الملعب احتضن مباريات تاريخية... والوالي يتعهد بعدم إزالته يصعب التحدث عن مدينة طنجة، دون الحديث عن ملعب مرشان، ملعب ارتبط بالتاريخ العريق لكرة القدم الطنجية ارتباطا وثيقا، منذ العهد الدولي والسنوات الذهبية للساحرة المستديرة بمدينة البوغاز، مرورا بمرحلة ما بعد الاستقلال والستينات والسبعينات، التي عرفت كرة القدم المغربية فيها شعبية لا مثيل لها رغم العوائق المادية، ثم سنوات انتكاسة كرة القدم بمدينة طنجة، وحالات المد والجزر التي عرفها الفريق الأول للمدينة (اتحاد طنجة)، ووصولا إلى الفترة الحالية، التي بلغت فيها كرة القدم المحلية أقصى درجات اندحارها.
مرشان: صافرة البداية عُرفت طنجة في فترة الحماية الدولية، بطابعها المعماري الأوروبي عندما يتعلق الأمر ببناء أي منشئات جديدة، ولم يكن المجال الرياضي بالمستثنى من هذه القاعدة، فبعدما تنبه الأوروبيون إلى حاجة المدينة لملعب جميل ومناسب لاستقبال مباريات الفرق الأوروبية وحتى الأندية المحلية، بعدما ظلت الأخيرة تمارس على ملاعب ترابية، قررت الإدارة الدولية إنشاء ملعب جديد معشوشب ومجهز بشكل جيد، على شاكلة الملاعب الأوروبية، الملعب الذي تم تمويله من طرف النظام الدولي، وساهم في ذلك الوضع الاقتصادي المزدهر للمدينة وقتئذ.
كان ملعب مرشان - الذي كان يعرف عند الساكنة المحلية بالكدية الحمراء- عند افتتاحه سنة 1939 جوهرة جديدة تنضاف لمجموعة تحف مدينة طنجة الدولية، وزاده رونقا استضافته لمباريات من العيار الثقيل بين الأندية المحلية أو المباريات الأوروبية ذات الإقبال الجماهيري الكثيف، فالمرحلة الدولية لطنجة، وخاصة عقب تدشين ملعب مرشان - الجديد آنذاك- كانت مرحلة ذهبية لكرة القدم المحلية.
ذاكرة الملعب احتضن ملعب مرشان طوال تاريخه الحافل، مباريات كبيرة استطاعت أن تلفت إليه الأنظار، إذ كان الملعب مركزا كبيرا لاستقطاب الجمهور المولع أصلا بكرة القدم.
وبغض النظر عن مباريات فرق المدينة، والدوريات المحلية، كان ملعب مرشان على موعد مع التاريخ عندما كان يعد الملعب الأول لفريق الاتحاد الرياضي الإسباني، الفريق الذي صعد في فترة الأربعينات إلى القسم الثاني للبطولة الإسبانية الاحترافية، وهي نفسها التي تسمى حاليا القسم الثاني لليغا الإسبانية بلغة الكرة الحديثة، إذ استقبل الفريق طيلة استقراره بمدينة طنجة، على أرضية ملعب مرشان، فرقا من قبيل مالقة وقادس وريال بيتس وإشبيلية، وريكرياتيفو هويلفا، وخيريس... وغيرها من الأندية التي لها باع طويل في كرة القدم الإسبانية تاريخا وسمعة وألقابا، لولا أن ظروفا معينة رمت بها للقسم الثاني. واستمر الفريق الإسباني الطنجي يستقبل كبريات المباريات على ملعب مرشان، إلى أن حاز المغرب على استقلاله سنة 1956، ثم تخرج طنجة من تحت عباءة النظام الدولي، آنذاك انتقل الفريق إلى سبتة السليبة، ليترك فراغا عميقا بعدما بلغت شعبيته ذروتها في طنجة، إذ كان يجلب الجماهير من الجالية الإسبانية ومن المغاربة، بحكم أنه كان يضم لاعبين إسبانا إلى جانب محترفين مغاربة، حسب ما أكده المهتم بتاريخ كرة القدم بمدينة طنجة.
عقب الاستقلال، كان ملعب مرشان ضمن الملاعب المستقبلة للدوري الذي أقامته الجامعة من أجل تصنيف الأندية بين أقسام البطولة، استقبل حينها أكبر الفرق الممثلة للشمال، من طنجة وتطوان والعرائش، ثم صار إلى استقبال المباريات الكبرى للفرق الطنجية، وخاصة ذات القاعدة الجماهرية العريضة، مثل فرق الجمعية الرياضية لشرطة طنجة، والنهضة المحلية ووداد طنجة وغيرها...
فترة 1983، ستشكل منعطفا جديدا في تاريخ هذا الملعب، بعد ولادة اتحاد طنجة عقب اندماج عدة أندية في ناد واحد قصد تقوية ممثل المدينة، ليتكلل هذا المشروع بالنجاح سنة 1987 عندما سيلعب النادي الأزرق الأبيض في القسم الوطني الأول، ليستقبل الملعب لأول مرة في تاريخه مباريات هذه البطولة طيلة موسم كامل، وقتها كانت مدرجات مرشان لا تسع مشجعا إضافيا.
سنوات الأمجاد بهذا الملعب ستتوالى عندما ينافس فريق اتحاد طنجة على البطولة الوطنية سنة 1990، حيث ظل يتأرجح بين الزعامة والوصافة إلى أن فقدها بفارق الأهداف في آخر دورة أمام الوداد البيضاوي.
وكما استقبل ملعب مرشان فترات سعيدة، استقبل أيضا لحظات الألم والحسرة بعدما سقط فريق اتحاد طنجة للقسم الثاني سنة 1995، إذ عجز عن تحقيق أكثر من 4 انتصارات طيلة الموسم، وسيعاند الحظ هذا الملعب خلال موسم 2000 / 2001، عندما لم يستقبل المباراة التي توجت فريق اتحاد طنجة بطلا للقسم الثاني، وبالتالي صعوده للقسم الأول، فالملعب وقتها كان يخضع لعملية صيانة واسعة، فاستقبل النادي الطنجي مباريات الحسم بملعب الزياتن.
عودة فريق اتحاد طنجة إلى القسم الأول وإلى ملعب مرشان، لم يكن طعمه حلوا كأيام الزمن الغابر، إذ تخبط الفريق ل 6 مواسم يتخبط في الصفوف الأخيرة، إلى أن ودع القسم الأول رسميا في موسم 2006 / 2007، ليظل هناك قابعا إلى الوقت الراهن، وليفقد الملعب جمهوره إلا من قلة قليلة.
وإلى جانب تاريخه المحلي، استقبل الملعب مجموعة من مباريات المنتخب المغربي، كان آخرها لقاء المغرب والسنغال سنة 1999، لينقطع حبل المودة بين المنتخب المغربي وملعب مرشان، بل مع طنجة وكل المدن المغربية، عقب مَرْكَزَةِ مباريات المنتخب المغربي بمدينتي الرباط والدار البيضاء.
حدث آخر كبير احتضنه الملعب سنة 1976، وهو نهائي كأس العرش بين الفتح الرباطي والنادي المكناسي، الذي انتهى لفائدة ممثلي العاصمة بهدف وحيد، وكانت هذه من بين المرات القليلة التي يخرج فيها نهائي الكأس عن العاصمتين الإدارية والاقتصادية. وكان آخر حدث كروي وطني يستقبله ملعب مرشان سنة 2007، وتمثل في استضافة مبارتي نصف نهائي الكأس الفضية.
ملعب طنجة التاريخي استقبل أيضا منافسات ألعاب القوى، إذ مكنه مضماره ذو الجودة العالية من استقبال كبار العدائين العالميين من خلال ملتقى طنجة الدولي، والذي بات يحمل اسم ملتقى الأمير المولى الحسن.
مواصفات الملعب
يتميز ملعب مرشان عن غيره من ملاعب المغرب، بشكله الأوروبي، فتصميم الملعب، حسب أغلب المصادر، كان على يد مهندس إنجليزي، فيما تقول مصادر أخرى إن مهندسا برتغاليا تولى وضع تصميم للملعب، ومهما يكن، فإن الملعب يمتاز بتواجده في منطقة مرشان الراقية وسط المدينة، ويتسع حاليا لحوالي 20 ألف متفرج، كما يضم مضمارا لألعاب القوى من 6 ممرات، بمواصفات دولية، الشيء الذي جعله يستقبل ملتقى طنجة في أم الألعاب، إذ يشبه البطل العالمي هشام الكروج حلبة هذا الملعب بحلبة مدينة أوسلو النرويجية التي تستقبل إحدى محطات الدوري الماسي لألعاب القوى.
كانت آخر مرة خضع فيها الملعب لإصلاحات شاملة، سنة 2001، بعدما أضيفت الحلبة المطاطية، وتمت إعادة هيكلة مستودعات الملابس ومرافق الملعب الأخرى، كما تمت تكسيته بعشب طبيعي من النوع الجيد، غير أن تجهيزاته الآن أصابها التقادم، فلوحته الإليكترونية مثلا جد متقادمة، أما العشب فلم يعد قادرا على استقبال أكثر من مباريات فريق اتحاد طنجة وتدريباته.
مصير مرشان
كثر الحديث مباشرة بعد خروج مشروع ملعب طنجة الكبير إلى حيز الوجود، عن مصير ملعب مرشان، خاصة بعدما تناسلت إشاعات مفادها أن مصير الملعب سيؤول إلى الزوال، مباشرة بعد افتتاح الملعب الجديد.
وظهرت نداءات من الجمعيات الرياضية والفاعلين الجمعويين، بالإبقاء على الملعب الذي يحمل ذاكرة كرة القدم بطنجة، بتاريخه الذي جاوز 80 عاما، والذي استقبل مواعيد تاريخية، لذا علت أصوات المطالبين بالإبقاء عليه وفتحه في وجه الفرق الصغيرة التي لا تجد ملعبا مناسبا سوى ملعب الزياتن المجاور للملعب الكبير. وكان لا بد من تدخل رسمي للحسم في مصير هذا الملعب، والذي جاء عبر والي طنجة محمد حصاد، في اللقاء الإعلامي الذي حضره أيضا وزير الشباب والرياضة منصف بلخياط، قبيل تدشين الملعب الجديد، عندما أكد الوالي أن ملعب طنجة باق رغم افتتاح الملعب الكبير، مضيفا أن طنجة ليست هي المدينة الوحيدة التي تحتضن ملعبين جيدين.
وقال الوالي إن ملعب مرشان سيفتح أبوابه - بعد انتقال فريق اتحاد طنجة للملعب الجديد- في وجه أندية الهواة،التي كانت إلى وقت قريب لا تجد أمامها غير ملعب التحرير المتهالك لتجري مبارياتها، وهو الأمر الذي من شأنه عدم قطع الروح عن هذا الملعب.
طنجة... عاصمة الملاعب الدولية: كانت مدينة طنجة على امتداد تاريخها الرياضي، مركزا للمنافسة الدولية بين مختلف الدول الأروبية المشكلة للنظام الدولي للمدينة، وكانت الملاعب نموذجا واضحا لهذه المنافسة.
وضمت مدينة طنجة، في المنطقة المسماة السواني حاليا، ثلاثة ملاعب تمثل جنسيات مختلفة، أولها الملعب الإسباني، المعروف الآن بملعب السواني، الذي تحول في الوقت الراهن إلى مركز للتكوين الخاص في كرة القدم بعدما انتقلت ملكيته لفريق ريال مدريد الإسباني، الذي شاركته جمعية مغربية في إعادة تأهيل هذا الملعب وتعشيبه اصطناعيا ليصبح صالحا للمزاولة.
وإلى جانب هذا الملعب كان يوجد الملعب الفرنسي، الذي يسمى الآن ملعب التحرير، وهو المكان الوحيد الذي يستضيف جميع مباريات أقسام الهواة، قبل أن يتم إنشاء ملعب الزياتن، ملعب التحرير يخضع حاليا لإصلاحات شاملة، بعدما طاله الإهمال لسنوات طويلة.
أما الملعب الإسباني الذي كان يشغل الساحة التي أقيم عليها سوق الجملة، الذي هو الآن بصدد التحول لمركب ثقافي، (هذا الملعب) صار مجرد ذكرى.
وكان ملعب الشريف، أحد أهم الملاعب بالمدينة، هذا الملعب الذي كان يشرف على تكوين مختلف الفئات العمرية من طرف "الشريف"، الذي تكفل بتسيير الملعب، ثم محمد اعشوشة الحكم والمؤطر والمربي، سيشهد نهايته أواسط التسعينات، بعدما وقع عامل المدينة آنذاك رخص البناء على أرضيته، وتؤكد بعض المصادر أن توقيعه هذا تم وهو يستعد لمغادرة منصبه، حتى يتجنب الاحتجاجات، ويضع الساكنة المحلية أمام الأمر الواقع، ليُعدم بذلك ملعب اشتهر بأجوائه الجماهيرية الخاصة، وبدورياته الرمضانية التي كانت تجمع قدماء لاعبي المدينة بالشبان والصغار.