الذي قدر له متابعة دورة الحساب الإداري لمجلس مدينة طنجة، المنعقدة بقصر البلدية مساء يوم الثلاثاء 25 فبراير المنصرم، لا بد له وأن يصاب بالدوار والغثيان. فعلى امتداد أربع ساعات من المداخلات، كان نصيب الأسد منها لمنتخبي حزب العدالة والتنمية، حيث تناوبوا على جلد فؤاد العماري وتسفيه جميع القرارات التي اتخذها المكتب المسير خلال سنة 2013. ولعل مداخلة المناضل الشاب محمد خيي، الكاتب الإقليمي لحزب بنكيران، كانت هي الأقوى والأعنف، فقدم مرافعة كانت بمثابة تشريح دقيق لما اعتبره اختلالات خطيرة شابت تدبير فؤاد العماري لشؤون المدينة، وخلص إلى إصدار حكم قاطع بكون عمدة المدينة ومكتبه المسير أبانوا عن فشل ذريع وعجز صارخ في القيام بالمهام المنوطة إليهم، وأن الأغلبية المسيرة تفتقد لرؤية واضحة للأولويات التي يجب الاهتمام بها، متهما إياها بتبذير المال العام في مجالات لا علاقة لها بالحاجيات الأساسية لساكنة المدينة... مداخلات منتخبي حزب المصباح خلقت قناعة لدى جميع الحاضرين بأن الحزب استعاد أخيرا أسلوب المعارضة الشرسة، المعارضة القوية. وأن جناح الصقور قد أمسك بزمام الأمور بعد فترة كانت الغلبة فيها لجناح الحمائم، الذي طالما تم اتهامه بأنه بالغ في التخلي على مبادئ الحزب إلى درجة الانبطاح، واعتقد المتابعون للدورة أن الحزب سيكون هاته المرة منسجما مع قناعاته ومع تدخلات منتخبيه التي أمطرت فؤاد العماري وأغلبيته المسيرة بما يكفي من الانتقادات اللاذعة، وراهن الجميع على أن حزب بنكيران سيصوت حتما برفض الحساب الإداري... لكن المفاجأة كانت أشبه بمن تعرض لحمام ماء بارد، فقد قرر السيدات والسادة مناضلات ومناضلو الحزب العتيد الامتناع عن التصويت، أو بمعنى أصح قرر الأخوات والإخوة فجأة ومن دون مقدمات كتم شهادتهم أمام الله وأمام المواطنين على ما اعتبروه طيلة أربع ساعات من النقاش سوء تدبير واختلالات في التسيير وغياب الشفافية في صرف المال العام... الذين يعرفون معنى الامتناع عن التصويت يفهمون جيدا أن قرار حزب العدالة والتنمية كان أشبه بذلك الذي قرر الخسارة مسبقا ب "نفّخ" في طرح "الضاما"، أي أن الماتش بان باللي كان مغشوش، وبعبارة أوضح فإن منتخبو حزب المصباح تركوا فؤاد العماري يمشي يضيم على خاطر خاطرو.... أعتقد أنه صار من الواجب على الأخوات الإخوة أن يكشفوا للموطنين، قبل المناضلات والمناضلين المنتمين لحزبهم الصامد، عن الأسباب التي دفعتهم لكتم الشهادة والامتناع عن قول كلمة حق فيما يعتبرونه هم فسادا في تدبير شؤون مجلس مدينة طنجة، وهنا يجد هذا العبد الضعيف الفقير لله تعالى نفسه مجبرا على تذكير الأخوات والإخوة بالحديث النبوي الشريف الذي يصف الساكت عن الحق بأنه شيطان أخرس، لعلهم يكونوا قد نسوه أو تناسوه... ما قع بدورة الحساب الإداري يدفعنا فعلا إلى البحث عن الخلفيات الحقيقية والملابسات المحيطة بقرار حزب بنكيران، فلا يعقل بتاتا أن يكون جميع مسؤولي الحزب ومنتخبيه ناس نية مساكن، وخاطيهم التحرميات ديال السياسة وجاو للدورة ما عرفين والو وقرروا لوجه الله تعالى الامتناع عن التصويت!... حيث إلى كان هاد شي صحيح غادي تكون مصيبة هادي، كيفاش حزب كيقود الحكومة ديال المغرب فيه ناس كيصوتو بالنية وصافي وعليك يا الله؟!!!... وحيث أني أعرف جيدا المؤهلات الفكرية والتفاوضية لبعض مسؤولي حزب بنكيران بطنجة، لم يكن عندي أدنى شك في أن قرار الامتناع عن التصويت على الحساب الإداري لم يكن اعتباطا ولكن كان قرارا مفكرا فيه، ومدروس بكامل العناية، وأنهم لابد وأن يكونوا قد تفاوضوا على جني مكاسب مهمة جدا... وعند البحث والتقصي في الفترة التي سبقت انعقاد دورة الحساب الإداري، تأكد بالدليل القاطع أن عمدة المدينة السي فؤاد العماري والسي البشير العبدلاوي والسي محمد الدياز والسي عبد اللطيف برحوا عقدوا، أياما قليلة قبل انعقاد دورة الحساب الاداري، اجتماعا على قدر كبير من الأهمية بفيلا جوزفين الفاخرة، تم التداول فيه على كيفية تمرير دورة الحساب الاداري. ويبدو أن الأجواء الفاخرة التي تتيحها فيلا جوزفين قد لعبت دورا كبيرا في تيسير الظروف لعقد صفقة بين الطرفين تقضي في النهاية بتمرير الحساب الإداري بشكل لا يفقد حزب المصباح ما تبقى له من عذرية سياسية، ولذلك خلص المتفاوضون على أن يمتنع الإخوة عن التصويت... لكن إذا كان المتفاوضون قد اتفقوا على النتيجة فإن من واجب الإخوة في حزب بنكيران أن يكشفوا حقيقة ما دار في فيلا جوفين، وحيث أن لا صفقة من دون مكتسبات، فمن حق الجميع أن يعرف المغانم التي كسبها الإخوة من جلستهم التفاوضية وأقنعتهم بالتخلي عن مبادئ وقناعات حزب العدالة والتنمية!... أعترف أني أشعر بنوع من الإشفاق على المناضل الشاب السي محمد خيي، فبغض النظر عن مدى اختلافي مع مواقفه وقناعاته، فإني كنت احترم فيه شجاعة الموقف ووضوح الرؤية، وكنت اعتبره خصما شريفا. أشعر بالإشفاق عليه اليوم لأنه صار ملزما بالدفاع عن مواقف وقرارات هو غير مقتنع بها، تحت مبرر الانضباط للأغلبية داخل الحزب عملا بشعار(الرأي حر والقرار ملزم)، والأغلبية اليوم التي توجه موقف منتخبي حزب بنكيران بمجلس المدينة أصبحت مؤمنة بنهج سياسة الواقعية السياسية التي تدعو إلى التطبيع مع أحزاب كان الى عهد قريب يخرج السي محمد خيي حاملا صور قيادييها بطنجة في تظاهرات عشرين فبراير، باعتبارهم رموز الفساد التي يجب محاكمتها... كم هو ماكر هذا التاريخ.... بالأمس كان البام رمزا للتحكم في الحياة السياسية، بالأمس كان الحاج عبد الرحمان أربعين، محمد بوهريز، محمد الزموري رموز يجب أن تنسحب من الحياة السياسية بالمدينة، لكن اليوم وبعد أقل من سنتين أصبح البام حليفا، ومنزل فؤاد العماري مزارا، وموائد عبد الرحمان أربعين، و بوهريز و الزموري تستقطب قيادات الصف الأول لحزب المصباح بطنجة... بل إن المناضل خيي لم يكن يحلم ذات يوم أن يقوم بدور المدافع عن تمرير قرار ترحيل نادي الفروسية وهو إلى عهد قريب كان من قيادات الدفاع عن منتزه السلوقية. لا زالت نبرات صوته المرتبكة لم تفارق أذاني منذ شهرين حين تناول الكلمة في دورة مجلس المدينة ليدافع عن قرار ترحيل نادي الفروسية بما يعنيه ذلك القرار من فسح المجال ليتحول المقر الحالي إلى مركب إسمنتي!... كان الله في عونك أيها المناضل الذي كنت ذات يوم مناضلا شرسا... كم هو قاس أن يلزمونك بلعب دور في مسرحية كتبت نصوصها بفيلا جوزفين وقرر مخرجها أن يمنحك دور البطل الذي قرر الصعود إلى الهاوية في مسرح قصر البلدية وأمام حضور أغلبهم من محبيك ومريديك... كم هو محزن أن يتحول الذين قدموا أنفسهم ذات يوم في صورة أصحاب قيمة مضافة في العمل السياسي، إلى أبطال من ورق توكل لهم أداور البطولة في مسرحية يعلن فصلها الأخير عن ميلاد جيل جديد من محترفي جني المكاسب الحزبية الضيقة والانقلاب على القناعات والمواقف....