في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي، ستكتشف المعلمة رسالة عند ابنتها مدسوسة بعناية في محفظتها، بعد وشاية من تلميذة كانت تدرس معنا في نفس الفصل. الرسالة كانت عبارة عن رسم فيه صورة قلب ينزف دما، ويمزقه سهمان متقاطعان. في رأس السهم الأول كتب اسمي بحروف بارزة، وفي رأس السهم الثاني كتب اسم بنت المعلمة المصون، مرفوقين بخطاب مطول فيه ما فيه من جميل الغزل ولظى أشواق الحب وتلميحات بالغيرة واعترافات بالجنون وعزم على التضحية، حتى أخر رمق بالنفس والنفيس من أجلي طبعا، مع التزام خطي بالصبر على الشاذة والفذة، وتعويضي عن كل نقص عاطفي، ذلك النقص والفقدان الذي خلفه غياب الأب وترك وشما محفورا في وجداني.. ما كادت المعلمة تنتهي من قراءة الرسالة، حتى طلبت مني الوقوف في الصف الأخير ميمما وجهي صوب الحائط مع لزوم رفع رجلي اليمنى، كما لو كنت ضحية لغم أرضي أتى علي فجعلني كسيحا. بعدها باشرت التفتيش في محفظتي عن أداة ما من أدوات الجريمة، أو أي خيط من خيوط "الحب" يقودها إلي ويدينني مع سبق إصرار وترصد. بعد أن أنهت "حماتي المستقبلية"، كما ظننت آنذاك، عملية التفتيش، فشلت في الحصول على أي شيء آخر غير رسالة الحب. لقد أخضعتني لتفتيش دقيق، كما لو أنه قبض على في "لاراف"، جيبا جيبا...حذاءا حذاءا تقشيرة تقشيرة، على مرأى ومسمع من التلاميذ. لقد تحملت هول الموقف لكن ما أغاضني هي تلك النظرات التي كان يطوقني بها غريمي الذي كان يتنافس معي على قلب ابنة المعلمة. أذكر وأنا بين يدي المعلمة أخضع للتفتيش كما لو كنت بين يدي شرطي قبض على مبحوث عنه صدرت في حقه مذكرة اعتقال، أو بين جمركي مختص في البحث عن المخدرات وليس في فصل دراسي بين يدي معلمة! كانت نظرات غريمي وابتساماته الخبيثة إعلانا لانتصاره علي. وأن السبيل إلى الفتاة بات أسهل بالنسبة له مما كان في السابق. هذه الحادثة لم تنتشر بين صفوف التلاميذ كثيرا حتى غطت عليها حادثة أخرى جعلتني أتنفس الصعداء من هول الموقف. حيث اهتزت المدرسة على وقع جريمة اغتصاب، كان بطلها تلميذ يبلغ من السن عتيا. تلميذ كان يستوطن كل مستوى سنتين أو أكثر. لقد أنهى سنواته الإجبارية لكنه كان يحصل في المقابل على استعطاف يخول له التربع على آخر طاولة في القسم. الضحية لم يكن سوى طفل في القسم الأول ابتدائي.