مع تسارع التحولات الرقمية التي يشهدها المغرب، يبرز الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في إعادة تشكيل منظومة التعليم والتكوين، وهو ما كان محور نقاشات مستفيضة خلال لقاءين متتاليين احتضنتهما مدينة طنجة، حيث تباينت المداخلات بين التركيز على الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة التعلم، والتحذير من مخاطر الاستعمال غير المتحكم فيه، لا سيما بالنسبة لفئات التلاميذ والشباب. وفي سياق الاحتفال باليوم العالمي لإنترنت أكثر أمانًا، نظّم المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار بشراكة مع فضاء "مغرب الثقة السيبرانية" ندوة وطنية بطنجة تحت شعار "الذكاء الاصطناعي بين الفرص والمخاطر: أية مسؤولية للآباء وأولياء الأمور؟"، حيث شكلت مخاطر الأمن السيبراني على التلاميذ إحدى القضايا المحورية. وأكدت مديرة الموارد البيداغوجية والرقمية بوزارة التربية الوطنية، إلهام العزيز، التزام الوزارة بضمان الاستعمال الآمن للإنترنت في المدارس، مشيرة إلى الحاجة إلى "الاستخدام المتحكم فيه" للذكاء الاصطناعي، خصوصًا مع الانتشار الواسع للمنصات الرقمية بين التلاميذ. كما شددت على أهمية التربية على المواطنة الرقمية، وربط ذلك بحملة وطنية لمكافحة التنمر الإلكتروني والتحرش داخل المؤسسات التعليمية. بدورها، سلطت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالرباط، كارمن مورتي غوميز، الضوء على الجهود التي يبذلها المغرب في مكافحة الجريمة السيبرانية، مشيرة إلى أن المملكة صادقت على اتفاقية مجلس أوروبا لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت، وكذلك اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم الإلكترونية. واعتبرت غوميز أن هذه الخطوات "تعكس التزامًا متزايدًا بحماية الفضاء الرقمي، لكنها تحتاج إلى مواكبة دائمة مع التطورات التكنولوجية". وشارك في الندوة ممثلون عن وزارة العدل، المديرية العامة للأمن الوطني، رئاسة النيابة العامة، الدرك الملكي، وكالة التنمية الرقمية، منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إسيسكو)، والمرصد الوطني لحقوق الطفل، حيث تمت مناقشة آليات التوعية والتحسيس بمخاطر الاستخدام غير الآمن للتكنولوجيا بين الشباب، مع التركيز على ضرورة تعزيز التكوين في مجال الأمن الرقمي داخل المدارس. وفي سياق متصل، احتضن الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، بشراكة مع المعهد الفرنسي بطنجة وجامعة عبد المالك السعدي، النسخة الأولى من "اللقاءات القطاعية" حول تأثير الذكاء الاصطناعي على التربية والتعليم، تحت عنوان "إعادة اكتشاف التعليم: تغيير نموذج في عصر الذكاء الاصطناعي". وخلال مداخلته، اعتبر رئيس الاتحاد الجهوي، عادل الرايس، أن "الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد خيار، بل تحول إلى ضرورة استراتيجية في جميع القطاعات، بما في ذلك التعليم"، مشددًا على أن "أي تحول اقتصادي يبدأ بإصلاح المنظومة التربوية، وإعداد الأجيال القادمة للتفاعل بفعالية مع هذه التكنولوجيات الجديدة". أما القنصل العام لفرنسابطنجة والمدير المكلف بإدارة المعهد الفرنسي، فيليب تروكي، فقد ربط الموضوع بالسياق الدولي، مشيرًا إلى أن هذه النقاشات تتماشى مع "قمة العمل حول الذكاء الاصطناعي"، التي نظمتها فرنسا والهند، والتي جمعت ممثلين حكوميين من مختلف أنحاء العالم لبحث مستقبل هذه التكنولوجيا وتكيف المجتمعات والاقتصادات معها. وأضاف أن "الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مستقبلية، بل هو واقع راسخ ينبغي التكيف معه". وفي مداخلة أكاديمية، أوضح مدير المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة، أحمد مغني، أن جامعة عبد المالك السعدي أطلقت منذ سنة 2024 عدة دورات تكوينية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، بهدف "إعداد أطر مؤهلة قادرة على دعم التحول الرقمي والاستجابة للطلب المتزايد على الكفاءات المتخصصة في هذا المجال". ورغم تزايد الجهود الرامية إلى إدماج الذكاء الاصطناعي في المنظومة التربوية، يواجه المغرب تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية الرقمية، تكوين الأساتذة، وضمان الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيات من طرف التلاميذ. وفي هذا الصدد، شدد المشاركون في اللقاءين على ضرورة تطوير سياسات تعليمية متكاملة تجمع بين الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، والآليات الكفيلة بتقليل مخاطره، مع التأكيد على دور الفاعلين الترابيين والمؤسسات التعليمية في قيادة هذا التحول الرقمي بشكل مستدام ومسؤول.