في ساحة عمومية تتوسط مجمع العرفان السكني بحي بوخالف، عند مدخل مدينة طنجة جنوباً، يتجسد أحد أفظع المشاهد الإنسانية وأكثرها إيلامًا. اكتسب هذا المجمع سمعة سيئة بسبب انتشار ظاهرتي الدعارة والمخدرات فيه، من مظاهرها تسكع مجموعة من النساء والفتيات من مختلف الأعمار، في هذه الساحة التي صارت عبارة عن "موقف"، يتعاطين المخدرات هناك في انتظار زبون محتمل يبحث عن متعة رخيصة. غير أن ما يزيد من بؤس هذا المشهد هو وجود أمهات شابات، بعضهن لم يتجاوزن مرحلة المراهقة، يحملن أطفالهن الرضّع بينما يستنشقن مادة "السيلسيون" المخدرة. في مشهد يتحدى كل قوانين الحياة الإنسانية، تجلس إحدى هؤلاء الأمهات الشابات، تحمل طفلها بين ذراعيها، تمد أنفها إلى كيس بلاستيكي محشو ب"السلسيون"، الذي يستخدم عادةً كمادة لاصقة، لكن في هذه الزاوية المظلمة من الحياة يُستعمل كمخدر قوي. يتنفسه رضيعها الذي لم يتجاوز بضعة أشهر يتنفسون هواءً محملاً بالمخدرات، ما يهدد مستقبله الصحي والنفسي منذ لحظات ولادته الأولى. تبدو قصص هؤلاء النسوة والفتيات متشابهة إلى حد بعيد: الفقر، التفكك الأسري، والبحث عن مخرج في مدينة لا ترحم الضعفاء. "لم يكن أمامي خيار آخر"، تقول إحداهن بنبرة استسلام، وهي تحاول تهدئة طفلها الباكي. "وجدت نفسي هنا بعدما تخلى عني الجميع، وأنا الآن أم لطفل لا أستطيع حتى إطعامه بشكل لائق". ويشتهر حي بوخالف، وخاصة مجمع العرفان، بحملات أمنية موسمية تستهدف أوكار الدعارة، لكنها نادرًا ما تطال هؤلاء النساء والفتيات المتسكعات في الشوارع، ممن يعانين من الإدمان وغياب أي دعم حقيقي. إذ تبقى هذه التدخلات محدودة الأثر، ولا تضع حداً لدائرة الفقر والإدمان التي تستمر في اصطياد المزيد من الأرواح. ظاهرة تعاطي المخدرات بين هؤلاء النسوة أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بعالم الدعارة، حيث يعتبر المخدر وسيلة للهروب من الواقع المرير أو لجعل الأجساد أكثر قابلية للاستغلال. غير أن الضحية الحقيقية هنا هي تلك الأرواح البريئة التي تبدأ حياتها في بيئة قاسية، محاطة بالإدمان والفقر والعنف. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه النداءات قد أحدثت أثرًا حتى الآن. في حين تستمر الساحة في تقديم مشاهد تراجيدية لأمهات شابات، يجلسن على الأرصفة بين دموع صامتة وأنفاس تتنفس الموت البطيء.