يوافق اليوم الثلاثاء 31 مارس، واحدا من أهم الأحداث الاستعمارية خلال العقد الأول من القرن العشرين، ففي هذا اليوم من عام 1905، زار غليوم الثاني امبراطور ألمانيا مدينة طنجة. حيث اعتبرت هذه الزيارة حدثا تاريخيا مهما في تاريخ المغرب المعاصر لكونها جاءت في ظرفية دولية دقيقة تميزت بالضغط الاستعماري على المغرب ومحاولة تطويقه دوليا. وترتبط هذه الزيارة بالتصريحات التي أدلى بها الإمبراطور الألماني أمام الوفد المخزني الرسمي من جهة، والجالية الألمانية من جهة أخرى، حيث ركز فيها على استقلال المغرب وسيادة عاهله، وعبر عن اهتمامه البالغ بمصالح بلاده الاقتصادية فيه، ومعارضته أية محاولة تقوم بها أية دولة بغية تغيير الوضع الراهن فيه، ويجمع المؤرخون على أن هذه الزيارة دشنت مرحلة جديدة في السياسة المغربية الألمانية التي كانت عازمة في تلك الأثناء على الوقوف بصمود أمام المشاريع الفرنسية. الاستعدادات لاستقبال العاهل الألماني غليوم الثاني بطنجة.
تثبت جميع الوثائق المغربية عن المكانة الهامة التي احتلتها هذه الزيارة في التعليمات السلطانية، إذ كان المخزن منصبا على الاستقبال الذي ستخصصه مدينة طنجة لهذا الضيف، فنجد الباحث "مصطفى بوشعرا" يورد لنا في كتابه "التعريف ببني سعيد السلاويين ونبذة عن وثائقهم" مجموعة من الوثائق التي بينت بشكل واضح أهمية هذه الزيارة والعناية الخاصة التي شملتها من طرف سلطان المغرب المولى عبد العزيز. وفي هذا الباب نجد أيضا أن مدينة طنجة كانت تستعد لاستقبال الإمبراطور حيث وصفت لنا جريدة السعادة (الطنجية) التي كانت تصدر في مدينة طنجة منذ سنة 1904 والتي واكبت حدث هذه الزيارة ورصدت مظاهرها واستعداداتها، فنجد هناك مقالا يصف بالتفصيل كيف كانت المدينة تستعد لاستقبال الامبراطور غليوم الثاني.
وصول الامبراطور الألماني إلى طنجة يوم 31 مارس 1905:
عاشت مدينة طنجة عواطف متناقضة طيلة الصبيحة، فلم يكن الناس يصدقون أنهم سيرون العاهل الألماني لمدة خمس ساعات،.. حتى تم الإعلان عن الهامبورغ التي تحمل على جنابتها الامبراطور الألماني، محروسا من طرف الطراد "فريدريك شارل"، كما كانت هناك اثنتين من السفن الفرنسية لينوا ودوشايلا اللتان ستقومان بأداء التحية الرسمية للإمبراطور كما أن الهيئة الدبلوماسية بلباسها الشرفي كانت تنتظر قدومه لاستقباله بطريقة رسمية، وقد بعث السلطان المغربي "المولى عبد العزيز" عمه السلطان المولى "عبد المالك بن عبد الرحمان" ليكون هو الاخر في انتظاره من أجل أن يقوده إلى القصر الموضوع تحت إشارته من طرف المولى عبد العزيز. لكن رغم أنه من المفروض أن يصل الإمبراطور إلى ميناء طنجة في الساعة الثامنة صباحا إلا أنه قد تأخر عن الموعد، وقد أرجعت بعض المصادر أن سبب التأخر هو سوء الأحوال الجوية، غير أن هناك بعض الإشاعات التي قالت أن سبب التأخر هو وجود مؤامرة فوضوية وأن المفوضية الألمانية كانت قد شعرت بها. وعلى الساعة التاسعة والنصف صباحا، استقر قارب بحري على طول الرصيف، فظهر فيه عدة ضباط من البحرية وأعلنوا أنه يحتمل أن الامبراطور لن تطأ أقدامه الأرض وسيعود في وقت لاحق. وظل السؤال الذي يتردد في ذهن الجميع آنذاك هل فعلا لن ينزل؟ وفي تمام الساعة 11 و 50 دقيقة نزل الإمبراطور الألماني غليوم الثاني على رأس وفد ضخم لزيارة طنجة. وفور نزوله تم إطلاق ثلاثة وثلاثون قذيفة ترحيبية، ووجد في استقباله ممثل السلطان المغربي"عبد المالك" وأعيانه، وأهم المندوبين الألمان بينما غابت الهيئة الدبلوماسية. فاستقبلوه، وأدوا له التحية، فأجابهم على العادة بما يناسب المقام، وقدموا له خير الجياد بسرجه المذهب. وركب مكتنفا بعماله في تبعيته المولى عبد المالك ومن معه. من خلال بعض الوثائق والصحف الفرنسية التي واكبت الحدث نجد أنه تم استقبال الإمبراطور لدى نزوله في زي من المشاة من حرسه من طرف عم السلطان عبد المالك الذي أجرى معه حديثا قصيرا، ثم توجه الإمبراطور نحو المندوبين الألمان، فتكلف أحد الأعضاء بقراءة كلمة الترحيب التي تجاوب معها غليوم الثاني. وبسبب تأخر وصول الإمبراطور كان هناك تغيير في البرنامج حيث تم إلغاء زيارة القصبة، إلغاء الاستعراض، إلغاء لقاء الصحافة، واحتفظ بالاستقبالات الرسمية فقط. دخل الإمبراطور صالة المفوضية حيث استقبل أعضاء الهيئة الألمانية ورؤساء المصالح الديبلوماسية والمنبهي الوزير السابق للسلطان والقائد ميكلان. لوحظ الإمبراطور يتحاور لأكثر من ربع ساعة مع عم السلطان عبد المالك، وهنا نجد التقارير المخزنية تذهب في نفس الاتجاه الذي ذهب فيه الباحث الفرنسي "بيير كيلين" والذي أكد على أن الإمبراطور لم يلق أي خطاب. يقول عم السلطان مولاي عبد المالك بن عبد الرحمان ((شافهني)) بإظهار المحبة واعترافه باستقلال المغرب وحريته وحماية تجارتهم الألمانية من غير تمسك أجنبي في مباشرتها. كما لوحظ غليوم الثاني في حوار ودي مطول مع المكلف بالشؤون الفرنسية الكونت de chérizey. بعد ذلك انتقل إلى إقامة المكلف بالشؤون الألمانية حيث استقبل هناك نساء الهيئة الدبلوماسية وشخصيات مهمة من بينهم ضباط إسبان والحاخام الكبير بطنجة. كما أجرى محادثة مطولة مع الوزير الاسباني، ومحادثة أخرى مع الكابتن الفرنسي Faurnie المكلف بتدريب القوات حيث هنأه وأخبره بأنه سيهديه تذكارا. على الساعة الواحدة إلا ربع خرج غليوم الثاني من مفوضيته يتبعه مرافقوه، وبذلك يكون قد أقام بذلك المحل نحو ساعة ثم ركب جواده وعطف على متن طريقه قاصدا باخرته معتذرا عن عدم إسعاف الحال له أكثر مما أقامه. إذن فزيارة غليوم الثاني لطنجة جرت في سياق تدعيم النفوذ الألماني في المغرب، وعرقلة المشاريع الفرنسية، وإفساد مقاصدها، خاصة بعد سفارة سان روني طاياندي إلى فاس في بداية 1905، وتقديمه برنامجا واسع من ((الإصلاحات)). وهكذا كان من الصعب على الحكومة الألمانية أن تلتزم جانب من الصمت أمام الضغوط الفرنسية، فجاء رد فعلها الحاسم، المتمثل في هذه الزيارة. لكن الواقع أتبث أن هذه الزيارة لم تكن حبا في المغرب والمغاربة، وأن التصريحات التي قالها سواء لنائب المخزن أو لممثل فرنسا لم يكن الغرض منها مساندة المغرب المتشبث باستقلاله داخل إطار المؤامرات الدولية، وإنما جرت في سياق المنافسة بين الجارتين الأوروبيتين العدوتين، فرنسا العريقة في الاستعمار الطامعة في التوسع، وألمانيا المتطلعة إلى أخذ نصيبها من ((الوزيعة)) الإفريقية في المرحلة الأخيرة من اقتسام الأوروبيين مناطق النفوذ في هذه القارة.