سؤال أطرحه على نفسي وعلى عامة الناس التي وجدت نفسها مُسْلمة بالوراثة، تتعبد بالعادة، ليس عن وعي ولا عن دراسة، وفي اعتقادي من لم يطرح على نفسه هذا السؤال بما فيها أسئلة أخرى من هذا القبيل فأكيد أنه يجهل الكثير عن دينه لأنه ببساطة لا يطرح الأسئلة، بل أزعُم أن اختياره لدينه لا يملك فيه أي نسبة من الحرية والاختيار والوعي والإرادة، وبالتالي هو "تدين الإمعة" أي الإنقيادية والتبعية ومن ثم الخضوع والإستسلام بدون حرية ولا عقلانية، بل عن غير وعي، وهذا أخطر شيء، أن تَدِين بدين آبائك دون أن تدري، خصوصا عند السنين الأولى حين يكون فيها الإنسان غير ناضج ولا يملك الوعي الكافي للتمييز، ولا المعرفة اللازمة للإختيار، فتُغرَز فيه العقيدة وتصبح الشعائر جزءا من حياته الروحية، فأنَّى له بعد ذلك أن يبحث عن دين الحق بدءاً من الدين الذي وجد نفسه معتنقه من دون أن يدري؟ أنى له إن لم يكن له عقل يتجاوز العادات والخرافات والمسلمات، عقل يطرح الأسئلة الحرجة خارج إطار الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز، خارج إطار الموروثات الثقافية التي تكوِّن شخصيته الدينية. إن الدين عند معظم الناس مأخوذ بالتقليد عن غير وعي، لأن القليل منهم من يقرأ الكتب، كتب العِلْم والتاريخ والكتب المُنزلة التي من خلالها يستطيع الباحث أن يستوي على من هي العقيدة الصحيحة ومن هي الخاطئة، بل وحتى أشكال التعبد وطرقها هل هي صحيحة سليمة أم لا. وهي عدم أمانة وخيانة كبيرة للنزاهة الفكرية وحرية العقل بأن تؤمن فقط وراثة أو فقط لأنه دين آبائك، وليس عن علِم وإرادة ووعي وإيمان يربط بين ما هو عقلي وروحي بعيدا عن السذاجة الدينية العاطفية والوراثية الغير الواعية. نعلم جميعا على أنه ليس من السهل أن يتحرر الإنسان من هذا الشعور وهذه العقيدة التي وجد نفسه عن غير وعي معتنقها، لكن الإنسان الواعي الذي يحمل قابلية عِلمية، عليه أن يبحث عن الحقيقة بنفسه وإلا كان وراثيا تابعا خاضعا مُسيَّرا من حيث لا يدري، وبالتالي عبدا للموروثات والعادات الدينية وفتاوى الشيوخ قبل أن يكون عبدا لله وحده. ثم أليست هي نفس الهفوة ونفس الخطأ الذي يقع فيه أصحاب الديانات الأخرى، سواء الهندوسية أو المسحية أو غيرها؟ ألا يدفع بِنَا هذا إلى ربط الدين بالحقائق العلمية والتاريخية بعيدا عن الوراثة والتبعية والعاطفة والإنتماء القبَلي؟ ثم ماذا لو عكسنا الأدوار، وافترضنا مثلا أننا ولدنا في بيئة مسيحية، هل سنكون إلا مسيحيين إن لم ندرس ونبحث ونكتشف الحقيقة بأنفسنا؟ ومن هنا نقول إنه لا فضل لأي إنسان في اختيار دينه إذا لم يبحث عن الحقيقة في الكتب ومن خلال التجربة الروحية ومن خلال التفكر في الخلق والكون والحياة، ومن خلال المقارنة بين الأديان أيضاً، لا فضل نقول إلا للمجتمع والجغرافية فقط، لأن الإنسان وليد بيئته يتلقى دينه كما يتلقى لغته الأم، ومن ثم الدين كما اللغة يتعرض لعوامل الزمن والاستعمار الثقافي والأمية وهوى النفس والاستبداد والتأويل الديني المزاجي والاجتهادات الشخصية المنفردة وغيرها من العوامل الأخرى التي تُخرج الدين عن أصله وأهدافه الأخلاقية والإنسانية. إن التأمل والمعرفة جديرتان بأن يسعى إليهما الإنسان لمعرفة حقيقة دينه، إذ بغيرهما يستحيل على المرء أن يتعرف على دينه ومن ثم أن يعيش حياة تنسجم وتعاليم الدين الذي يدين به، بل وأهم شيء أن يتعرف على خالقه ومعبوده ومن ثم الإيمان به الإيمان الواعي عن معرفة حقيقية وليس عن وراثة مشوهة. إن من يعترف بأن الإسلام دين الحق قبل أن يبحث ويدرس ويقارن بين الأديان ويتفكر ويتأمل في الكون والحياة والإنسان محاولا اكتشاف المعنى، لهو إنسان بلا عقل، فاقد لإنسانيته لأنه عطل العقل الذي يمتاز به الانسان. فهل هذا هو الانسان الذي يريده الله؟ أزعم هنا بأن الله عز وجل لا يريد ذلك الإنسان الذي يقول يا رب أسلمت وسلمت بكلامك وكلام رسولك وكلام آبائي وطائفتي ومذهبهم من غير تفكير وأغلقت دماغي وأنا عبدك ابن عبدك. لا، الله يريد ذلك الباحث عن الحقيقة، المفكر أو المتفكر الذي يستخدم عقله قبل قلبه، المؤمن، الحر، الغير مؤدلج، لأن كل عقل مؤدلج نالت منه الأيديولوجيا يفقد استقلاله ويعتقد أن عقيدته وما ينتمي إليه هو الحق والصواب ولا يقبل أن ينظر للعقائد الأخرى إلا على أنها كُفر وشرك وافتراء وهذا عين الخطأ. إن حرية العقل في الإختيار والبحث عن الحقيقة والعقيدة الصحيحة لإعادة اكتشاف الدين الذي ننتمي إليه لهو النمط الوحيد لخلاص العبيد من الوراثة الدينية التي تقوض مفهوم الدين وتجعل منه مجرد شعائر وطقوس وعادات، ودعوتنا هنا هي دعوة لإعادة اكتشاف هذا الدين عن طريق العلم والدراسة والتفكر حتى نَخرج من الوراثة المشوِهة لحقائق الدين إلى الحقيقة، لا أقول الناجزة ولكن على الأقل الواعية بمفهوم العبودية والدين وغاياته الكبرى. وصدق أبو حامد الغزالي حين قال :"الحق كامن في النظر، ومن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العَمَى".