سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشعباني: إذا لم تتعامل الحكومة مع المطالب الاجتماعية بجدية فإن الاحتجاجات ستصبح أكثر عنفا قال إن موجة الربيع العربي بدأت تخمد وخف تأثيرها على الحركة الاحتجاجية بالمغرب
اعتبر علي الشعباني، أستاذ وباحث في علم الاجتماع، أن حالة التهميش والإقصاء التي تعانيها بعض الفئات دفعت إلى بروز أشكال احتجاجية غير مسبوقة في تاريخ المغرب. ونبه الشعباني، في حوار مع «المساء»، إلى أن الاستعمال المفرط للقوة والعنف المبالغ فيه من طرف القوات العمومية يمكن أن يولد أشكالا أخرى من ردود الفعل، التي ستكون مشكلة حقيقية إذا لم تتعامل الحكومة بالجدية والعقلانية في تعاطيها مع مطالب المحتجين. -ارتفعت في الآونة الأخيرة حدة الاحتجاجات بالشارع المغربي. بِمَ تفسر ذلك؟ لا بد من الإشارة إلى أن قضية الاحتجاج في الشوارع العمومية واحتلال الملك العام من طرف المحتجين والمتظاهرين من أجل استرداد حقوقهم عرفت تطورات مختلفة عبر تاريخ المغرب المعاصر. ففي الوقت الذي كانت هذه الاحتجاجات ممنوعة وتتصدى لها القوات العمومية بحزم لمنعها، جاءت حكومة التناوب الأولى، برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، لتفسح المجال أمام هذه الاحتجاجات وتم السماح للمحتجين بالتظاهر السلمي أمام البرلمان وبعض المؤسسات الحكومية المعنية بالتشغيل أو إيجاد الحلول المناسبة للمتظاهرين. وقد أبدت هذه الحكومة نوعا من المرونة في تعاطيها مع هذه الاحتجاجات، من خلال فتح قنوات الحوار مع التنظيمات الممثلة للمحتجين من أجل تدارس الحلول الممكنة للإجابة عن مطالبهم. إلا أن هذه المرحلة ستعرف أيضا تغيرات فيما بعد، حيث إن الحكومات، التي جاءت بعد تجربة التناوب الأولى، ضاق صدرها من اتساع رقعة الاحتجاجات، فأصبحت القوات العمومية تتعامل مع المتظاهرين بقسوة وعنف مبالغ فيهما أحيانا، ولم يعد يسمح في كثير من الأحيان لهؤلاء المحتجين بالتظاهر أمام البرلمان وباقي المؤسسات الحكومية المعنية. ثم جاءت مرحلة ثالثة أظهر فيها المحتجون أشكالا احتجاجية نوعية انتقلت من الاحتجاج بالشارع العام إلى احتلال بعض المرافق الحزبية والحكومية كما وقع بالنسبة إلى حزب الاستقلال والأمانة العامة للحكومة والمكتب الوطني للتكوين المهني ومجموعة من المؤسسات ذات الطابع العمومي.هذه المرحلة جاءت لتظهر أيضا الرغبة في مقاومة ردود فعل الحكومة في مواقفها من هذه الاحتجاجات. وماذا عن المحاولات المتكررة لإحراق الذات والانتحار شنقا ومثيلاتها من الأشكال الاحتجاجية؟ هذا شكل آخر من الاحتجاج الذي أصبح يعرفه المغرب. فإحراق الذات أو تكبيل الأيادي بعضها ببعض، كما فعل المعطلون المكفوفون في بعض المناسبات، تمثل شكلا احتجاجيا تصعيديا من طرف المطالبين بالحقوق.غير أن مسألة إحراق الذات هي بالأساس نوع من الانتحار، والاختلاف بينها وبين الانتحار كما هو متعارف عليه هو أنها تتم في إطار الاحتجاج المنظم والمطالبة بالحقوق أو التوظيف وكذلك لتحقيق غاية خاصة كما وقع مع الجندي الذي أحرق نفسه بقلعة السراغنة لإثارة الانتباه إلى قضيته. وهنا لابد أن أؤكد أن المغرب عرف محاولات لإحراق الذات سبقت حادثة «البوعزيزي»، غير أن الواقعة التونسية أعطت نوعا من الشهرة لمثل هذه العمليات، وجعلت من «البوعزيزي» بطلا وطنيا في بلده، وأيضا في بعض البلدان الأخرى، التي بدأ بعض المحتجين فيها يجدون في هذه الوسيلة إمكانية للضغط على المسؤولين وعلى من يعنيهم الأمر. هناك مجموعة من القرى انتقلت إليها عدوى احتلال الشارع العام والمؤسسات العمومية. هل نحن بصدد موضة جديدة للاحتجاج، أم هو تعبير طبيعي عن حالة عدم الرضى؟ حقيقة انتقال عدوى الاحتجاج إلى مناطق خارج نطاق العاصمة الرباط جاء نتيجة لتفاقم الظلم، وكذلك انتشار الوعي بين المواطنين، الذين بدؤوا يفهمون عن طريق وسائل الإعلام وبعض الجمعيات الحقوقية مكامن الخلل. المواطنون بهذه القرى اكتشفوا الظلم والحيف اللذين يلحقان بهم، وبالتالي يئسوا من حالة التهميش والإقصاء التي يعانون منها، فخرجوا إلى الشارع ودخلوا في احتجاجات واسعة وبأشكال نوعية غير مسبوقة. وحتى في بعض القرى النائية بدأنا نجد حركات احتجاجية حول قضايا محورية كالجماعات السلالية أو بعض المتضررين من طغيان بعض «المستعمرين الجدد»، الذين يستولون على أراضي المواطنين بغير وجه حق. غير أنه وجبت الإشارة إلى أن تأثير الجماعة على الفرد أمر مهم، حيث إن الفرد لا يمكن أن يقدم على مثل هذه الأشكال الاحتجاجية بشكل فردي لأن الجماعة تعطي له قوة الاندفاع والإبداع في أشكال احتجاجية جديدة. ألا تعتقد أن صرامة الحكومة الجديدة في تعاطيها مع الاحتجاجات ستؤجج الأوضاع في اتجاه التصعيد؟ صرامة وحزم الحكومة الجديدة في تعاطيها مع الحركة الاحتجاجية، خاصة احتلال المرفق العمومي، كانا واضحين منذ البداية. فالحكومة تبرر تدخلاتها لفك بعض المعتصمات داخل المرافق العمومية بإعمالها للقانون الذي يمنع احتلال المرافق العمومية. غير أن الاستعمال المفرط للقوة والعنف المبالغ فيه من طرف القوات العمومية يمكن أن يولد أشكالا أخرى من ردود الفعل، التي ستكون مشكلة حقيقية إذا لم تتدارك الحكومة هذا الأمر وتتعامل بالعقلانية والجدية في تعاطيها مع مطالب المحتجين. فالعنف لا يمكن أن يولد إلا العنف، خاصة في ظل غياب حلول واقعية وملموسة يمكنها أن تخمد فتبل الاحتجاجات.المهم الآن هو زرع الثقة في المواطن من خلال إظهار نتائج ملموسة وليس فقط وعود وفتح بعض الآمال التي لا يمكن ان تتحقق. فالباحث عن العمل لا بد أن يجده، ومن يسعى إلى تسوية وضعيته الاقتصادية أو الاجتماعية لا بد أن يجد المساندة الملموسة لتحقيق ذلك. ولا بد من الاهتمام بشكل ملموس بالقضايا، التي ترفع من النمو في المجتمع كالقضاء على الأمية ومنح فرص التكوين الجيد، الذي يسعى إليه كل مواطن، وتطوير المرافق الصحية والتعليمية والسكن، التي تبقى ضمن أولويات المواطن المغربي. وبدون هذه الأمور لا يمكن إطلاقا أن نعيد الثقة إلى قلوب المواطنين، ونعيد خلق علاقات قوية بينهم وبين السياسة والسياسيين. كيف ترى مستقبل الحركة الاحتجاجية المغربية في ظل الحكومة الجديدة وتفاعلات الربيع العربي؟ آفاق الحركة الاحتجاجية بالمغرب غير واضحة على اعتبار أن الحكومة الحالية لازالت في بداياتها، وأن المحتجين والمتضررين من السياسات الموروثة عن الحكومات السابقة لازالوا ينتظرون ما يمكن أن تقوم به الحكومة الحالية. وهذه الأخيرة مطالبة بالتعامل بذكاء مع مطالب المواطنين، بما يضمن حقوقهم، وإلا فإن هذه الاحتجاجات ستتفاقم وستعرف أشكالا أكثر عنفا مما سبق.المجتمع المغربي هو الآن في حالة انتظار للإجراءات الملموسة التي ستقوم بها الحكومة، وفي حالة العكس، فإن العواقب ستكون أكثر عنفا، ولا يمكن التخمين بما ستؤول إليه الأوضاع. أما تأثير الربيع العربي على الحركة الاحتجاجية المغربية فقد خف لأن معظم الدول التي هبت عليها نسائم هذا الربيع قد حققت جزءا مهما من مطالب الثورات بها ولم تبق فيها الاحتجاجات بنفس الحدة، التي كانت في السنة الماضية، باستثناء الوضع في سوريا. لذلك فالاحتجاجات الآن تنطلق من الشروط الداخلية والمحلية لكل دولة على حدة لأن المحتجين يكيفون مطالبهم حسب ما يرغبون فيه داخل بلدانهم. فموجة الربيع العربي بدأت تخمد ويخف تأثيرها في المغرب.