قبل أسابيع قليلة أدرج مجلس مدينة طنجة نقطة في جدول أعمال إحدى دوراته تتعلق بعقد اتفاقية شراكة مع نادي الزوارق الشراعية الذي يترأسه السيد الطاهر شاكر، شقيق نائبة عمدة المدينة والنائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني للأحرار السيدة سعيدة شاكر، وهي الاتفاقية التي كان المجلس سيمنح بموجبها دعما سنويا يقدر بعشرين مليون سنتيم على أساس أن يلتزم النادي بتعميم تعليم رياضة ركوب الأمواج والسباحة عبر الزوارق الشراعية لفائدة تلاميذ المؤسسات التعليمية بالمدينة، وحسب مشروع الاتفاقية فإن تشجيع هذا النوع من الرياضة سيلعب دورا مهما في تشجيع السياحة بالمدينة. لكن عند عرض النقطة للنقاش تصدى منتخبو حزب العدالة والتنمية لرفض هاته النقطة على اعتبار أنه من العار أن يتم صرف المال العام على مجال لا يهم المصالح المباشرة لساكنة المدينة، وقد تدخل حينها المناضل محمد خيي، والمناضلة سعاد بولعيش والمناضل عزيز الصمدي، والمناضل محمد الدياز والمناضل عبد اللطيف برحو وقدموا مرافعات قوية، أجمعت كلها على أن تمرير هاته الاتفاقية هي بمثابة ارتكاب إحدى الكبائر والعياذ بالله، و ستعرض مرتكبيها لعقاب أليم غدا يوم الحساب على اعتبار أن هاته الرياضة هي مخصصة لأبناء الذوات والميسورين، وأن أبناء الشعب لا قبل لهم برياضة الزوارق الشراعية التي تتطلب توفير لوازم ليست في متناول عامة الشعب، وأن هاته الأموال يفترض برمجتها فيما ينفع عامة الناس، وبالفعل أحرجت هاته التدخلات أغلبية أعضاء مجلس المدينة وتم رفض التصديق على الاتفاقية. وأعترف أنا العبد الفقير الى الله تعالى بكون مداخلات الإخوة في حزب بنكيران كانت منطقية ولها ما يسندها على أرض الواقع، ليس لأنني ضد رياضة الزوارق الشراعية، ولكن منطق الأولويات يفترض أن هناك مجالات كثيرة بها خصاص كبير هي الأولى بالدعم من غيرها. فعلا صدقت ادعاءات إخوان بنكيران التي طالبت بصرف أموال الشعب في الأساسيات على اعتبار أن رياضة الزوارق الشراعية هي من الكماليات، خاصة وأن هناك أحياء بكاملها ناقصة التجهيز و محرومة من الماء الصالح للشرب، ومن الإنارة العمومية ومن شبكات تطهير السائل و...و.... هي الأولى بالدعم. غير انه في دورة مجلس الجهة التي انعقدت يوم الأربعاء المنصرم تم إدراج ذات النقطة في جدول أعمال دورة مجلس الجهة، وتم اقتراح تخصيص دعم سنوي لنادي الزوارق الشراعية حدد في مائة مليون سنتيم. الغريب في الأمر أن جدول أعمال الدورات يضعه مكتب المجلس، وبالتالي فهاته النقطة تم وضعها بمباركة الكاتب الجهوي لحزب المصباح السي البشير العبدلاوي، واعتقدت للحظة أنه ربما تم إدراج النقطة في غيابه، لكن تأكد لي أنه كان حاضرا بل وافق على كل النقط المدرجة، الأدهى من ذلك أن اجتماعات لجنة المالية بمجلس الجهة انعقدت ليومين متتالين بحضور جميع الأعضاء، وفي مقدمتهم ممثلو حزب العدالة والتنمية وفيها تم الاتفاق بالإجماع على برمجة الفائض، بما فيه منح 100 مليون سنتيم لنادي الزوارق الشراعية. ورغم كل هاته المعطيات كانت تساورني بعض الشكوك حول موقف الإخوة في حزب بنكيران من هاته النقطة، وكنت أترقب منهم شحذ أسلحة الدمار الشامل، التي يتقنون استعمالها حينما يريدون، لإسقاط هذا الدعم الذي اعتبروه ذات يوم هدرا للمال العام على ميدان مخصص لأبناء الأغنياء بالمدينة، لكن صدمت من هول ما رأيت، ولم أصدق عيناي وهما تشاهدان الحماس الذي أبداه الأخوة في حزب بنكيران لتمرير النقطة، لم أصدق كيف أن الكاتب الجهوي لحزب المصباح الأخ البشير العبدلاوي والمناضلة الشرسة السيدة سعاد بولعيش والبرلمانيان السي الدياز والسي عبد اللطيف برحو يتسابقون لرفع الأيادي بالأربعة، ليس دعما للرئيس مرسي المخلوع، ولكن للتصويت بالموافقة على منح نادي الزوارق الشراعية 100 مليون سنتيم!... ما الذي حدث خلال هاته الأسابيع ما بين دورة مجلس المدينة ودورة مجلس الجهة حتى أصبح دعم نادي الزوارق الشراعية حلالا وجائزا شرعا، بعدما كان قبل ذلك هدرا لمال الشعب، والتصويت عليه جرما كبيرا سيعرض مرتكبه لعقاب العلي القدير؟... المتأمل الموضوعي في هذا الموقف سيتأكد له بشكل جلي أن الإخوة يتصرفون بمنطق ضمان حقهم في الوزيعة، فمتى ضمنوا حقهم تكون الموافقة، ومتى أحسوا بأنهم لم يتوصلوا بما يرضيهم كشروا عن أنيابهم وأطلقوا العنان لسمفونيات الدفاع عن المال العام، والحكامة الجيدة، وصرف المال فيما ينفع البلاد والعباد، وضرورة الاهتمام بمشاكل الفقراء والمحتاجين. تجلى ذلك في صفقة توزيع الفائض السنوي لمجلس الجهة حينما وافقوا على دعم نادي الزوارق الشراعية بمائة مليون سنتيم ونقابة المحامين بطنجة ب 400 مليون سنتيم من أجل بناء مركز للتكوين، مقابل الفوز ب500 مليون لفائدة جماعة القصر الكبير و100 مليون سنتيم لفائدة جماعة أحد الغربية وهما الجماعتين اللتان يسيرهما حزب العدالة والتنمية، وقبل ذلك وفي دورة سابقة لمجلس الجهة وافقوا أيضا على دعم النادي الملكي للأرياف(الغولف) ب200 مليون سنتيم مقابل حصول غرفة الصيد البحري التي يرأسها يوسف بنجلون المنتمي لحزب المصباح ب300 مليون سنتيم!... لقد كشف موقف الإخوة في العدالة والتنمية بما لا يدع أي مجال للشك أن ما يحكم قراراتهم بالدرجة الأولى والأخيرة هو مصلحة حزبهم وجماعتهم، فأينما كانت مصلحة المصباح فالتصويت واجب شرعا، ولتذهب شعارات الدفاع عن أموال الشعب إلى الجحيم، وأينما انتفت المصلحة أو تعارضت مع المصباح فالتصويت جريمة... و حيث أنهم يتصرفون بمنطق" هل حقي مضمون؟" يجب أن نتساءل عن طبيعة حقهم الذي توصلوا به عند تصويتهم لفائدة الدكالي العزيزي المالك السابق للنادي البلدي لكرة المضرب، وعند تصويتهم أيضا على مقرر تسوية الوضعية التي بموجبها تمت تسوية أكبر مجمع سكني غير قانوني بطنجة؟!... وحيث أن الإخوة أصبحوا بارعين في عقد الصفقات الناجحة، ومادامت نتائج المفاوضات لها علاقة بمكان انعقادها والأجواء التي تمر فيها، حبذا لو يخبرنا الإخوة في حزب العدالة والتنمية عن طبيعة المفاوضات التي أجريت منذ أيام مع العمدة فؤاد العماري بفيلا جوزيفين الفاخرة وحضرها عن حزب بنكيران كل من الكاتب الجهوي السي البشير والبرلمانيان السي برحو والسي الدياز، خصوصا وأن هاته اللقاءات تنعقد قبيل دورة الحساب الإداري لمجلس المدينة في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الجاري، مما يطرح تساؤلات كبرى حول طبيعة الصفقة التي أبرموها مع عمدة المدينة، والتي تشير كل الدلائل أنه قد تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى في انتظار التصديق النهائي عليها يوم دورة الحساب الإداري!... ملحوظة: عندما قدم سمير عبد المولى استقالته من عمودية طنجة والتحق بحزب العدالة والتنمية، كان مسؤولو حزب المصباح يرفضون الذهاب معه إلى المطاعم التي تقدم الكحول للزبناء، لكن مع توالي الأيام ومع انخراط الإخوة في عقد الصفقات السياسية التي تخدم مصالح الحزب لم يعد هناك أي ضير في ارتياد فيلا جوزفين المشهورة بتقديم أشهى وألذ ما طاب من الأكل والشراب، هنيئا لكم بهذا الفتح المبين والخير أمام...