دخل تلاميذ حي الرهراه بطنجة موسمهم الدراسي على وقع كابوس مزعج، يعكر صفو حياتهم اليومية، ويؤثر سلبا على مسيرتهم الدراسية، وينهك قواهم البدنية والعقلية، ويخر قواهم الفتية التي تحمل أمل التفوق الدراسي وتطمح إلى درجات المعالي، ويتعلق الأمر ب”الحافلة الخضراء” التي تملكها الشركة الإسبانية أوطاسا. مأساة النقل بالخط رقم 4 لحافلة أوطاسا، الرابط بين حي الرهراه ووسط المدينة مرورا بحي ادرادب حيث تتواجد إعدادية مولاي عمر عبد العزيز وثانوية مولاي رشيد، جزء لا يتجزأ من مشكل قطاع النقل الحضري الذي تتخبط فيه مدينة طنجة، بفعل تدهور خدمات الشركة الإسبانية المستحوذة على القطاع، إذ أنه منذ أزيد من عشر سنوات على تسلم الشركة الإسبانية ملف تدبير النقل الحضري بالمدينة، و تدهور خدماتها يزداد سوءا يوما بعد آخر، ومع كل موسم دراسي يلقى التلاميذ أنفسهم بين سندان وسيلة النقل المتاحة وهي الحافلة وبين مطرقة عقارب الساعة، التي تتوقف مع التلاميذ في انتظار قدوم الحافلة التي قد تأتي أو لا تأتي. حي كثيف السكان… وحافلة وحيدة للتلاميذ ويعد حي الرهراه أحد التجمعات السكانية الأكثر كثافة بمدينة طنجة على غرار باقي الاحياء الشعبية الكثيفة كالزياتن؛ مسنانة؛ بوبانة؛ سيدي ادريس؛ اكزناية؛ بدريوين؛ الجيراري؛ العوامة؛ بني وسين؛ والسانية؛ وطنجة البالية؛ وبئر شيفا؛ وبدريوين؛ وامغوغة بجهتيها الشرقية والغربية… التي يعاني تلاميذ سكانها الأمرين جراء تدهور خدمات النقل لشركة أوطاسا، حيث أن التلاميذ الذين يتحتم عليهم التنقل للوصول إلى المدرسة في الوقت المحدد، يجدون أنفسهم مكرهين على امتطاء الحافلة لاختصار المسافة البعيدة بينهم وبين مدارسهم، لأنها الوسيلة الوحيدة المناسبة ماديا بالنسبة لآباء وأولياء تلاميذ الأحياء الشعبية، لكن وبعد تزايد عدد التلاميذ الوافدين إلى المدارس التعليمية الإعدادية والثانوية، ومع اتساع الخريطة العمرانية لمدينة طنجة وتزايد عدد السكان، أضحت الحافلات جزءا من المشكل عوض أن تكون جزءا من الحل، بتخفيف معاناة التلاميذ البعيدين جغرافيا عن مدارسهم التعليمية، نظرا لمحدودية حجمها الذي لا يتعدى حمولة 120 تلميذا في أقصى سعتها، ثم لتدهور جودتها الخدماتية، وعدم انضباط موعدها، وكثرة حوادث السير التي أصبحت تتسبب فيها. طول انتظار واكتظاظ وسرقة و كلام ساقط يشكل انتظار الحافلة كابوسا بالنسبة لتلاميذ حي الرهراه، إذ إنه في بعض الأحيان عليهم انتظار نصف ساعة أو أكثر في أغلب الأحيان للتنقل إلى المدرسة، وهو ما يسبب لهم مشاكل إدارية بسبب كثرة التأخر أو الغياب خاصة في فصل الشتاء، مما يؤثر سلبا على حصيلتهم الدراسية. وليس الانتظار فقط وحده يؤزم وضعية الدراسة بالنسبة لتلاميذ حي الرهراه ويحطم معنوياتهم النفسية والبدنية، حيث أن الاكتظاظ بالحافلة يؤدي إلى طفرة سلوكات وأفعال لا أخلاقية من بعض الراكبين، كالتحرش الجنسي والسرقة والألفاظ النابية، حيث يشتكي التلميذات بالخصوص من السلوكات الشاذة يتعرضن لها من بعض الراكبين المحسوبين على التلاميذ وبعض المتسكعين الذين يجدون في الازدحام مجالا خصبا لإنعاش نزواتهم الغريزية وطبائعهم الحيوانية أولتنشيط أصابع اليد، ونهب ما استطاع النصب إليه سبيلا، ففي لحظات الاكتضاض يغتنم بعض المشاغبين فرصة غفلة التلاميذ عن محافظهم، وينهبون منها ما بدا لهم، مضيفين معاناة نفسية أكثر من التي ترافق التلميذات خلال رحلتهم المملوءة بالمعاناة والأتراح، ناهيك عن الكلام المستوحى من قاموس العورة الذي يُلوث آذان الراكبين من التلاميذ إناثا وذكورا. معاناة مستمرة والمأساة على حالها لا أدري كيف تتعامى أعين المسؤولين عن هذه المشاهد الدرامية، تتساءل باستنكار، تلميذة تدرس في السنة أولى باكالوريا ووجهها الشاحب يبعث على الأسى والحسرة على واقع مرير يتكرر معها كل يوم، فعند اقتنائي للحافلة أفكر متى اتخلص من الكابوس الذي علي امتطائه كل يوم، تضيف المتحدثة. من جهتها لم تخفي مريم وهي ابنة الرابعة عشرة من عمرها وتدرس بالثالثة إعدادي، تذمرها وهي تخاطبنا قائلة “حين أقوم في الصباح لا أفكر في مقرراتي الدراسية أو التمارين المدرسية بقدر ما أفكر هل أجد لنفسي مكانا في الحافلة لأنتقل إلى المؤسسة، أما عن وصولي في الوقت المحدد فهذا أمر شبه مستحيل، فقد اعتاد أساتذتي وأطر المؤسسة على وصولنا في وقت متأخر"، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد تضيف مريم، "فحدة المعاناة تتزايد عند خروجنا في الثانية عشرة وعودتنا في الثانية بعد الزوال، فهذا الوقت الذي يعد فترة استراحة وأخذ النفس والمراجعة وتناول وجبة الغداء للتلاميذ القاطنين بالقرب من الإعدادية، يشكل لنا عقدة نفسية، حيث يتعين علينا انتظار زهاء 15 دقيقة لقدوم الحافلة لنقل أزيد من 200 تلميذ، وهو الأمر الذي يزد الطين بلة، حيث أن سعة الحافلة أقل من ذلك بكثير، وهو ما يجعلنا نزاحم بعضنا البعض لحجز موطأ قدم داخل الحافلة التي تنطلق ما إن تستوفي الحد الأقصى من ركابها، مما يعني فقدان الأمل في إدراك أول حصة مسائية للتلاميذ الرابضين في انتظار الحافلة الموالية بعد نصف ساعة أو أكثر". وليس التلاميذ وحدهم من يحملون ثقل معاناتهم، إذ أن آبائهم في حسرة دائمة على أبنائهم، فرغم المجهودات التي قام بها آباء وأولياء سكان تلاميذ حي الرهراه، من توقيع عرائض استنكارية للمجلس البلدي، ومراسلات لإدارة شركة أوطاسا، وهيئات المجتمع المدني، إلا أن الوضع مازال على حاله. “ما أكثر الشكايات وطلبات استغاثة التي تقدمنا بها إلى الجهات المعنية، وأوطاسا تعثو فينا فسادا ولا من رادع لبطشها “، هكذا يسرد مجموعة من آباء التلاميذ شكايتهم، وحالهم يبعث على التذمر والسخط، “ وما أعلنت عنه شركة “أوطاسا” من تعزيز لأسطولها باثنتين وثلاثين حافلة جديدة، السنة الماضية لا يعدو أن يكون درا للرماد في العيون”، يضيف أحدهم، مرسلا نداء من أهل الحي إلى المسؤولين المحليين وكل الشرفاء الغيورين بالتدخل العاجل للتخفيف من معاناة ابنائهم على الأقل، إن لم يتم حل المشكل نهائيا ببناء الإعدادية والثانوية بمنطقة قريبة من حينا يضيف المتحدث. وحول ما إذا كان سكان الحي قاموا بمجهودات لإنهاء هذا المشكل، يوضح مصطفى عضو بجمعية الحي في حديثه لنا، كيف أن الشركة تتحايل على مطالبهم منذ أربع سنوات، ففي كل مرة تتقدم الجمعية بطلب للشركة لزيادة حافلة للخط الرابط بين الحي الرهراه وحي ادرادب حيث تتواجد مؤسسة الإعدادية والثانوية، إلا ويكون الجواب بالوعود الانتظارية التي مازالت تقض مضجع ساكنة الحي.