في صيف 1859، انطلقت الشرارة الأولى لحرب تطوان. تذرعت اسبانيا بمهاجمة سبتة من طرف قبيلة أنجرة، وهو حادث بسيط سيستغله الجنرال أودونيل، رئيس المجلس الحربي الإسباني ذريعة لشن الحرب على المغرب. ورغم دخول إنجلترا على خط الصلح بين المغرب وإسبانيا وتعهد المغرب بأداء غرامة مالية ضخمة، فإن الدولة الاسبانية كانت مصرة على مهاجمة المغرب من أجل استرجاع هيبة الجيوش الإسبانية، التي تم تمريغها في الوحل، بعدما منيت إسبانيا بهزائم متتالية خلال الحروب الأمريكية اللاتينية. عندما وصلت تهديدات إسبانيا إلى السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، الذي كان قد تولى الحكم بأسابيع، أرسل كلا من الفقيه الزبدي والفقيه الخطيب، رئيس دار النيابة في طنجة، لمفاوضة الإسبان، لكن إسبانيا «ركبت رأسها» وأصرّت على محاربة المغرب. هكذا حل، في أكتوبر من نفس السنة (1859)، حوالي 50 ألف جندي بمدينة سبتة، لتبدا أطوار حرب دامت قرابة سنة وانتهت باحتلال مدينة تطوان بالكامل. فاقمت حرب تطوان من أزمة المغرب الاقتصادية والسياسية، إذ إن العديد من القبائل كانت ما تزال ترفض مبايعة السلطان الجديد، كما عمّت «السيبة» مدينة تطوان والقبائل المجاورة. في كتابه «الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى»، يحكي المؤرخ أحمد بن خالد الناصري كيف «تكاثرت جيوش إسبانيا ودخلوا مدينة تطوان في نحو ستين ألف مقاتل يوم الاثنين 13 رجب بطلب من أهلها، بسبب أنه لمّا قرب جيش إسبانيا من البلد، امتدت يد الغوغاء وسفهاء الجبل إلى المتاع والحريم».. كانت استغاثة أهل تطوان بالإسبان كالمستغيث من الرمضاء بالنار، يضيف الناصري قائلا: «لمّا استولى الإسبان على مدينة تطوان، أهانوا أهلها واتخذوا المساجد والمعابد من زوايا وتكيات وقباب الصالحين مساكن ومستودعات لمهامهم، بل ومارسطانات ومرحاضات لمرضاهم وعامتهم والبعض إصطبلات لدوابهم». كانت أقل من سنة واحدة من الحرب (ابتدأت صيف «1859» وانتهت شتاءَ «1860») كافية لتكبد المغرب مبلغ 100 مليون بسيطة إسبانية، وهو مبلغ ضخم حينها، أداه السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، الذي تولى الحكم، لسوء حظه، في نفس السنة التي أغار فيها الجنرال الإسباني أودونيل على قبيلة أنجرة، لتنطلق حرب تطوان أو «الحرب الإفريقية»، كما سماها الإسبان، ولتترتب عنها العديد من المآسي التي تعاقبت على المغرب منذ ذلك الوقت إلى حين استعماره سنة 1912. كما كلفت الحرب اقتطاع مناطق واسعة من تراب المغرب، ضمّتها إسبانيا إلى مدينة سبتةالمحتلة، مع تمكين إسبانيا من حق الصيد في الشواطئ الجنوبية، إضافة إلى غرامة 100 مليون بسيطة إسبانية، قسمتها إسبانيا إلى دفعات، بعد الوساطة البريطانية، ومع ذلك، لم يستطع المغرب أداء الدفعة الأولى التي تم تقديرها ب25 مليون بسيطة، إلا بعد اقتراض مبلغ 10 ملايين بسيطة من إنجلترا. في كتابه «الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى»، يقول الناصري، عن معركة تطوان: «وقعةُ تطوان هذه هي التي أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب، واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم مثله وكثرت الحمايات ونشأ عن ذلك ضرر كبير».