– محمد سعيد أرباط: عرفت المنطقة الشمالية ما بين 1859 و 1960 حوادث كثيرة، وتبقى من أسبابها الكبرى حرب تطوان، التي شبت بين المغرب واسبانيا وانعكست على باقي مناطق الشمال خاصة مدينة طنجة. وكانت هذه الحرب قد أعلنتها اسبانيا على المغرب رسميا في 22 أكتوبر 1859، بسبب اقدام عدد من رجال قبائل أنجرة الجبلية بمهاجمة مركز عسكري كان قد أنشأه الاسبان خارج حدود سبتة، فاستغل الاسبان هذا الحدث لإشعال الحرب طمعا في احتلال المغرب، أو على الاقل مناطقه الشمالية. ورغم أن المغرب حاول بكل السبل تجنب الحرب، من خلال تقديم تعويضات مالية مقابل الهجوم الذي شنه رجال أنجرة على مركزهم العسكري، إلا أن نية الاسبان كانت في الحرب، فتعنتوا في مفاوضاتهم مع المغاربة وطالبوا بمطالب تعجيزية مرفوقة بالتهديد باعلان الحرب على المغرب وقصف طنجة وعدد من الموانئ المغربية في حالة رفض هذه المطالب. التهديد بقصف طنجة، خلق حالة من الرعب بالمدينة في أوساط الاهالي المسلمين، لكن الرعب الاكبر كان في وسط اليهود والنصارى، الذين أصابهم الخوف الشديد، كما جاء في رسائل القنصل الامريكي جورج براون الذي تابع تطورات هذه الحرب قبل اندلاعها وبعدها من طنجة وجبل طارق. وحسب هذا القنصل الذي لازالت رسائله بالمفوضية الامريكيةبطنجة تحكي تفاصيل هذه الحرب، فإن الرعب الذي أصاب النصارى واليهود لم يكن من القصف الاسباني بقدر ما كان خوفا من "الجبليين"، أي رجال قبائل انجرة، من امكانية استغلالهم للفوضى والاستعداد للحرب إلى الهجوم على طنجة ونهب وتخريب ممتلكاتهم كما حدث في فترات سابقة. وقد ادى انتشار هذه الفكرة "المخيفة" بقدوم "جبالة" إلى طنجة لنهب وتخريب ممتلكات اليهود والنصارى، إلى هروب جلهم من المدينة في شتنبر 1859، فقد توجه اغنياء اليهود إلى جبل طارق ورحل النصارى إلى قادس، وقبل أن تعلن اسبانيا الحرب على المغرب بفترة قصيرة كان جميع الاجانب قد رحلوا عن طنجة حسب القنصل المذكور الذي رحل بدوره إلى جبل طارق. ورغم أن الحرب وضعت أوزارها باستسلام تطوان وسقوطها في يد الجيش الاسباني في يناير 1860، ثم التفاوض على الصلح بين الدولتين بضغط من بريطانيا بعد فترة قصيرة، إلا أن عودة اليهود والنصارى إلى ديارهم وممتلكاتهم بطنجة لم تبدأ إلا بعد سنة 1861.