في الوقت الذي ساد الاعتقاد بمرور رياح الربيع العربي بردا و سلاما على المملكة عقب اعتماد دستور جديد و ما تلاه من انتخاب برلمان جديد و تنصيب حكومة جديدة ،حتى انفجرت الأوضاع بإقليم تازة ، معيدة للأذهان ما حصل سابقا في مناطق أخرى في أوقات سابقة. لقد عاد الربيع العربي على المغرب ، لكن هذه المرة في شكل أحداث محلية، لكن بنفس الشعارات التي رفعت في أكثر من بلد ، و في المغرب في أكثر من مناسبة ، و على مدار عام مضى .شعارات تتلخص في مطالب اجتماعية من سكن و تعليم وصحة و محاربة الغلاء في المعيشة و الفساد و اقتصاد الريع. هناك إذن ربيع محلي يطفو على المناطق في أوقات متفاوتة وبعفوية ، إذا ما شككنا في الروايات الرسمية التي تنحو دائما إلى اتهام عناصر خارجية بتأجيج الاحتجاجات .فهذه الجهات الخفية منها و العلنية – إن وجدت – فدورها ليس خلق الاحتجاج و إنما الرفع من وتيرته ، بمعنى أننا لا يمكن إنكار وجود التذمر من الحرمان و الحاجة و إلقاء اللوم على الأشباح. المهم إذا هو أن المغرب و خلافا للدعاية الرسمية و غير الرسمية يشهد بين الحين و الآخر موجات من الاحتجاج و على سوء التدبير و فساد الاختيارات الإستراتيجية التي وجد المغرب نفسه مجبرا على سلوكها بفعل انخراطه في اقتصاد السوق و ما تلاه من انسحاب تدريجي للسلطة المركزية من القيام بدور الدولة الراعية للفئات المحرومة ، فالليبرالية المتوحشة هي سبب هذه الهوة المتزايدة يوما بعد يوم بين الغنى و الفقر. قبل تازة انتفض السكان في سيدي إيفني و مخيم أكديم ابزيك و العيون ، حتى قبل هبوب رياح الربيع العربي ، لكن الدولة لم تخرج عن عادتها في مثل هذه الحالات ، بإجلاس المسؤولين إلى مائدة الحوار مع المحتجين و إسكات الناقمين ببعض الإجراءات، و البرلمان لا يخسر أكثر من ايفاد لجان للتقصي و البحث ، لتضمين تقاريرها بملخصات متشابهة ، مثل تحميل المسؤولية إلى تردي الحالة الاجتماعية للسكان و تدهور مستوى المعيشة و الإحساس بالتهميش . فالاحتجاج الشعبي أصبح من مدة ليست باليسيرة أسلوبا ترغم عليه الطبقات المحرومة التي تسد في وجهها أبواب المسؤولين الحقيقيين ، بدل أولئك الذين تقف حدود اختصاصاتهم عند الاستماع و الإعلام . و في الوقت الذي ظن فيه المسؤولون أن الرأي العام هضم فكرة الدستور الجديد و الحكومة الجديدة بصلاحياتها و وجوهها ، و انه سوف يستسلم لواجب الانتظار الذي تفرضه الحيل السياسية ، و أنه سوف يثق في رواية وقوع التغيير على يد حكومة رفاق عبد الإله بنكيران و إخوانه ، فإذا بالأحداث تروي قصة معاكسة مفادها أن الرأي العام لا يثق إلا بالواقع و لا ينتظر منه مزيد من الانتظار ،و ليس بمقدور أحد أن يثق في أية حكومة. الانفلات الأمني إذا دليل على فشل سياسة التنويم و التسكين التي يطبقها المسؤولون على الشعب مند عقود من الزمن. و الاحتجاجات دليل على عدم الثقة في النوايا مهما كان صاحبها، و هي نتيجة لفشل سياسات المداورة و المناورة التي تتعامل بها الدولة مع الرأي العام المحلي. لقد نجحت الدولة في التملص من واجب رعاية دوي الدخل المحدود ومن لا دخل لهم. و عوض أن تتركز الاحتجاجات بالعاصمة بدأت تتفرق على المؤسسات الجهوية و المحلية من بلديات و عمالات و ولايات . نجحت في انسلال المركز من المسؤولية و تلبيسها للمسؤولين المحلين و ممثلي الوزارات على صعيد العمالات.و هذه كانت خطة مهندسي اللامركزية الذين تركوا جوهرها بعيدا ، و احتفظوا بالجوانب التي تورط المسؤولين الصغار ، و تجعل من العاصمة مجرد مقرا احتياطي يتوسط بين المحتجين ومسؤوليهم المحليين ، و يطالب بالحوار و إيقاع الجزاء بالمشاغبين و المخربين. لقد نجح النظام السياسي عبر سياسات متعددة ، لتجنيبه ضغط المطالب الشعبية ،في تحويل قبلة الفئات المحرومة من العاصمة إلى المراكز المحلية و الجهوية. و اعتقد المسؤولون أن المهمة انتهت بتشتيت الاحتجاج إلى المناطق حيث يولد . لكن ذلك لم يحل المشكلة ،لأن الدولة تجد نفسها متورطة كلما سقط ضحايا سواء من المحتجين أو من القوات العمومية ، و هي تتورط يوما عن يوم مع توالي مثل تلك الأحداث و استفادتها من ثورة الاتصالات لتعميم إحساس المغاربة بتغريد وسائل الدعاية خارج السرب . كما أن الدولة أصبحت تجد من يذكرها بواجباتها تجاه المحرومين كلما سنحت المناسبة للقوى الدولية أن تعلق على حالة المغرب اقتصاديا و اجتماعيا ، و كلما صدرت التقارير عن المؤسسات الاقتصادية الكبرى كالبنك الدولي. الدولة إذن عوض أن تستفيد مما وقع في أقطار عربية أخرى عمدت الى الاحتيال على الرأي العام بتوهيمه بان الحل هو دستور جديد و برلمان و حكومة جديدين هذا من جهة، و من جهة أخرى بالتفرج على الانفلاتات و السهر على الترقيعات.