من أبناء مدينة طنجة البررة الذين عاشوا أزهى فترة في تاريخ كرة القدم الطنجاوية- خصوصا في مرحلة التسعينات-، نشأ وتربى على حب الرياضة، شاب متواضع حمل في نفسه خيوط عشق مفعم بالتفاؤل للمستديرة التي تسحر الألباب والقلوب. من فرق الأحياء كانت اللمسة الأولى، ليتدرج "جعفر الركيك" ليتدرج عبر أسلاك مدرسة اتحاد طنجة لكرة القدم، والتي فتحت له ذراعيها يوما ما لكي يبصم حضوره بكل تفان وثبات، ويرسم لوحاته الاستعراضية في كرة القدم بفرشة من ذهب.
بعدما خبر الركيك الميادين جيدا وخاض المباريات الكبرى الواحدة تلو الأخرى، وبسبب تعثر مسيرة اتحاد طنجة في مرحلة معينة، وأمام وجود طموحات أكبر كانت تهمس في أذنه، سيختار هذا اللاعب الشاب سلط طريق الهجرة، وكانت الوجهة الأولى بلاد الأراضي المنخفضة"هولندا"، ومن بعدها الجارة الملاصقة بلجيكا. أتقن جعفر الركيك لغة "الفلامان" و"الداتش"، وأهله ذلك لكي يلج مجال الدراسات العليا في كرة القدم سواء في هولندا أو بلجيكا، ليتوج هذه المسيرة المتألقة بالحصول على دبلوم "مدرب/ مستوى متقدم" (UEFA /A)، والذي يمنحه الاتحاد الأوربي لكرة القدم والمعترف به من طرف الفيفا كشهادة تؤهل حاملها للتدريب في درجات عليا. موقع أصداء طنجة الرياضية التقى اللاعب السابق في صفوف اتحاد طنجة والمدرب الدولي الحالي في الديار البلجيكية، وكان لنا معه الحوار التالي:
س : مرحبا بك أولا في مدينة طنجة، وشكرا لقبولك دعوة إجراء هذا الحوار، وكاستهلال نود منك أن تقرب قراء الموقع من شخصك عبر ورقة تعريفية؟ ج : بسم الله الرحمن الرحيم، جعفر الركيك من مواليد 1971 بمدينة طنجة، عازب، لاعب سابق في صفوف فريق اتحاد طنجة، وحاصل على شهادة الأكاديمية الرياضية من الجامعتين الهولندية والبلجيكية.
س : حدثنا عن بداياتك الأولى مع كرة القدم؟ ج : مثل كل اللاعبين، بدأت في فرق الأحياء وبالضبط مابين 1983و 1984 حيث خضت أولى مبارياتي رفقة فريق كان يسمى"كاصا دي إسبانيا" وقد كان يرأسه آنذاك المصور المحترف محمد الدفوف)، بعد ذلك جاءت مرحلة فريق كروي آخر كان اسمه"فارماصيا"، ثم انتقلت لأجاكس بني مكادة، كما لعبت في فرق أخرى كانت متواجدة في قسم الهواة ومنها رجاء بني مكادة ومرشان (الذي كان يشرف عليه كرئيس السيد محمد الخمسي)، وعلى ذكر أجاكس بني مكادة فإني أغتنم هذه المناسبة لتوجيه عبارات الشكر والامتنان للأخ أحمد عمرو، والذي كان له الفضل الأكبر في صقل مواهبي أكثر فأكثر، حتى فتح المجال أمامي لولوج مدرسة اتحاد طنجة، والتي تتلمذت فيها ومررت عبر كافة الفئات العمرية (فتيان، شبان، الأمل) وصولا إلى مرحلة النضج في فئة الكبار. لعبت بداية مع المدرب" عبد القادر خضور" الذي كان مدربا لفئة الشبان، هذا الرجل الذي أبدى إعجابا كبيرا بخصوصي، ثم جاء بعد ذلك دور عبد اللطيف حمامة الذي لن أنسى فضله كذلك بجانب المدرب عبد الرحيم أعبو، وكل هؤلاء كانت لهم بصمة خاصة في مساري الكروي. وفي الموسم الرياضي 1992/1993 سيتألق فريق اتحاد طنجة في القسم الوطني الأول، وستكون مرحلة التجربة الكبيرة لي مع الفريق رفقة عدة نجوم آخرين.
س : ماهو المكان الذي كنت تشغله داخل رقعة الملعب؟ ج : أنا أصلا مهاجم وسط، ولكن كنت أتحول أحيانا إلى مهاجم أيمن (فترة عبد القادر خضور وعبد اللطيف حمامة)، وعدت إلى مكاني المعتاد مع المدرب اليوغوسلافي "بوبوف"، وجاءت بعدها مرحلة المدرب عبد الغني الناصري الذي كان يقحمني في الملعب كمهاجم أيمن (رغم أني كنت أحضر المباريات في دكة الاحتياط). وفي مشواري كلاعب، سجلت العديد من الأهداف خصوصا في مرحلة ما قبل التحاقي باتحاد طنجة، أما بعد ذلك فكنت أطل على الشباك من حين لآخر وأوقع بعض الأهداف (صفوف شبان الاتحاد)، ولله الحمد كان هناك انطباع حسن عن أدائي من طرف المدربين.
س : ما هي أقوى اللحظات التي عشتها كلاعب في صفوف اتحاد طنجة؟ ج : أعتقد أن أقوى فترة قضيتها في مدرسة اتحاد طنجة، هي تلك التي كنت فيها لاعبا في صفوف شبان الفريق، وأشير إلى أنه لم تكن مرحلة سهلة ومريحة بالنسبة للجميع، فلكي تدرج كلاعب أساسي أو بالأحرى أن تعتمد في صفوف الشبان "خصك تكون ملاعبي"، أي ذو مهارات كبيرة وعالي الكعب، وهي الفترة التي كانت متميزة كذلك من خلال الحضور الضخم لعدد من الطاقات الوازنة، والتي شكلت دعامة أساسية لفريق اتحاد طنجة فيما بعد، وأخص بالذكر هنا كل من : السيمو، هشام الغانيمي، حسن مالك، محمد إيبي، محمد الجباري، محمد العاقل، يونس الشميم، أحمد المريبطي، منير العروسي وباقي النجوم. لقد استمتعت حقا في تلك الفترة وبعدها مرحلة اللعب في صفوف "الأمل"، حيث أنه ورغم قلة التحفيزات والإمكانيات، فإن الكل كان يحيا على إيقاع حب الكرة وعشق القميص والملاعب. في تلك الفترة كان الفريق وكما أشرت سابقا يلعب في القسم الوطني الأول، وعلى أية حال تظل فترة المدرب عبد القادر خضور الأكثر متعة وتميزا بالنسبة لي. وفي الموسم الرياضي 1995/1996 كانت آخر مرحلة أخوضها كلاعب في صفوف اتحاد طنجة حين كان الراحل عبد الله بليندة مدربا للفريق، حيث غادرت المغرب في اتجاه الديار الهولندية شهر مارس 1996.
س : هل كانت هناك أسباب معينة جعلتك تطرق باب الهجرة؟ ج : دون أن أخوض في الأسباب التقنية والمادية التي عاشها اتحاد طنجة في تلك الفترة لأن الجميع يعرف أوجه مشاكل وأزمات تلك الفترة، أشير إلى أنني انتقلت إلى الديار الهولندية لتطوير مواهبي أكثر وبحثا عن فرصة أفضل، حيث لعبت بداية رفقة فريق درجة ثالثة يسمى "مغرب 90" (كل عناصره من المغاربة المهاجرين) لمدة سنتين، وبعد ذلك انضممت لصفوف فريق هولندي كان ضمن الدرجة الثالثة أيضا حيث قضيت معه هو الآخر فترة سنتين، إلى أن حان موعد اللعب مع فريق بالدرجة الثانية ولمدة ثلاث سنوات، وكنت في هاته الفترة أمارس "التدريب" أيضا خصوصا بالنسبة لبعض الفئات الصغرى كمدرب مساعد. لطالما كنت من المعجبين بالبطولة الهولندية المتميزة جدا على الصعيد العالمي، ودائما كنت أحلم أن أقلد بعض النجوم وأن أقترب من مستواهم ولو بشكل صغير، خصوصا فريق أجاكس أمستردام بنجومه الكبار من أمثال : ماركو فان باستان، فرانك رايكارد، ورودي غولييت والنجم الهولندي الآخر كومان... الكرة الهولندية عريقة ولا تحتاج لإطراء خاصة فيما يتعلق بالتكوين وحسن التنظيم والإستراتجية الخاصة بصناعة اللاعبين والنجوم، وذلك باعتمادها على أربع قواعد أساسية ألا وهي : التاكتيك (طريقة اللعب)، التكنيك (تقنيات اللعب)، المونتال (الجانب المعنوي والنفسي) والفيزيك الجانب المتعلق بالبنية واللياقة البدنية قلت أنني كنت أمارس كرة القدم كلاعب وفي نفس الوقت أدرس التدريب في الأكاديمية التابعة للجامعة الملكية الهولندية لكرة القدم، حيث تكفل الفريق الذي كنت ألعب في صفوفه بكافة مصاريف الدراسة (مابين 2001 و2003). وفي سنة 2005بدأت كمدرب رسمي حيث تعاقدت (لمدة تفوق السنتين) مع نفس الفريق الذي كنت ألعب فيه. سنة 2007 غادرت هولندا في اتجاه بلجيكا، خاصة مع رغبتي الأكيدة في توسيع مجال طموحاتي وأردت أن أستفيد كذلك من التجربة البلجيكية كما الهولندية، حيث دربت في السنة الأولى من مقامي بالديار البلجيكية الفئات الصغرى لأنفيرس، وأجريت تدريبا لمدة سنتين في الجامعة البلجيكية من أجل الحصول على دبلوم "مدرب/ مستوى متقدم" (UEFA /A)، والذي يمنحه الاتحاد الأوربي لكرة القدم والمعترف به من طرف الفيفا كشهادة تؤهل حاملها للتدريب في درجات عليا. بعد ذلك خضت تكوينا أساسيا كمدرب مساعد مع مدرب في فرق الدرجة الأولى، حتى أتمكن من ضمان نجاحي في السنة الأولى، وفي السنة الثانية طلب مني إجراء تكوين ثاني/ ميداني لكن هذه المرة رفقة فريق يلعب في الدرجة الثانية...كما أجريت فترة تكوين ثالثة كمدرب لإحدى الفرق التي توجد في الدرجة الأولى، وقد اجتزت بنجاح امتحان التخرج في يونيو 2010، وحصلت على "الدبلوما A"، وحاليا أشرف كمدرب على فريق "سنتي كلاس" وهي منطقة تبعد عن أنفيرس بحوالي 25 كلم. حقا، شكلت لي الرحلة إلى الديار البلجيكية انتقالا مهما في مشواري الرياضي، حيث كانت العزيمة حاضرة والحلم أكثر حضورا، وأردت أن أصل إلى مستوى عال من خلال الجهد والاجتهاد، دون أن أغفل فضل الله عز وجل ووجود أناس وقفوا بجانبي سواء في أرض الوطن أو بلاد الغربة.
س : كيف تنظر إلى الواقع الحالي الذي تعيشه كرة القدم المغربية؟ ج : تشهد الكرة المغربية حركية كبيرة وعلى كل المستويات، سواء تعلق الأمر بالبنيات التحتية أو الطاقات أو الترسانة القانونية المنظمة للرياضة بشكل عام كرة القدم على وجه الخصوص، وهناك إرادة ملكية قوية لتطوير المجال الرياضي وهو ما يتجلى على أرض الواقع من خلال البرامج التي سطرتها وزارة الشباب والرياضة مع مجيء منصف بلخياط، حيث يشهد المغرب من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه صحوة رياضية، وبالتالي أمسى المجال مفتوحا أمام الجميع، وكل واحد من حقه بل بإمكانه أن يحصل على فرصة اللعب والتدريب. س : هل تعتقد أن المغرب قادر على خوض التجربة الاحترافية في مجال كرة القدم؟ ج : الاحتراف في المغرب مسألة صعبة حاليا، خصوصا وأن الكثير من الفرق لا يمكنها أن تساير إيقاع الاحتراف بما تحمله الكلمة من معنى، ووفق ما هو مرسوم ومنصوص عليه دوليا، ويظل هذا العجز رهين عدة أسباب تقنية ومالية، ولكن كل ذلك قد ينتفي أمام التفكير جديا في تطوير كرة القدم، من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
س : وماذا عن اتحاد طنجة لكرة القدم؟ ج : مدينة طنجة تعرف هي الأخرى رواجا كبيرا في كل المجالات، خاصة في ميدان الرياضة مع وجود معلمة كبرى من حجم المركب الكبير للزياتن إضافة إلى ملعب مرشان، دون أن نغفل الطاقم البشري المهم (مدربين ولاعبين...)، وما يلزم فقط هو تكريس روح الأمل والإرادة الفعالة، كما يجب على القيمين المكلفين بالشأن الرياضي بمدينة طنجة أن يعملوا ليل/ نهار حتى يعود مجد اتحاد طنجة لكرة القدم وباقي الفرق الرياضية الأخرى. أنا شخصيا ما زلت أتابع مسيرة الاتحاد، وأعتقد أن الوضع المتأزم الحالي يمكن أن يتغير مع قدوم الإطار المتمرس عمر الرايس، والذي بإمكانه أن يعيد- في حال تضافر جهود الجميع- إلى مراتبه ووضعه السابق، خصوصا إذا ما وفرت لهذا الأخير (الرايس) كل وسائل العمل. المشكلة في فريق اتحاد طنجة، هو انعدام مكتب مسير قار، أي أن كل رئيس جديد يتربع المسؤولية تحكمه أجندة عمل خاصة به وتتغير الإستراتيجية مع تغير المكاتب، وهو أمر لا يخدم مصلحة الفريق إطلاقا، كما أن الفريق يفتقد أيضا لموارد مالية قارة تمكنه من تسيير أموره بشكل عادي وسليم (مثال / اتحاد آيت ملول توفرت له ميزانية قدرها 120 مليون سنتيم في الوقت الذي كان يلعب فيه ضمن قسم الهواة ؟؟؟ كما أن غياب التكوين الجاد يساهم في تكريس ضعف الكرة الطنجاوية، فوجود ملعب وحيد تلعب فيه كل الفئات أمر يضر الرياضة والرياضيين. وقد سمعت مؤخرا عن ما يشبه الخلاف بين اتحاد طنجة ونهضة طنجة لكرة القدم، وأظن أن المنافسة صالحة وصحية في هذا الوقت بالذات، ومن المهم خلق توأمة بين الفريقين حتى تشكيل صيرورة كروية أبدية وفعالة في مدينة طنجة، ولا يهم التموقع بالمقابل في القسم الثاني أو الأول أو حتى الهواة، بل النتيجة النهائية آخر المطاف هو تدعيم مسألة الانسجام وتكاثف الجهود للرقي بكرة القدم في عروس البوغاز.
س : متى ستعود لأرض الوطن؟ وهل لديك شروط معينة للتدريب إذا ما قدرت لك هاته العودة يوما ما؟ ج : أي مغترب مغربي روحه دائما حاضرة في وطنه، وأنا دائما أحلم بالعودة للمغرب لكي أمارس التدريب بعدما مارست كلاعب في سنوات سابقة. شروطي تظل شروطا كافة المشتغلين في عالم التدريب (كرة القدم)، وهي التي تمكنني من تطبيق كل ما تعلمته بالشكل السليم لتلقين أجيال المستقبل قواعد لعبة كرة القدم وفق آخر ما استجد في الميادين....أتمنى أن أعود للمغرب في ظل وجود قاعدة متينة للاشتغال، وأعتقد أن هناك عدة بوادر على وجود رغبة جماعية في تطوير مجال كرة القدم الوطنية.
س : ماذا لو طلب منك أن تشرف على تدريب اتحاد طنجة أو إحدى الفرق الطنجاوية الأخرى؟ ج : سيكون الأمر بمثابة تشريف وتكليف لشخصي المتواضع، خصوصا وأني مثلا كنت لاعبا لفترة طويلة في صفوف فريق اتحاد طنجة كما لعبت في فرق أخرى سبق ذكرها، أنا أعشق طنجة ومستعد لأي شيء من أجل أن أراها تعود لزمن "الهينون".
س : ماذا تعني لك العبارات التالية : كرة القدم، ملعب مرشان، اتحاد طنجة، الهجرة، جعفر الركيك مدرب وطني؟ ج : كرة القدم : في القلب ملعب مرشان : تاريخ قديم اتحاد طنجة : أول حلم الهجرة : مغامرات وتحديات التدريب في المغرب : حلم ثاني. كلمة أخيرة : شكرا على الاستضافة، وأحيي كل القيمين على هذا الموقع الإلكتروني، حيث سيتمكن كل القراء والمتتبعين من إيجاد ضالتهم الرياضية في كل حين، وخاصة ما يتعلق بالشأن الرياضي على مستوى مدينة طنجة، وفي الأخير أتمنى أن أعود لأرض الوطن قريبا لكي أمارس التدريب.