18 ديسمبر, 2015 - 04:27:00 تشهد اسبانيا يوم الأحد 20 دجنبر انتخابات حاسمة، يتنافس فيها لأول مرة أربعة أحزاب قوية. إنه الاقتراع الأهم في شبه القارة الإيبيرية سيحدد اختيار الإسبان من بين حركة "غاضبون" التي ظهرتن منذ سنة 2011 بتأثير من رياح "الربيع العربي"، و التي يتحدث مرشحوها عن "التغيير" أم انهم سيفضلون أن تدار البلاد مرة أخرى من طرف دعاة "الاستقرار" الذي تقول به الأحزاب القديمة. هنا ترجمة لتحليل سياسي أعده موقع "ميديا بارت" الفرنسي وفيه تلخيص للصراع الانتخابي الإسباني ورهاناته. ترجمة: سعيدة قطر الندى ليسا اثنين كما العادة، بل أربعة أحزاب هذه المرة، تتطلع للفوز في الانتخابات التشريعية بإسبانيا، يوم الأحد القادم. فبعد أكثر من أربع سنوات عن انبثاق موجة "غاضبون" مع معدل بطالة يفوق %20 لازال المشهد السياسي الاسباني يواصل تحوله. نتائج الاقتراع تبقى غير مؤكدة، كما يبقى مجهولا تحالف الأحزاب الذي سيتشكل بعد الانتخابات. هذا موجز عن استراتيجية الأحزاب الأربعة المتنافسة. ارتضى ماريانو راخوي Mariano Rajoy رئيس وزراء اسبانيا (من الحزب الشعبي اليميني)، قبول المشاركة في مناظرة متلفزة وجها لوجه مع منافسه السياسي الاشتراكي بيدرو سانشيز Pedro Sanchez مساء الاثنين بالأكاديمية الاسبانية لعلوم وفنون التلفزيون. منذ بداية الحملة الانتخابية، تجاهل المرشح المحافظ ، لولاية أخرى قيادة الحزبين اللذان ولدا كرد فعل على الأزمة، وهما كل من بابلو اغليسياس Pablo Iglesias عن حزب "نستطيع" أو "بوديموس"، وألبير ريفيرا Albert Rivera عن حزب "مواطنون" بعد أن رفض بشكل ممنهج خوض أي سجال معهما، وهي صورة قوية لبداية الحملة الانتخابية. صراع "القديم" ضد "الجديد". وضع سبق ملامسته خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011 التي خرج منها ماريانو راخوي منتصرا. كما أن إضعاف الثنائية الحزبية (الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي الاسباني، وهي ثنائية حزبية غير مكتملة حسب محللين سياسيين) بدأت إرهاصاته مع الانتقال ما بعد حكم فرانكو بداية سنوات الثمانينات وقد ارتفعت وتيرته منذ ماي 2014. سيكون من المحتم التحليق إلى الأحد اللامع بأربع تشكيلات متضامنة (تتوقع استطلاعات رأي تقدما طفيفا للحزب الشعبي واحتلال "نستطيع" مؤخرة الركب)، إذا تمت مراجعة المقاربة فإن السياسة الاسبانية سيكون بامكانها الدخول إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة "انتقال ثاني" كما تطمح الأحزاب الصاعدة. منذ عودة الديمقراطية (الانتخابات التشريعية الأولى بعد وفاة فرانكو تعود إلى سنة 1982) لم يعرف الاقتراع حدة هذه المنافسة. "إذا تأكدت استطلاعات الرأي فإننا سندخل أرضا مجهولة" هكذا لخص الوضع الجامعي وكاتب الافتتاحيات خوسيه اغناسيو توريبانكا José Ignacio Torreblanca . فالمشهد يبدو غامضا جدا وكذلك النتائج، الأمر الذي لا يسمح بأن نعرف منذ الوهلة الأولى من سيحكم حتما ليلة الأحد العام المقبل. ففي البداية سيكون من الضروري إبرام "عهود" والخروج بتشكيلة مبتكرة في التاريخ الجديد لإسبانيا، الأمر الذي قد يتطلب وقتا. فأيام قليلة تفصلنا عن يوم الاقتراع (تجدر الإشارة انه تم منع استطلاعات الرأي منذ صبيحة الثلاثاء) ولازال كل شيء ممكنا: استمرار "القديم" متمثلا في الحزب الشعبي بدعم من حزب "مواطنون"، تحالف بين الحزب الشعبي العمالي الاسباني (ح.ش.ع.إ) وحزب "مواطنون" لإقصاء الحزب الشعبي من السلطة، أو مرة أخرى من يدري "رهان" على اليسار بين "الحزب الشعبي العمالي الاسباني" و "نستطيع" (وهذا محتمل إذا تقدم "بوديموس" عن ح.ش.ع.إ وهذه الفرضية لم يتصورها أي استطلاع رأي). ستسجل الانتخابات التشريعية يوم الأحد كذلك إغلاق مرحلة انتخابية خرقاء بلا معنى بالنسبة لإسبانيا هذه السنة بعد الانتخابات الجهوية بالأندلس في مارس حيث فاز الاشتراكيون، والتي تلتها الانتخابات البلدية وبعض الانتخابات الجهوية في ماي، وأخيرا الكطالانيين في سبتمبر (انتصار الاستقلاليين)، فإن هذا الاقتراع الأخير في هذه السنة هو بمثابة الأهم لأنه هو من سيحدد في جزء كبير منه إذا كان البلد تحركه بالفعل حركة "غاضبون" منذ سنة 2011 و التي يتحدث مرشحوها عن "التغيير" أو انه يفضل أن يدار مرة أخرى من طرف دعاة "الاستقرار" الذي تقول به الأحزاب القديمة. الحقيقية الوحيدة اليقينية في هذا الوضع هو أن رئيس الوزراء سيكون رجلا حيث إن انتخابات 20 دجنبر هاته ذكورية بامتياز لأنها قطعت مع الوجوه البارزة لنساء السياسة مثل مانويلا كارمينا Manueal Carmena التي توجد اليوم على رأس مدريد. ومهما كان الوضع فتحديات الجهاز التنفيذي المقبل معروفة، بداية عليه الإجابة عن الوضع الاجتماعي المستعجل؛ فبلد 46 مليون نسمة يستمر في إعلان معدل بطالة يفوق %21، وخلال الستة أشهر الأولى من السنة تم نزع مساكن أكثر من 37 ألف أسرة، مما يجعل من نزع الملكية العقارية أحد أكبر معضلات القوة الاقتصادية الرابعة بمنطقة الأورو. إضافة أنه سيكون من الضروري إيجاد حل للمشكل الكطالاني، فالاستقلاليون الفائزون بسبتمبر لم ينجحوا بعد في تشكيل حكومة. وأخيرا فمدريد ستجد نفسها عاجلا تحت ضغط بروكسيل التي لم تكن تؤمن بأهداف حكومة راخوي فيما يخص تقليص الدين وكذا العجز العام. ماريانو راخوي: تفادوا سيناريو على الطريقة "البرتغالية" المرشح الخاسر سنة 2004 (ثلاثة أيام بعد العمليات الإرهابية بأتوشا) وكذلك سنة 2008، راخوي انتهى بان فرض نفسه كوريث لخوسيه ماريا أثنار نهاية 2011، منتصرا على منافسه خوسي لويس رودريغو ثباتيرو (الذي حصل على %44 من الأصوات). منذ نهاية نوفمبر لم يقم راخوي بأي عمل كبير فهو يبحث قبل كل شيء عن تقليص تسرب عدد الناخبين نحو "مواطنون" ووعده كان دائما نفس الوعد: "استقرار" البلد من أجل مواصلة إنقاذ الاقتصاد. ماريانو راخوي الحزب الشعبي يعلم أن رمزه جد متورط في العديد من قضايا الفساد (مثل قضية "بارسيناس" حول تمويل الحزب الشعبي حينما كان يترأسه راخوي وكذلك العملية المسماة "بينيكا" بمدريد. بيدرو سانشيز: البديل الحقيقي عن "راخوي" لاسترجاع الصوت الناجع بيدرو سانشيز ذو تكوين اقتصادي ولد سنة 1972 (راخوي مزداد سنة 1955)، أعطى جرعة شباب ل"الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني" كان يلزمه وقت طويل ليتعرف عليه الإسبان عبر وسائل الإعلام، كما أنه عانى من منافسة أقوى رئيسة للأندلس الاشتراكية سوزانا دياز Susana Diaz التي على ما يبدو أنها ترددت كثيرا لخوض الانتخابات التشريعية فأضعفت سلطة سانشيز داخليا لعدة شهور. بيدرو سانشيز سانشيز منذ أن ارتدى المعطف وحصل على دعم غالبية "بارونات" الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني أظهر نفسه كمحارب يبحث على تجسيد نوع من الترشح "المؤدب" ضدا على أعمال الفساد والاختلاس للحزب الشعبي. غير أن الإشكال الحقيقي هو أن الحزب الاشتراكي عرف مظاهر فساد تناقلتها وسائل الإعلام على نطاق واسع (خاصة بالأندلس)، ويضاف إلى نقط ضعفه هاته أنه كان مضطرا للدفاع عن حصيلة أسلافه، خاصة حصيلة الولاية الأخيرة لثاباتيرو التي اتسمت بضغط شديد للأسواق المالية (سياسات التقشف...). بابلو إغليسياس: ملهم الحزب الشعبي لإتمام "العودة" استعمل حزب بوديموس مصطلح "العودة" لوصف صعودهم الخيالي الذي ينتهي بكسب المباراة، وهو تعبير يستعمل في كرة القدم. في العمق هدف بابلو أغليسياس لم يتغير: ليس من الضروري كسب الانتخابات تجاوز الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني سيكون أمرا مستحسنا من أجل الظفر بمكانة حزب اليسار الأول بإسبانيا. وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة فإن الفارق بين "نستطيع" أي "بوديموس" والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني سيكون ليس أقل من مليون من المترددين. بابلو إغليسياس على خط اليمين الأخير يظهر إغليسياس أكثر راحة وأكثر لياقة أيضا (فقد تخلى عن منصبه المالي وما يرافقه من ذهاب وإياب إلى ستراسبورغ وبروكسيل) ووضع خطته "المركزية" على الصامت، حيث موقع "لا يمين لا يسار" وهي الخطة الغالية على مؤسسي "بوديموس". هذا الحزب الذي يبحث عن إعادة إحياء الصلة ب"الغاضب" المتخيل لديه، غير أن الإشارة التي لا تخطئ هي ظهور عمدة مدينة برشلونة التي لم تقم بالحملة لصالح لائحة "بوديموس" في الانتتخابات الجهوية في سبتمبر، إلى جانب أستاذ العلوم السياسية الذائع الصيت بإسبانيا خلال اللقاء الكبير يوم الأحد بمدريد. إغليسياس يعلم جيدا مكان الأهداف المناسبة وهي في الأماكن حيث حازت أرضيات "غاضبون" بفوز في البلديات شهر ماي (Madrid, Galice, Saragosse, Cadix, Barchelone). على خط اليسار يستمر انتقاد الحزب "على يمينيته" و"ابتذاله"، فالاتفاقية المبرمة ببروكسيل شهر يوليوز بين أثينا والاتحاد الأوربي لم تسهل الأوضاع، اغليسياس عرف عنه انه أخد على عاتقه دعم حليفه أليكسيس تسيبراس Alexis Tsipras مهما كانت التكلفة في خطر مفاجأة جمهور الناخب الطبيعي. "بوديموس" سيكون عليه أيضا دفع ثمن غالي لعدم قدرته إشعال دينامية حقيقية. إضافة إلى صعوبات أخرى منها أن "بوديموس" تم إضعافه بالصعوبات التقنية التي يواجهها الاسبانيون بالخارج للتصويت يوم الأحد. ألبير ريفيرا: هزم "بوديموس" ليظل حزبه حزب "التغيير" الأول على عكس "بوديموس" الذي خرج منهكا من الانتخابات الكطالانية فإن حزب "مواطنون" كان أحد أكبر الرابحين من الانتخابات الجهوية بسبتمبر. حزب ألبير ريفيرا (المنحدر من كطالانيا والمتواجد منذ سنة 2005) أصبح الحزب الأول المعارض للاستقلاليين أمام الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني والحزب الشعبي أو حتى "بوديموس" ، حسب بعض استطلاعات الرأي – المضخمة قليلا دون شك- وإذا اتبعنا تحليل موقع InfoLibre (شريك ميديا بارت) فهم يتوقعون فوزا حتميا لهذا المحامي المزداد سنة 1979 وحلفائه. ألبير ريفيرا تموضع حزب "مواطنون" الذي يعتمد على دعم هائل لأجهزة الصحافة هو تموضع بسيط، فهو يقدم نفسه كنسخة مجددة وجدية ونقية لليمين الاسباني ويريد قبل كل شيء امتصاص أصوات الحزب الشعبي، فأكبر نسبة لكتلة المترددين توجد بين الحزب الشعبي و"مواطنون" وهي تمثل زهاء مليون ونصف ناخب حسب توضيح المحلل السياسي بابلو سيمون . الاقتصادي زعيم "مواطنون" هو ليبرالي قح، ففي ماي 2014 قام مواطن بنكي كطالاني بإعلان أمنياته لردع صعود "بوديموس" وأعلن نيته خلق "بوديموس اليمين" وأمنيته لم تتأخر لتتحقق على أرض الواقع. ألبيرتو غارزون: حصر الإنكسار من بين العديد من المرشحين الآخرين الذين تقدموا للانتخابات 20 دجنبر (بما فيهم أحزاب جهوية التي ستزيد من تعقيد قراءة هذه الانتخابات)، ضمن هاته الوجوه هناك ألبيرتو غارزون Alberto Garzon ، نائب منسحب وأحد رموز الحزب الشيوعي يتقدم تحت ألوان "الوحدة الشعبية". الحزب الشيوعي هو تحالف أحزاب مشكلة سنة 1986 انتهت أمام "بوديموس" في نظر أروبيي ماي 2014، وقد كان هذا الحزب يظهر في الأصل كوعاء طبيعي للاحتجاج "الساخط" بالصناديق، لكن الحزب تم ابتلاعه تحت تأثير "تسونامي بووديموس" كما دعا ذلك غارزون نفسه سنة 2014 . منذ شهور والمعني بالأمر يرافع من أجل تحالف مع تشكيلة بابلو اغليسياس الأمر الذي لم يخرج أبدا إلى حيز الوجود. فغارزون الذي يمثل هو أيضا الجيل الجديد (مزداد سنة 1985) يحمل على أكتافه مصير حزب متأزم، أحد "باروناته" تورطوا هم أيضا في أعمال الفساد (قضية بطاقات الائتمان المفتوحة )، سيكون هدفه قبل كل شيء هو ضمان التمثيلية بالغرفة (بتجاوز عتبة %3)، يمكن أيضا أن يكون له تأثير كشظية مزعجة ل "بوديموس"، منتزعا منه بعض النقط على يساره.