"مسرح ثيربانتيس الكبير" في طنجة شمالي المغرب، من الفضاءات التي تصنع الدهشة بالمدينة. هذا الصرح الثقافي الإسباني، الذي افتتح عام 1913، تنوي حكومة مدريد، التي تملكه التنازل عنه لصالح المغرب، ما قد يجعلها خطوة مهمة لفتح باب ترميم هذه المعلمة التاريخية في مدينة البوغاز. ويعيش المسرح الأقدم في المغرب وضعاً سيئاً، رغم محاولة سريعة لترميمه سنة 2007. فما قصة المسرح؟ وما تدابير مجلس مدينة طنجة والوزارة الوصية لحماية هذا التراث المادي؟ تفويت ثيربانتيس.. مسألة وقت وبذلت وزارة الثقافة المغربية ومجلس مدينة طنجة مجهودات، استطاع من خلالها الجانب المغربي طرح فكرة تفويت الجانب الإسباني لمسرح "ثيربانتيس الكبير" لصالح الرباط. بهذا الخصوص يقول محمد البشير العبدلاوي، عمدة مدينة طنجة، في تصريح ل"هافينغتون بوست عربي"، إن "تفويت المسرح يبقى مسألة وقت، إذ كان لتأخر تشكيل الحكومة الإسبانية دور في تأخير تفويت هذا الصرح الثقافي الإسباني للمصالح المغربية". خبر التفويت هذا نقلته سابقاً صحيفة "إلموندو" الإسبانية، التي كتبت أن الحكومة الإسبانية ستسلم المعلمة التاريخية ثيربانتيس بطنجة، الذي تم إغلاقه في أواخر الستينات من القرن الماضي. كما كشفت الصحيفة، في مقال بعنوان "إسبانيا تغادر طنجة"، أن عملية التسليم بين مدريدوالرباط، التي ستجرى بعد الانتخابات البرلمانية (شهدتها إسبانيا في ديسمبر/كانون الثاني 2016) ستكون وفق شروط محددة، من بينها إعادة ترميم المسرح، وكذا الحفاظ على هويته الثقافية من خلال إقامة برامج ثقافية بداخله أو تحويله لمتحف ثقافي. وستتكفل وزارة الثقافة بعملية إصلاح مسرح ثيربانتيس، كما أوضح محمد البشير العبدلاوي، عمدة مدينة طنجة، مشيراً إلى أن "المهم كمجلس وكمدينة، هو أن يتم إحياء المسرح الذي تجاوز مائويته بقليل، وأن يتم إصلاحه لكي يعود إلى نشاطه من جديد". الهدية.. صرح ثقافي في الثاني من أبريل/نيسان عام 1911، وُضع الحجر الأول على ربوة غير بعيدة عن المدينة العتيقة في طنجة، لبناء "مسرح ثيربانتيس الكبير"، الذي تحول بعد ذلك إلى واحد من روائع المعالم الثقافية، وصار قبلة لكل الفنانين والممثلين من الأجانب والعرب في زمن الحماية الدولية في طنجة. وجاء ذلك بعد أن فكَّر التاجر الإسباني مانويل بينيا في بناء هذا الصرح الثقافي لإهدائه لزوجته "اسبرانسا أوريانا"، التي كانت تعشق المسرح، فيما تكلف بإنجازه المهندس الإسباني الشهير "دييغو خيمينيث". مسرح ثيربانتيس أصبح جاهزاً عام 1913، ومستعداً لاستقبال العروض والجمهور معاً، إذ تسع بنايته لما يقارب 1400 شخص. وذكر الكاتب عبد القادر السميحي، في كتابه "نشأة المسرح والرياضة في المغرب"، أن هذا المسرح يتميز بخصوصية معمارية فريدة، إذ تم استيراد مواد البناء والزخرفة والمناظر من إسبانيا، بما في ذلك التماثيل التي تطالعك في الواجهة الخارجية للمسرح، وكانت زخرفة قبة الصالة من عمل الفنان الإسباني فديريكو ربيرا، الذي ضحَّى بمواصلة دراسته الفنية في باريس، وجاء ليقوم بهذا العمل الرائع. وكان لمسرح ثيربانتيس إشعاع ثقافي وفني كبيران في شمال إفريقيا وإسبانيا معاً، إذ لم يكن هناك عرض شهير في أوروبا لم يتم تقديمه في المسرح بطنجة، وسطعت على خشبته أسماء كثيرة منها أنطونيو كاروسو والباريتون تيتو روفو. كما قدمت بها مجموعة من العروض ك"عطيل" و"روميو وجولييت". وشهد أيضا العديد من التظاهرات المناهضة لفرانكو قبل إغلاقه في 1962، ثم تحوله لقاعة للمصارعة وبعدها إلى سينما. وقدمت أيضا في هذا المسرح أعمال عربية شهيرة، مثل مسرحية "صلاح الدين الأيوبي"، ثم مسرحية "المنصور الذهبي"، إضافة إلى مسرحية "مجنون ليلى" لمؤلفها أمير الشعراء أحمد شوقي. حالة خراب.. دعوات للإحياء بعد الحرب العالمية الأولى، الأحوال الاقتصادية لعائلة بينيا ستتدهور، ولم تعد قادرة على تحمل النفقات، لذلك اقترح الدوق "دوطوبال" على مالكي مسرح ثيربانتيس الكبير في طنجة أن يتم تحويله إلى كازينو، لكنهما رفضا المساومة، قبل أن يتنازلا سنة 1928 عنه للدولة الإسبانية في شخص قنصلها آنذاك في طنجة. وبعد أن شهد المسرح أوجه وألقه الثقافي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، تعيش هذه البناية الثقافية التاريخية اليوم وضعاً مزرياً، دفعت أصواتاً في الوسط الثقافي بالخصوص في المغرب وإسبانيا إلى الدعوة لإحياء المسرح، الذي يشكل حلقة وصل بين الضفة المغربية والأيبيرية. بهذا الشأن، ألفت الرسامة والكاتبة الإسبانية كونسويلو هيرنانديز كتاباً بالإسبانية عنوانه "مشهد في حالة خراب" كنداء فني وأدبي لإعادة الحياة لمسرح ثيربانتيس الكبير بطنجة، إذ قامت من خلاله بتحسيس المقاولات والفاعلين السياسيين بإسبانيا والمغرب بأهمية وضرورة الحفاظ على هذه المعلمة التاريخية. كما يُعد مُؤلَّفُ الكاتبة -التي عاشت في طنجة لمدة مهمة- دعوةً صريحةً لتشجيع السلطات على تقديم مشروع يعيد تأهيل هذه البناية المهددة بالدمار. طنجة.. تراث عالمي "لا يمكن لهذه البناية أن تنهار".. ربما يكون هذا الجواب الجازم اليوم للمسؤولين والسلطات المحلية في مدينة طنجة، خصوصاً بعد تفكيرهم في إدراج المدينة ضمن التراث العالمي الإنساني. في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، احتضنت طنجة ورشة تفكير أولى حول مشروع إدراج مدينة طنجة ضمن التراث العالمي الإنساني، من طرف اليونسكو. فمدينة طنجة "لها من المقومات التاريخية ما يجعلها تُدرج ضمن التراث العالمي الإنساني. وهناك دينامية كبيرة كذلك لإعطاء إشعاع تاريخي وتراثي لها"، كما يؤكد محمد البشير العبدلاوي، عمدة مدينة طنجة ل"هافينغتون بوست عربي". ويوضح بهذا الخصوص أن مجلس المدينة "له مخطط للمحافظة على التراث المادي لطنجة، من خلال صيانة وترميم عدة معالم تاريخية وتراثية تتميز بها، ولذلك خصص مبلغاً مالياً مهماً لإصلاح البنايات التاريخية المصنفة تراثاً وطنياً". * هافينغتون بوست