للمرة الأولى في تاريخ إسبانيا الحديث، تتراجع الثنائية الحزبية يمين يسار إلى الخلف، فاسحة المجال لبروز قوى سياسية جديدة وجيل جديد من المرشحين للانتخابات التشريعية غيرت المشهد السياسي بهذا البلد الإيبيري. وشهدت الساحة السياسية الإسبانية في السنوات الأخيرة بروز شخصيات سياسية جديدة، لاسيما بسبب فضائح الفساد التي هزت الحزبين التقليديين، الحزب الشعبي (يمين) والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني (يسار)، والأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت هذا البلد الإيبيري سنة 2008. ومن بين الوجوه الجديدة التي برزت على الساحة السياسية الإسبانية الأمين العام لحزب سيوددانس، يمين وسط، ألبرت ريفيرا (37 سنة)، المحامي والمستشار القانوني السابق لإحدى البنوك الخاصة، الذي دخل عالم السياسة سنة 2006 بعد اختياره مرشحا في الانتخابات الجهوية بكاتالونيا. ويقدم ريفيرا، الذي اختار اليمين الوسط والمؤيد للتغيير والمناهض للانفصال، نفسه كبديل لليمين التقليدي الذي سحقته سنوات الأزمة الطويلة وهزته فضائح الفساد. وفاز ريفيرا، وهو متحدث بارع يحرص على التواصل عبر الشبكات الاجتماعية، بمقعد سنة 2006 ببرلمان جهة كاتالونيا وعمره حينها لا يتجاوز 27 عاما. وظل يشغله إلى غاية 2015. وجه آخر، يمثل اليسار الراديكالي، هو الجامعي والإعلامي، بابلو اغليسياس (38 سنة)، الأمين عام لحزب بوديموس، الذي لا يتردد في التعبير عن رفضه لكل ما يمثل الطبقة السياسية الإسبانية الكلاسيكية. هذا المدريدي ذي الشعر الطويل المقيم في شقة متواضعة بضواحي العاصمة الإسبانية، كان عضوا في البرلمان الأوروبي ل14 شهرا منذ مايو عام 2014، قبل أن يتفرغ للحملة الخاصة بالانتخابات المقبلة. وفاز حزبه، بوديموس، المنبثق من رحم حركة "الغاضبين" والذي غالبا ما يوصف بالشعبوي من قبل الأحزاب الأخرى، برئاسة بلديات عدد من المدن الكبرى في الانتخابات الإقليمية والبلدية الأخيرة، التي جرت في مايو الماضي بإسبانيا، منها العاصمة مدريد وبرشلونة. وسيواجه هذان الزعيمان السياسيان، اللذان ليست لهما خبرة لكنهما متحمسان للغاية، في الانتخابات التشريعية لبعد غد الأحد، مرشحا شابا آخر هو زعيم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، بيدرو سانشيز (43 سنة)، أستاذ الاقتصاد بجامعة مدريد، الذي اشتهر قبل سنتين عقب انتخابه زعيما للاشتراكيين. وكان سانشيز، الذي يقدم نفسه على أنه اشتراكي ديمقراطي، عضوا في مجلس مدينة مدريد وعضوا بمجلس النواب، حيث اشتهر بانتقاداته المستمرة لإدارة حكومة المحافظين، وتولى زعامة الحزب الاشتراكي في إحدى أحلك مراحل هذا الأخير، بعد فضائح اختلاسات أموال عامة التي تورط فيها عدد من قادته. من جهته، يقول رئيس الحكومة المنتهية ولايتها وزعيم الحزب الشعبي، ماريانو راخوي، البالغ من العمر 60 عاما، إن له مسارا مهنيا يزيد عن 34 سنة في السياسة، كما أنه كان وزيرا خمس مرات. ويبدو أن حزبه، الممثل الكلاسيكي للمحافظين الإسبان، يبقى الأقدر على الفوز في الانتخابات التشريعية المقررة بعد غد الأحد، على اعتبار أن استطلاعات الرأي الأخيرة تمنحه الفوز في هذه الاستحقاقات، دون الحصول على أغلبية مطلقة تخوله الحكم بمفره. وانخرط راخوي، وهو موثق ينحدر من غاليسيا، الذي يتزعم الحزب الشعبي منذ سنة 2004، مبكرا في صفوف هذا التنظيم السياسي الذي أسسه وزراء سابقين على عهد فرانسيسكو فرانكو، قبل أن يتحول سنة 1989 إلى الحزب الشعبي الحالي. وبغض النظر عن انتمائه، فإن الرئيس المقبل للحكومة الاسبانية سيواجه ملفات شائكة، على رأسها قضية كاتالونيا، وانعكاسات الأزمة الاقتصادية، التي لا زالت قائمة رغم التحسن الذي عرفه الوضع الماكرو اقتصادي لإسبانيا. *و م ع