حسن سعودي من مدريد (*): تفصل إسبانيا عن نهاية سنة 2015 أيام معدودة، لكنها كافية لتغيير المشهد السياسي بهذا البلد الإيبيري، لاسيما وأنه يعيش على إيقاع انتخابات قد تنهي الثنائية الحزبية التي سادت لأزيد من أربعة عقود في هذا البلد. فمع اقتراب أعياد الميلاد، التي يستعد الإسبان للاحتفال بها، يقترب، أيضا، موعد انتخابي جديد سيفرض عليهم اختيار من يدير شأنهم، لكن هذه المرة ليس بين حزبين تقليديين، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، اللذان ظلا يتعاقبان على حكم البلاد، وإنما بين أربعة هيئات سياسية بعد بروز حزبين جديدين، هما سيوددانوس وبوديموس. ومنذ نحو أسبوعين، انطلقت الحملة الخاصة باستحقاقات العشرين من دجنبر الجاري، في تنافس حامي الوطيس وضبابية كثيفة تخيم على المشهد الانتخابي، في ظل تحولات سياسية عميقة يمر بها المجتمع الإسباني حاليا، ستفرز، لا محالة، سيناريوهات ستقطع مع نظام القطبية الحزبية الذي تعود عليه الإسبان منذ المصادقة على دستور 1978. ولا شك أن النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع متم الشهر الحالي ستؤكد تلك التي تمخضت عن الانتخابات الأوروبية التي جرت في 25 ماي 2014، والانتخابات الجهوية التي جرت سنة بعد ذلك، والتي أظهرت أن المنافسة ستكون بين أربعة أحزاب سياسية، ذهبت بعض استطلاعات الرأي إلى أن الفارق فيما بينها في الأصوات لن يكون كبيرا. وترى استطلاعات الرأي أن أيا من الأحزاب المتنافسة لا يمكنها الحصول على أغلبية مطلقة تمكنها من الحكم بمفردها، وبالتالي يصعب التكهن بنتائج هذا الاستحقاق. كما أظهرت هذه الاستطلاعات أن الإسبان باتوا، أكثر من أي وقت مضى، منقسمين بشأن خياراتهم السياسية، مما يؤكد السباق المحموم والشرس بين مرشحي الأحزاب الرئيسية الأربعة من أجل الوصول إلى قصر لا مونكلوا. ورغم اختلاف نتائج الاستطلاعات، فإن الأوفر حظا للفوز بهذا السباق الانتخابي هو الحزب الشعبي (الحاكم)، متبوعا بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، ثم سيوددانوس، وحزب بوديموس (أقصى اليسار)، الذي فاز ببلديتي مدريد وبرشلونة في الانتخابات الجهوية الأخيرة. ومنح استطلاع ل"سيغما دوس" الحزب الشعبي 27,1 في المائة من الأصوات، متبوعا بسيوددانوس (23 في المائة)، والحزب الاشتراكي (22,2 بالمائة)، ثم بوديموس (16,2 بالمائة)، فيما منح استطلاع آخر ل"مينروسكوب"، الحزب الشعبي 22,7 بالمائة من الأصوات، وسيوددانوس 22,6 بالمائة، ثم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني 22,5 بالمائة، فبوديموس 17,1 بالمائة. أما أحدث استطلاع نشره مركز البحوث الاجتماعية، فأشارت نتائجه إلى أن الحزب الشعبي الحاكم سيحصل على 28,6 في المائة من نوايا التصويت، وسيحرز الحزب الاشتراكي على 20,8 بالمائة، فيما سيحصل سيوددانوس على 19 بالمائة، وبوديموس على 9,1 بالمائة، ما يجعل انتخابات 20 دجنبر 2015 التشريعية الأكثر غموضا في تاريخ الديمقراطية الإسبانية، وهي فرضية يزكيها معدل المترددين الذي تجاوز لحد الآن 20 بالمائة. فسنة 2016 ستكون، لا محالة، سنة تحالفات لحكم إسبانيا، تحالفات منفتحة على كل الاحتمالات وبين جميع الأطراف، علما أن أكثرها منطقا سيكون بين الحزب الشعبي (اليمين) وسيوددانوس (يمين وسط)، ومن يدري قد تحمل السنة المقبلة تحالفا أوسع يقود إلى حكومة وحدة وطنية تقف في وجه التهديدات التي قد تعصف بهذا البلد الإيبيري، وفي مقدمتها التوجه الاستقلالي لكتالونيا.