إن كان في كل أرض ما تشان به...فإن في طنجة المطعم البلدي أخلاق أربابها كالمسك في أرج... بهوى رب المطعم البلدي هكذا تغنى العديد من الشعراء الذين قصدوا المطعم البلدي بطنجة أو"مطعم حمادي" الذي لا تزال بنايته منتصبة في إحدى أشهر ساحات المدينة القديمة، بالقرب من بناية سينما "الكازار" التاريخية التي لم يكتب لها بعد ولوج عالم "الترميم" كما وعد المسئولون بذلك من قبل. هنا البداية وكعادته كل يوم يقدم المطعم وبطريقة تبدو لزائره لأول مرة، أنها طريقة يغلب عليها طابع المودة والحب، بدءا من الباب وانتهاء بإحدى أركان المطعم الذي لا يعرف الراحة صيفا كما شتاء، انه مطعم حمادي الذي يختزل تقاليد كرم الضيافة لدى المغاربة، مطعم تعدد زواره وتفتقت عبقرية صاحبه يوما لعله يجد شيئا يجلب به عقول عشاق المدينة وما أكثرهم. مطعم حمادي الشهير كان في البداية مشروعا يهوديا عبارة عن مستشفى، ليتم بعدها بيعه وجعله مطعما ولد صغيرا، وسرعان ما نما وكبر لكن في الاتجاه الصحيح، ليس بفضل الاستثمار الكبير ولا بفضل مؤهلات تقنية صعبة الوصف، لكن كل هذا العشق للمطعم يتجلى في كونه يحتضنك بأسلوب قد لا تجده إلا عند اعتد العائلات المغربية العريقة، ترحاب ولا شيء يضاهيه وابتسامة نادل قلما تجدها في أشهر المطاعم العالمية. حكاية تذوق بعد أن تم شراء المطعم أواخر سنة1924، كما هو مبين أعلى باب المطعم، أي إبان فترة الحماية من طرف المدعو حمادي حيث كان المطعم في البداية يسيره يهودي قدم من جنوب المغرب، أوعز هذا الأخير لمعاونيه بان يعملوا على عدم إضافة أية لمسة غير تلك التي بداخل المطعم، والى غاية اليوم، كانت هذه هي ابرز وصية قدمها حمادي بعد ذلك لابناءه، فوجدوا أنفسهم أمام ارث يجب المحافظة عليه كما كان من قبل. ففضاء المطعم المتواجد بزنقة يملأ التاريخ هواها، هذه الأخيرة التي تمثل استثناء داخل مدينة طنجة حيث سكانها يزينونها بكاملها بأصص من النباتات، كما أن هذا المطعم متخصص في طهي جميع أنواع السمك والطاجين، حيث لم يعد مكانا لملئ البطن فحسب، بل أضحت جدرانه وقاعاته تغني سيمفونية الطقطوقة الجبلية، وأصبحت نكهة تضاف لضروريات الروح والقلب ، لتجديد الوجدان الإنساني بأبهى الكلام الشعري. في مطعم حمادي بطنجة تحس بنفسك كأنك في بيتك ، حيث أن صاحب هذا الفضاء نهج طريقة للترحيب بضيوفه على العادة المغربية، تبدأ برنات جرس تضرب جذوره في التاريخ، رنات تعلن عن قدوم الضيف وليس الزبون كما يحلو لعبد الله أن يسميه، وتنتهي بجلسة أريحية قل نظيرها في تحف الجلسات المغربية، مطعم يحول الإعجاب نحو أباريق الشاي والحلويات المغربية في كل مائدة ، لتضفي على الأمسية نوع من الاحتفالية والحميمية التي افتقدت في بعض المحلات الأخرى، هكذا هي حكاية التذوق المصحوبة بكثير من أساليب الترحاب والابتسامة التي لا تكاد تفارق محيا النادل والنزيل على حد السواء. سحر يجذب سمعة المحل اكبر وصلت للعالمية، رغم وجود الكثير من مطاعم الخمس نجوم السياحية بالمدينة، إلا أن المطاعم الشعبية خاصة الموجودة في وسط المدينة القديمة بطنجة، ومنها "مطعم حمادي" تمتلك سحرا خاصا بها جعل كافة السياح والزوار تتجه إليه نظير ما يقدمه من أطباق شعبية مميزة، لكن في أحيان أخرى تجد أن المعدة ليست هي الأهم، بل عذوبة الجو المتميز الحاضر دوما وخصوصا كل مساء - تقول إحدى السائحات من ألمانيا- والتي تضيف: هكذا نجد مكامن السحر الجذابة ،نجد مطعما مثل مطعم حمادي يقدم الوجبات المغربية التقليدية، الصرفة، من "كورعين" وكفتة ولحم رأس، ودجاج مطهو بالطريقة المغربية، وما يزال المكان يحتفظ بالعادة القديمة والتي يتعامل معها على أساس أنها وسيلة جذب، وفلكلور، ونفس ذا عبق يضرب في تاريخ الأكل المغربي. مطعم حمادي بطنجة له شكل ثاني، استطاع خلاله أن يجلب معدة ابرز مشاهير العالم، كما يؤكد عبد الله الذي قضى ما يزيد عن 35 سنة بالمطعم، ويضيف قائلا : انه في الغالب عندما يقضي أوقات عمله داخل المطعم كثيرا ما يصادف أناس دخلوا وسط حراسة أمنية مشددة مما يحيله على التفكير بعيدا ليتساءل من تكون هذه الشخصية المشهورة، قبل أن يكتشف أن من بين هؤلاء" رئيس جنوب إفريقيا" السابق،و ابن عم ملك السعودية فهد بن عبد العزيز، والكثير من الفنانين من جنسيات مختلفة، أبرزهم الفنان الأمريكي فابيو تيستيل والفنان " الكوبوي" جون وايني" وغيرها من الشخصيات البارزة التي استهوها سحر المطعم ولا يزال لحد الساعة. شهرة تخطت الحدود تجد في كل منطقة شعبية مطعما أو أكثر، تتخطى شهرته الحدود الجغرافية للمنطقة، ليجذب لها زبائن من مناطق أخرى، وهنا الحديث عن سر هذا النجاح الذي اكتسبه "مطعم حمادي" للوصول إلى هذه العالمية، سألنا احد المرشدين السياحيين بمدينة طنجة، فبدأ بسرد توابل لم نكن نعلم أنها تصلح لوصفة اسمها" مطعم حمادي": عينة فقط من سمو الأخلاق تستمد روحها من الأصالة المغربية، وبساطة المكان التي تسحر، من هنا استطيع القول أن المطعم خلق عن قصد نقطة الجذب بالنسبة للأغنياء كما الفقراء، ناهيك عن جودة المنتجات والمأكولات التقليدية التي تهيمن على ابرز ما يقدمه المطعم، هذا دون أن تنسوا- يضيف المرشد احمد- تلك الحلويات المغربية التي تقدم بالمجان ...ومن فضلكم ضعوا السطر على "المجان"... فما إن تتخطى أول القوافل السياحية والأفواج التي تزور طنجة، سور وباب الفحص بالمدينة القديمة حتى يبادرك احدهم بالسؤال عن مكان تواجد éمطعم حمادي"، اشعر أحيانا، وللأسف، أن الناس وزوار طنجة من جميع البلدان يعرفون جيدا كل جوانب وتاريخ مطعم حمادي، قبل أن اكتشف أن العكس صحيح، هناك أناس سكنوا طنجة وأقاموا في دروبها، زد عليهم العديد من المسؤولين الذين لا يعرفون حتى مكان تواجد المطعم. والى اليوم مطعم حمادي لم يفقد ولن يستطيع في المستقبل القريب بريق إشعاعه الدولي والوطني، لقد رسم القائمون عليه منحنى تصاعدي، يتجه صوب الحفاظ فقط على رونقه وبساطة المكان، خدمة لجميع الزوار الذين يرون اليوم أن أي مس قد يطال ملامح المطعم، سيعد لا محالة نهاية حتمية لتاريخ كتبت أركان المطعم حروفه بمداد من الترحاب بالضيف مهما كانت جنسيته وعقيدته.