كانت أولى تجاربه في التصوير خلف حصان راكض. وظلَّ يركض وراء حلمه، حتى افتتح معرضه الثاني في قاعة "سيرفانتس" التابعة للمركز الثقافي الإسباني في طنجة. أيوب بدري (19 عاماً) افتتح معرضه الثاني على التوالي إلى جانب شاب وشابة آخرين تناولوا موضوع التعايش وتقارب الثقافات والديانات بين إسبانيا والمغرب. في رحلته التي استمرت طوال عام بين ضفتي المتوسط لإنهاء مشروعه حول هذه الثيمات؛ بدأ بدري بصورة التقطها من مسجد قرطبة بزاوية منكسرة، فقد وجد في الزاوية اختلافاً، يقول: "عندما نفتح متصفح جوجل، ونبحث عن صور للمسجد نراها متشابهة، ذات نمطية واحدة، لذلك اتجهتُ نحو توظيف الزاوية لالتقاط صورة مختلفة". انتقل البدري بعدسته بين جنوب إسبانيا (مالقا، إشبيلية، غرناطة، قرطبة) إلى جنوب المغرب وصحرائه، وجاء بصوره لإدارة قاعة "سيرفانتس" وطلب منهم أن يقدموا فرصة للشباب في عرض أعمالهم، وهو ما حصل. وأُطلِق على المعرض اسم "تأملات"، إذ نجد فيها تأملات بدري في صور ملّونة، يقول: "عندما تعلّمت الفوتوغراف مع شركة إسبانية، وجدت أنه من الأفضل عكس حالات الفرح بالألوان، وهذا ما اعتمدتُه في صوري من خلال ابتسامة الناس وفرحهم، وأردتُ أن أوصلَ رسالةً للعامة، بأنه يمكننا كبشر، رغم كل الاختلافات السلبية أو الإيجابية، أن نشترك بشيء جميل، ألا وهو الابتسامة". ومثّلها بدري في التفاتة كتف لراقصة إشبيلية وابتسامتها، ووضعها في إطار طوليّ يليق بها. توجّه الشاب بدري للاشتغال على مفهومه الخاصّ للتعايش وتجاور الثقافات. لم تكن الملامح البشرية طاغية على معرضه، بل كانت التقاطات لجذور عربية كالأدوات الموسيقية التي ما زالت حيّة وتستخدم في الجنوب الإسبانيّ، كالدفّ مثلاً، وهو إعادة إحياء من وجهة بدري التأملية. كذلك، اقترب في معرضه من ثيمة الانعكاس. واستطاع الشابّ الفوتوغرافي أن يتقن آلية الانعكاس من خلال تقنية خاصة بالتصوير. سيستمر عرض اللوحات حتى منتصف شهر فبراير المقبل. وشهد المعرض حضوراً جيداً من طرف عائلته وأصدقائه وداعميه. واستطاع الشاب الصغير أن ينجح في علاقاته الاجتماعية التي أضافت نوعاً من القوة على معرضه الحاليّ. بدري الذي تربّى على يد أم إسبانية تُدعى ماريا، تعلّم أن الطموح لا يحققه سوى التعب، يقول: "لقد تربيت أن أنظر إلى الأمام، رغم الظروف الصعبة التي واجهتها في حياتي الشخصية، إلّا أن ماريا ساعدتني على تجاوزها". لقد انضم أيوب بدري إلى مؤسسة "الأمل" (تُعنى بالأطفال وترعى أحلامهم) منذ اثني عشر عاماً، وتمكنت مديرتها، ماريا ألمندورس، أن تغيّر الكثير من الأطفال نحو الأفضل، وكان بدري من بينهم. يقول: "قدمت لي ماريا النصيحة ووجهتني لفرص عديدة وجيدة في الحياة. لقد استطعت أن أدرس في مدرسة إسبانية وأطمح الآن إلى متابعة تعليمي الجامعي في إسبانيا". وأضاف: "والدتي حضرت المعرض، وشعرَت بالفخر، وتابعتني في وسائل الإعلام. أمّا والدي، فقد منعه المرض من الحضور. كنت سعيداً بحضور الجميع". وأشار: "يصبح الإنسان أمام خيارات عديدة، عندما يولد في عائلة لا توفر له ظروفا وفرصا مناسبة، إمّا أن تختار الطريق الخاطئ وتبعاته أو تعمل بجدّ. لقد كانت حياتي التي عشتها في مؤسسة ماريا مدة (12 عاما) فرصة جديدة لي في العيش، وها أنا أستغلّها جيداً". إنّ العلاقة التي وطدها أيوب البدري مع كاميرته منذ خمس سنين تقريباً، كانت صالحة أيضاً رغم "عالم التصوير الصعب والمليء بالتحدي وفرض لمسات خاصة"، إنها لسان يتكلم حين يعجز عن التعبير عن نفسه، يقول واصفاً التصوير الفوتوغرافي "طريقة تواصل فنية من نوع آخر". ستصاحب بدري عدسته، أيضاً، العام القادم في مشروع أكبر، سيتوسع إلى مهرجان ثم مسابقة للفوتوغرافيين، يقول: “تُنظَّم في المدينة معارض للكتاب، لكنّ معارض للفنانين الفوتوغرافيين الشباب شيء مهمل دوماً. وهذا ما أسعى إلى تسليط الضوء عليه العام القادم". * صحيفة " العربي الجديد"