في صبيحة الجمعة 31 مارس من سنة 1905 رست سفينة الامبراطور الألماني غيوم الثاني في عرض ساحل طنجة وبجوارها بارجة حربية ألمانية، بينما كان في الميناء وفد مغربي ينتظر نزوله برئاسة عبد المالك بن عبد الرحمن عم سلطان المغرب المولى عبد العزيز. كان البحر ذلك الصباح هائجا قليلا فاعتذر الامبراطور عن النزول من سفينته حتى يهدأ هذا الهيجان، وكان الوفد المغربي قد هيأ كل شيء لاستقبال هذا الوافد الكبير. فرش الميناء كله ونصبت الأعلام وهيئت دار المخزن بالقصبة بأفخر الزرابي، وأعد مكان بمرشان لاستراحة الامبراطور. في الساعة الحادية عشرة والنصف من صبيحة تلك الجمعة قرر الامبراطور أخيرا أن ينزل بعدما ظل ينتظر ثلاث ساعات ونصف سكون هيجان البحر، فاستقبله الوفد المغربي بحفاوة كبيرة، وكان من بين مستقبليه القائد العسكري في صفوف الجيش المغربي "السير ماكلين". كلن مقررا في برنامج الزيارة أن يتوجه الامبراطور من الميناء إلى دار القصبة ثم إلى مكان استراحته، إلا أنه وعلى نحو مفاجئ عدل عن ذلك وقرر زيارة المفوضية الألمانية المتواجدة بالسوق "البراني"، فصعد الصياغين أمام حشود غفيرة من ساكنة طنجة التي خرجت لمشاهدة هذا الامبراطور. من المفوضية الألمانية أعلن غيوم الثاني للوفد المغربي ولنائب فرنسا أنه يقوم بزيارة إلى بلد مستقل وعليه أن يبقى حرا في سلطته ومفتوحا لجميع الأمم دون احتكار من طرف أو امتياز لطرف بأي شكل من الاشكال، ثم عاد إلى الميناء لركوب سفينته والرحيل بعد زيارة دامت ساعتين فقط. يقول المؤرخون الاجانب أن الامبراطور استصغر الوفد المغربي الذي استقبله وكان يطمع في أن يستقبله السلطان بنفسه، وهذا هو الأمر الذي دفع به إلى تجنب برنامج الزيارة والاقتصار على زيارة المفوضية الألمانية، وتقصير مدة الزيارة إلى ساعتين. لكن بعيدا عن كل ذلك فالحقيقة أن الامبراطور الالماني لم يهدف في خطابه إلى تأكيد استقلال المغرب بقدر ما هدف إلى التحرش بفرنساوانجلترا ومحاولة ضرب التوافق الودي الذي حدث بين هاتين الدولتين عندما اتفاقا سنة 1904 على أن تسمح فرنسا بتدخل انجلترا في مصر مقابل أن تسمح انجلترا بتدخل فرنسا في المغرب. فخلقت هذه الزيارة جدلا واسعا في أوربا استمر لسنوات طويلة بين ألمانياوفرنسا كادت خلالها أن تنشب بين الدولتين حرب جديدة، لكن بعد مفوضات طويلة توصلا إلى توافق سنة 19011، تم فيه الاتفاق على منح ألمانيا بعض المستعمرات الفرنسية في وسط افريقيا، مقابل ترك حرية الانفراد بالمغرب لصالح فرنسا. هذا الاتفاق والمفاوضات العديدة التي سبقته أثبتت أن زيارة الامبراطور إلى طنجة لم يكن هدفها تأكيد الاستقلال بقدر ما كانت محاولة ضغط لإجبار الدولتين فرنساوانجلترا على إدخال ألمانيا في "حسابهما" في قضية اقتسام المستعمرات، خاصة أن ألمانيا كانت متخلفة عن الركب في هذا المجال آنذاك.