تتزايد الاحتجاجات بالمغرب، بشكل يثير الكثير من القلق والمخاوف، لدى كل الفئات المجتمعية ، حيث تحول النزول الى الشارع، الى طقس يومي، يؤرق المسؤولين وصناع القرار، وهوما أصبح يرى فيه العديد من الملاحظين تهديدا واضحا لاستقرار المغرب ومستقبله. يرى العديد من المراقبين، أن الاحتجاج ظاهرة صحية، من أجل ابلاغ رسائل الى من يهمهم الأمر، وذلك عبر شعارات، ولافتات خصت جانب الشغل، السكن، الصحة، حرية التعبير، اطلاق المعتقلين، محاكمة ناهبي المال العام، أو محاربة الرشوة والفساد....... وعلى المسؤولين بدورهم، أن يتفاعلوا مع هذه المطالب، والأخد بها مأخد الجد، في حدود قابليتها للتطبيق، سواءعلى المدى القصير أوالمتوسط، ، وعدم مجابهتها بالإهمال وإدخالها في ثلاجة النسيان. ومايشهده المغرب، من اهتزازات والتي يمكن توصيفها ب "الخطيرة " في العديد من المدن المغربية، كمدينتي خريبكة واليوسيفية، حيث وصل الأمر بالمحتجين الى ايقاف القطار الحامل لشحنات الفوسفاط وتعطيله، مما تسبب في خسارة مالية قدرت بالملاييرخلال 6 ايام فقط. والأحداث الخطيرة التي اندلعت بمدينة كلميم الأسبوع الفارط، تظهر فشل المقاربة الأمنية في التعاطي مع احتجاجات حركة20 فبراير" والتي عاشت ليلة سوداء حيت تم اعتقال عدد كبير من نشطاء الحركة، ورميهم خارج المدار الحضري، بعد أن التنكيل بهم ضربا ورفسا " وذلك حسب بيان للحركة توصلت به" اليوم بريس." مدينة أسفي، بدورها عاشت عاصفة من الاحتجاجات، والتي وصفها الناطق الرسمي للحكومة خالد الناصري، ب " الخطيرة والخارجة عن اطار التعبير الديمقراطي " حيث تم احراق مقاطعة، وسيارات تابعة للدولة، وأوراق ووثائق رسمية، بالاضافة لعدد كبير من المصابين بجروح متفاوتة، لدى الطرفين: رجال الأمن والمحتجين. نفس الغليان عاشته، مدينة تينغير،حيث خرجت الساكنة في مسيرات حاشدة، منددة بعامل الاقليم ومطالبة برحيله. وعرفت جل المدن المغربية، حمى الاحتجاجات، حيث كل قطاع، وكل فئة لها مطالب معينة، تحاول ايصالها للجهات المعنية والمسؤولة. يبقى السؤال، لماذا تتعامل الدولة مع الاحتجاجات بمقاربات أمنية ؟ ولماذا دخلت في عملية التسويات والتوافقات في إطارمعالجة بعض الملفات دون أخرى؟ ولماذا لم تتم معالجة هذه الملفات في اطار شمولي ؟ يبدو أن الاجابة الحقيقية، على هذه الأسئلة لن تتحقق، سوى بالرجوع الى خلفيات النزول المكثف للجماهير الى الشارع ، حيث لعب مايسمى بالربيع العربي، دورا مهما في تأجيجها، والدفع بها الى مواصلة الاحتجاج والتصريح العلني بالتغييرواسقاط الاستبداد. فما قاساه المواطن زمنا من القمع السياسي، ومحاكمة" النوايا " بالأشغال الشاقة، ومصادرة حقه في الرأي ، والتشكيك في وطنية الافراد ، وزرع الرعب في النفوس . واجابة على التساؤل المطروح ، هناك حاليا توجهان كل واحد يرى المغرب بمنظاره الخاص، فالأول، يقول بأن المغرب لايختلف عن الأقطار العربية الأخرى، وأن كل شئ في المغرب مراقب سواء فيما يخص، حرية التعبير و الممارسة السياسية والنقابية، وأن "الانجازات" التي تتغني بها الدولة مجر د عملية تجميل للنظام، وأن المخزن هوالمتحكم في كل شئ، بما فيه أنفاس المواطنين. التوجه الثاني، الذي يبدو جد متفائل من بعض التعديلات والتغييرات التي عرفتها بعض المؤسسات، فيما يتعلق بالجانب السياسي والحقوقي، والاجتماعي، والاقتصادي، وكذا محاولة نظام الحكم بعث " رسائل تطمين"، مفادها أن الدولة ماضية في التغيير والتحديث، وعلى شباب المغرب الانخراط في بناء " الورش الكبير"، وقد بدا هذا واضحا في خطاب العرش ليوم 30 يوليوز الذي تم التركيز فيه على التأويل الديمقراطي للدستور. في نفس الاتجاه، يبقى السؤال المؤرق، هل هذه الانجازات التي تتحدث عنها الدولة كافية لإخماد فتيل هذه الاحتجاجات؟ نجد الجواب مباشرة في عمليات "الانتحار الجماعي" التي قام بها فئة من خرجي معاهد تكوين في قطاع الصحة، عندما تناولوا جماعة مايسمى" سم الفأرالقاتل"، وتم نقلهم على وجه السرعة الى قسم المستعجلات لانقاد حياتهم ، نفس الأمر، عند ما أقدم معتقلي السلفية الجهادية بسجن سلا على محاولة الانتحار، مطالبين مدير السجن بتسوية وضعيتهم أو الاقدام على رمي أنفسهم من سطح السجن، مما تسبب في اصطدام خطير بين المعتقلين وحراس السجن،نتج عنه اختناقات كادت أن تؤدي بحياة الكثيرين من الفريقين الى الموت المحقق. تتكرر نفس الحالة كل مرة مع المعطلين، عندما اقتحموا مقر حزب الاستقلال وتمت مواجهتهم بأنصار شباط بعنف شديد،وكذا اقتحامهم لوزارة الثقافة، والعديد من مؤسسات الدولة في العديد من المدن. نفس الوضعية المأسوية، سبق أن عاشها ويعيشها، أساتذة التعليم الابتدئي، والذين لقبوا ب "زنزانة رقم 9 " حيث أضحوا على شفى سنة بيضاء بسبب اعتصامهم وانقاطعهم عن العمل قرابة 5 أسابيع، وما أثارثه و ضعيتهم من استياء كبير لدى الأسر المغربية في غياب أي ضمان لحق تلامذتهم في التدريس والتعليم. لايقف الأمر، عند هذه الصورالدرامية، التي أصبحت مؤلوفة لدى المواطنين، بل أصبحنا نتابع يوميا خبر اقدام بعض الشبان في المدن المغربية، على احراق أنفسهم احتجاجا على الوضعيات المزرية، وتحميل المسؤولية للجهات المعنية. يلاحظ ، مع هذا السيل الجارف من الاحتجاجات، أن الدولة إلى اليوم، لم تقدم على وضع أية خطة واضحة وواقعية، لوقف هذا النزيف، باستثناء اللقاءات والمشاورات والتدخلات الأمنية، والكر والفرالذي نشهده في العديد من شوارع المملكة، وكذا محاولة الدولة القيام ببعض المبادرات للتخفيف من وطأة الإضرابات القاسية التي نفذتها بعض القطاعات الحساسة، كموظفي الجماعات المحلية، الذين خاضوا إضرابات مند سنوات، وقد كثفوا من وثيرة الاضرابات حيث أضحت بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع، مما زاد في محنة المواطن الذي يعاني من نقص في الخدمات اليومية. نفس الحالة لكتاب الضبط، الذين أرغموا و"قسموا ظهر" الدولة على وضع نظام خاص بهم، والرفع من رواتهم بزيادة ما بين 2000 درهم الى 3000درهم. نفس الطريقة اعتمدتها الدولة لامتصاص غضب موظفي الدولة، وذلك عندما أقدمت على زيادة تقدر، ب 600 درهم لكل موظف. ومن أجل التحكم وضبط الشارع بشكل آمن، خضعت الدولة لمطالب رجال الأمن وتم تعويضهم بشكل آثار استغراب الجميع وخلق حساسية لدى المشتغلين في القطاعات الأخرى. بالاضافة الى توظيف نسبة كبيرة من الدكاترة المعطلين الذين كانوا يقلقون راحة المسؤولين، وهم يعتصمون قبالة الساحة المحادية للبرلمان، ناهيك عن تعويضات أصحاب البدلة البيضاء من الأطباء والممرضين، بعد الذي تعرضوا إليه، حسب ما تضمنه البيان الذي وصفوا فيه العملية ب " الحقيرة " وطالبوا حينها بالاعتذار لهم من أجل فك الاعتصام. أئمة المملكة، "حزب الدولة الكبير"، لم يستفيدوا من التعويض الهزيل، إلا بعد أن عاشوا أياما عصيبة، تعرضوا فيها لكل أنواع الضرب والاهانة ، مما دفع بعاهل البلاد الى فتح تحقيق في الأمر . خصوصا ان الائمة يعتبرون،" الاحتياط " الحقيقي لحماية العرش. بالاضافة إلى شرائح أخرى من المجتمع خرجت للتظاهر أمام مقر العمالات، إما لتسوية أراضي سلالية، كما حدث في مدينة قلعة السراغنة، وتنغير وغيرها من المدن، أوبسبب المطالبة بمحلات تجارية من طرف الباعة المتجولين، أوبسبب ننرة المياه، حيث خرجت أكثر من 3000 محتج بمنطقة العطاوية التابعة لمدينة قلعة السراغنة، حيث خرجوا في مسيرة متوجهين الى مدينة مراكش، وقدووجهت من طرف رجال الأمن والقوات المساعدة مما خلفت العديد من الجرحى حسب ماورد في العديد من الصحف الجهوية. وتظهر السلطات مع هذا الواقع الجديد، " جد مرتبكة" في التعاطي مع مطالب الجماهير، مما جعل الملفات تتراكم، وسقف المطالب يرتفع، والتعبئة من طرف بعض "الجهات" التي تحرض، أن الدولة مقبلة على الإفلاس، وهو ما أصبح يشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار البلاد. يستنتج المتتبع للحراك الشعبي بالمغرب، أن كل الأفراد أصبحوا يخرجون للتظاهر،إما بهدف تحقيق", مطلب خبزي"، وهم يشكلون الأغلبية، كما صرح بعض المعطلين بأسفي الأسبوع الفارط في أحد الأشرطة المسجلة على اليوتوب حيث قالوا بالحرف" نحن لانريد اسقاط النظام وليس لنا أي مطلب سياسي، نحن نريد الشغل فقط"، وإما لمطلب سياسي وحقوقي خالص، وهم في نظري يشكلون أقلية، لكن كل جهة، وكل فرد، وجد ضالته في هذه الوضعية" المتأججة"، فهناك من يحاول تحقيق مآربه الخاصة، أوتسوية وضعية معينة كانت عالقة مند مندة، أوتحقيق قرب أوحضوة معينة، وهناك من وجدها فرصة من الأحزاب والجماعات ليصفي حسابه السياسي مع الدولة في الهجومات والتحرشات والضربات تحت الحزام التي كان يتلقاها من طرف بعض "عرابي" الدولة، وهناك من اكتفى فقط بالوعد والوعيد والسب والشتم والكلام السفيه عبر وسائل الاعلام . المخزن بحدسه التجريبي، يعرف كل جهة ماذا تريد، وكم وزنها، وكم تساوي، وماهي منطلقاتها وحدودها، ويعرف جيدا، الانتهازيين، والمتملقين، والوصوليين، والنزهاء، والمناضلين، من الجتمع السياسي أوالمدني. ويعرف من يساوم ومتى يساوم، ويحتوي في الوقت الماسب كل منابع التوثر، نظرا لخبرته الطويلة في فن الالتفاف والضبط الممنهجين، لكن هل هذه المنهجية القديمة /الجديدة المثملة في "لمكافأة والرهبة"، لاتزال قادرة أن تعطي مفعولها مع هذا العدد الهائل من المحتجين ؟ إن تفعيل الديمقراطية ودولة القانون، ومبدأ المساواة في الحقوق والوجابات، والمحاسبة والعقاب بالنسبة لكافة المغاربة على السواء، هو الثمن الحقيقي لإستقرار المغرب، وبدونهما لن يتوقف الاحتجاج، ولهذا فالأساليب " العتيقة" التي لازال يشتغل بها العديد من صناع القرار بالمغرب، أضحت متجاوزة خصوصا مع هذا "التسونامي " الجديد، ألا وهو الإعلام الإلكتروني. لهذا وجب وبسرعة، تغيير طريقة التفكير في التعاطي الايجابي مع العقل المغربي الذي أصبح قادرا على صناعة المستقبل بهدوء شريطة الإنصات إلى شعاراته وتطبيقها بشراكة معه.