الوحيد في الوسط الإعلامي بمصر، ولكنه يعج بأمثلة كثيرة مشابهة.. ومن مجلة الإذاعة والتليفزيون، يشير الصحفي (أ.ع) إلى أنه لم يصم حتى الثلاث سنوات الأخيرة، رغم تجاوز عمره الخامسة والعشرين. ويشرح (أ.ع) أسباب فطره في الأعوام الماضية، يقول: " كنت أريد أن أعيش سني، والصيام يردعني عن العديد من التصرفات، مثل العلاقات مع الفتيات، وكنت أعرف في الوقت نفسه عقوبة الفطر، ولكني لا أستجيب لدعاة اليوم الذين لا يتوقفون عن الحديث عن سيدنا عمر وسيدنا أبو بكر، في عصر الإنترنت والشات والأندية، وكأنهم لا يفقهون في أحوال شباب اليوم شيئا". وأكد (أ.ع) أنه كان يحترم مشاعر الصائمين، ولا يأكل أو يدخن أمامهم، ولكنه لم ينكر فطره، وعن سبب إقلاعه عن هذا الذنب، يوضح: "مررت بتجارب سيئة، دفعتني إلى خوض غمار الصيام، فشعرت معه بالسعادة والراحة النفسية، فقررت من يومها ألا أفطر ثانية". تبريرات أخرى للإفطار العمدي في رمضان، نسمعها على لسان حسن – كواء – فيقول: "أفطر آخر يومين في رمضان؛ لأن الإقبال يكون شديدا قبل العيد، خاصة في السنوات التي يكون رمضان فيها في فصل الصيف، فلا أجد غضاضة في الفطر أمام الناس، حتى أستطيع أن أنجز عملي، وأنتهي من كي الملابس قبل العيد". الجماع أو الطلاق! ويقص (ف-د) – متخرج حديثاً- تجربته مع الفطر في رمضان- فيقول: "أذنبت ذنباً شنيعاً في آخر يوم في رمضان الفائت، حيث مارست العادة السرية، وأبحث عن زوجة تعفني عن هذه العادة الشنيعة". ورغم حرمة التدخين في نهار رمضان، وكونه من المفطرات؛ لا يستطيع محمد عبد الله- طالب بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر(!!)- منع نفسه من التدخين في نهار رمضان. ويبرر ذلك قائلا: "أنا أصوم عن الطعام والشراب، ولكنني لا أستطيع ترك التدخين مطلقاً". وتقول (س- ل)، وهي متأثرة، إن زوجها أجبرها على إفطار 8 أيام من شهر رمضان؛ بسبب الجماع في نهار رمضان، بعد عودته من خارج البلاد، وإنه هددها بالطلاق عندما رفضت الإفطار. عقوبة رادعة وقد رفض عدد من الفقهاء الذين استطلعت شبكة "إسلام أون لاين.نت" آراءهم، ما تعلل به المفطرون، فنفى د. علي جمعة -مفتي الديار المصرية- كل الأسباب السابقة كذريعة للإفطار في نهار رمضان؛ مشيرا إلى أن حالات إباحة الفطر واضحة لكل مسلم، وهي المرض والسفر والأعذار الشرعية، موضحا أن الله سبحانه وتعالى لم يفرض شيئا على البشر إلا ويعلم قدرتهم على القيام به. ويرد فضيلته على ذرائع بعض الشباب من أنهم لا يستطيعون الصيام بسبب تبرج الفتيات في الشوارع؛ قائلا بنبرة حادة ممزوجة بالحسرة على ما وصل إليه المسلمون خاصة الشباب: "هذا تدليس، وعقوبة المصر على عصيان أوامر الله، جهنم وبئس المصير". كما يشير الشيخ جمال قطب –من علماء الأزهر الشريف- إلى أن المفطر عليه أن يستغفر ربه كثيراً، ويتضرع إليه لكي يقبل توبته، فضلا عن وجوب قضاء أيام الفطر المتعمد، والكفارة معاً. مشيراً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ". وينصح الشيخ قطب المسلم بأن يولي شهر الصيام أهمية خاصة في حياته؛ لأنه شهر المغفرة، ولا يأتي إلا مرة في العام، وتتنزل فيه الرحمات والبركات الكثيرة، مطالباً بعدم التركيز الإعلامي على هذه الشريحة الشاذة في المجتمع المسلم خشية أن يُتخذوا قدوة من قبل المسلمين ضعاف الإيمان. ويفرق د. سيد عبد العزيز السيلي – عميد أكاديمية الشريعة بالولايات المتحدةالأمريكية- بين صنفين من المفطرين عمدا: الأول: لم يصم جحودا أو لعدم اعترافهم بفريضة الصوم، مشيرا إلى أنهم بذلك يكونون قد خرجوا عن ملة الإسلام؛ لأنهم أنكروا شيئا معلوما من الدين بالضرورة، والصنف الآخر ممن يفطرون تكاسلا أو تذرعا بأعذار واهية مع يقينهم بفرضية الصيام. ويختتم د. السيلي بالإشارة إلى أن هناك نماذج من التراث الإسلامي كانت تفطر في رمضان، مبيننا أننا في النهاية بشر نخطئ ونصيب، ولكن العبرة بالتوبة؛ لأن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون. "يا فاطر رمضان يا خاسر دينك" ويضع د. صلاح الفوال -أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة- يده على الدوافع الاجتماعية للإفطار العمدي، وهي: الجهل بقواعد الدين الإسلامي، والتنشئة الاجتماعية الخاطئة أو غير السليمة، واليأس بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. ويحذر الفوال من خطورة المجاهرة بالفطر؛ لأن مثل هذه النماذج خطر على المجتمع، فهي تشيع الفوضى بين المسلمين، كما يمتد الأثر السلبي إلى المفطر نفسه، الذي يشعر بالنقص أمام تلاحم المجتمع، وتمسك المسلمين بعادة وعبادة الصوم. ويقترح الفوال توجيه المفطرين إلى ضرورة الالتزام بتعاليم الإسلام، وأداء الفرائض، ونصحهم بالرفق واللين؛ لأن الدين له مكانة كبيرة في قلوبنا، ولكننا بحاجة دائمة لمن يذكرنا به، مشيرا إلى أنه إذا انصلح حال هؤلاء، سينعكس ذلك على المجتمع بأثر ايجابي. د. صلاح عبد المتعال ويبشرنا د. صلاح عبد المتعال- أستاذ الاجتماع والخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – بتقلص هذه الظاهرة في المجتمع؛ لأنها كانت منتشرة بالماضي، حتى ظهرت بعض الأغاني مثل: "يا فاطر رمضان يا خاسر دينك". ويبرز عبد المتعال الدور الذي تلعبه التنشئة الدينية في وأد هذه الظاهرة؛ لأن المفطر منبوذ اجتماعيا، معتبراً أن "الحل يكمن في ضرورة غرس القيم العقائدية والدينية الضابطة للسلوك أولا، ثم يأتي دور المساندة الاجتماعية وتشجيع المفطرين على الصيام، ويختص خطباء المساجد بمسئولية التحذير من العواقب الدنيوية والأخروية لهذه الآفة التي تلوث ثوب الأمة الإسلامية الناصع البياض".