محمد الحنفي و على أساس الفهم الصحيح للأيمان، و الإسلام، كما هما في النصوص الدينية، لا كما يفهمها فقهاء الظلام، و متفيقهوه، من مؤدلجي الدين الإسلامي، لصالح من يسعى إلى إقامة استبداد بديل، نستطيع القول : 1) بأن الإيمان لا يحضر في شهر رمضان فقط. لأن ذلك معناه انتقال القداسة إلى شهر رمضان، الذي يتحول إلى معبود إلى جانب الله تعالى، و هو عمل لا يتجسد فيه إلا الشرك بالذات الإلهية. و هو ما لا علاقة له بحقيقة الدين الإسلامي، كما يتجسد ذلك من خلال الاحتفاء بهذا الشهر، احتفاء مبالغا فيه، على جميع المستويات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، و من وجهة نظر فقهاء الظلام، و متفيقهيه الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، بتغييب الناس، في مختلف المناسبات الدينية، عن الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي، الذي يزخر بالكثير من المشاكل، التي يستعصى حلها في إطار السياسة اللا شعبية، و اللا ديمقراطية المتبعة. و ذلك التغييب، لا يخدم في العمق، إلا من يكرس الاستبداد القائم، أو من يسعى إلى فرض استبداد بديل، عن طريق استغلال مختلف المناسبات الدينية، و في مقدمتها مناسبة شهر رمضان، الذي لا يختلف عن الشهور الأخرى إلا في كونه مخصصا لعبادة الصيام ليس إلا. و لذلك فالإيمان لا يحضر في شهر رمضان فقط، بقدر ما يحضر في سائر الشهور ، و على مدار عمر الإنسان المومن بالله، إلى أن يتوفاه الله. و هذه المبالغة، في الاحتفاء بشهر رمضان، لا علاقة لها بحقيقة الإيمان، و هي لا تدخل إلا في إطار الادعاء. و الادعاء لا ثواب له عند الله، كما جاء في القرءان " و الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، و لا يومنون بالله و اليوم الآخر، كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا، لا يقدرون على شيء مما كسبوا". 2) بأن الإيمان لا يحضر في المساجد فقط، بل يتعداه إلى ملازمة الإنسان في كل مكان يحل به، في حله، و ترحاله، و في كل لحظات عمره، في صلاته، و صيامه، و حجه إن استطاع إليه سبيلا، وفي زكاته إن توفر لديه النصاب، أي أنه قائم في قلب المومن، لا يفارقه، كما قال الرسول: "الإيمان ما وقر في القلب". أما المساجد، فيحضر إليها المومنون، لأداء صلواتهم الخمس. و كل ما في الأمر أن المومن عندما يؤدي، أو يقضي شعيرة الصلاة، فإنه يستحضر عظمة الله، لا عظمة المسجد، مهما كان مزخرفا، و محنطا بالمظاهر التي يراها معدوها وسيلة لجعل الإنسان يتأمل في هذا الكون، في الوقت الذي تعتبر فيه تلك المظاهر من صناعة البشر ليس إلا. و لذلك، فلابد من إعادة النظر في التعامل مع المساجد، حتى تصير مجرد أماكن لأداء شعيرة الصلاة، و حتى لا تتحول إلى أماكن مؤدلجة، ليقدسها الناس لأجل ذلك، و حتى لا تصير أماكن مخصصة لإشاعة أدلجة الدين الإسلامي، على يد فقهاء الظلام، الذين يتجندون لهذه الغاية، و حتى لا تصير وسيلة لتجييش المومنين، المغفلين وراء المؤدلجين، و حتى لا يعبد أولئك المغفلون المساجد، بدل عبادة الله، كما يعبدون الأضرحة المختلفة بدل الترحم على أصحابها. 3) بأن الإيمان لا يشاع بين الناس عن طريق مكبر الصوت. فمكبر الصوت ليس إلا وسيلة للإعلان عن شيء معين، و ليس إلا وسيلة للإعلان عن أداء الصلوات الخمس، و سواء تعلق الأمر باستعمالها للآذان فقط، أو تم نقل شعيرة الصلاة كاملة في شهر رمضان، و في غير شهر رمضان، فإن ذلك لا يجعلها معبر إلى الإيمان بالقلوب، لأن من سمحت له ظروفه بحضور أداء صلاة الجماعة في المسجد سيقوم بذلك، و من لم تسمح له تلك الظروف، فإنه سيؤدي الصلاة في بيته، أو في مكان عمله، أو سيؤجلها إلى وقت لاحق، و كون الناس لا يأتون إلى المسجد، و لا يؤدون الصلاة في إطار الجماعة و داخل المسجد، أو حوله، فإن ذلك لا يعطي الحق لأي كان، و مهما أدعى وصايته على الدين، في التنقيص من إيمان المومنين بالدين الإسلامي، أو التشكيك في ذلك الإيمان، أو تكفيرهم، كما يحصل، في أيامنا هذه، بسبب الأمية، و التخلف الفكري، الذي يسود بين المسلمين، ليصير جزءا لا يتجزأ من إسلامهم. و لذلك فمكبرات الصوت هي مجرد مكبرات للتظاهر، و المزايدة، بين المتصرفين في المساجد، أو مالكيها، أو القيمين عليها، حتى يعلم الناس بأنهم أقوى، ومساجدهم أفضل من المساجد الأخرى. و أمر كهذا يدخل في إطار الرياء، و التباهي، و المزايدة، مما يجعل الأجر غير وارد من وراء العبادة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، انطلاقا مما ورد في القرءان في هذا الشأن. و بعيدا عن فهم فقهاء الظلام، و عن فهم المتفيقهين، من مؤدلجي الدين الإسلامي، و المتجيشين وراءهم، فإن اعتماد الفهم الصحيح للإيمان، و للإسلام، يجعل الدين الإسلامي الصحيح، منزها عن أن يتحول إلى مجرد احتفاء بشهر رمضان، أو بالمساجد في هذا الشهر، أو بتضخيم دور مكبرات الصوت، أو بقيام المتفيقهين بترويج الكلام الذي يسمونه حديثا، ليؤيدوا به أدلجتهم للدين الإسلامي، و لتأويلاتهم المغرضة له، و لنصوصه المختلفة، حتى تصير تل النصوص، بفعل التأويلات، مناسبة لهواهم، و معبرة عنه، و ذلك ما لا علاقة له بحقيقة الإيمان، و الإسلام. مسؤولية تحريف طبيعة الإيمان و حقيقة الإسلام : و ما يحصل في الواقع، و في مختلف المناسبات الدينية، يدفعنا إلى القول، بأن المسؤولية حاصلة فيما يقع. فمن يتحمل مسؤولية التحريف التي تستهدف طبيعة الإيمان وطبيعة الإسلام ؟ إن عملية التحريف التي استهدفت حقيقة الإيمان، و حقيقة الإسلام، برزت إلى الوجود، منذ مقتل عثمان بن عفان، و منذ انقسمت النخبة إلى شيعة، و خوارج، و آل الزبير، و اتباع بني أمية، فصارت كل فرقة تعطي للإيمان، و للإسلام مدلولا يتناسب مع طبيعة أدلجتها للدين، و للنص الديني، ليتوارث المسلمون بعد ذلك الانتماء إلى فرق متعددة محسوبة على الإسلام، و هي في الواقع ليست إلا ممارسة لتحريفه. و التحريف ممارسة إيديولوجية مستمرة، و باحثة في عمق ظلام التاريخ، لإيجاد المبرر اللازم لما تمارسه كل فرقة على حدة، و لاعتماد تلك المبررات لصياغة المسلكية العامة، و الفردية، أيديولوجيا، و سياسيا، و تنظيميا، ليتحول المومنون، و المسلمون، إلى مجرد مجيشين لهذه الفرقة، أو تلك، تبعا لما يحدث من فرق في الواقع، و انطلاقا من الأهداف التي تسعى كل فرقة إلى تحقيقها. و كنتيجة لذلك التحريف، و التجييش، تصل هذه الفرقة، أو تلك، إلى السلطة في هذا البلد، أو ذاك، فتتحول تلك السلطة على يد كل فرقة إلى سلطة دينية، و هو ما أدى إلى استنبات مفهوم "الدولة الإسلامية"، فكأن الإسلام ليس واحدا، و كأن الإيمان ليس واحدا. و في الحالتين معان فهناك أشكال من الدول الإسلامية، و هناك ممارسات إيمانية متعددة، و هناك أشكال للعبادة، تختلف باختلاف المذاهب السياسية المؤدلجة للدين الإسلامي، و هناك من يسعى إلى إقامة دول دينية نقيضة للدول الدينية القائمة، بسبب الاختلاف في الأدلجة، أو بسبب الإيغال في تلك الأدلجة. و على هذا الأساس يمكن أن نجد أن المسؤولية عن تحريف الإيمان و الإسلام تكمن في : 1) الفرق الدينية التي نشأت قديما، و التي لازالت مستمرة في أوساط المسلمين إلى يومنا هذا. و هذا النوع من المسؤولية يمكن اعتباره تاريخيا، لارتباطه بمراحل تاريخية معينة، حتى لا نعمل على تحريف التاريخ، الذي يرتبط بالأساس بتحول التشكيلة الاقتصادية/الاجتماعية إلى تشكيلة أعلى منها. و ما حدث من تكون للمذاهب التي تختلف في فهمها للإيمان، و الإسلام، يعتبر مسؤولا، و بشكل مباشر، عن شرعنة تحريف مفهوم الإيمان، و مفهوم الإسلام. 2) الدول التي تنشأ على أساس أدلجة الدين الإسلامي، لأن نشأتها على ذلك الأساس، زرع للوهم بأنها، فعلا، "دول إسلامية" و ليست دولا للمسلمين، و معلوم أن الفرق واضح بين مفهوم "الدولة الإسلامية"، و مفهوم دولة المسلمين. ف"الدولة الإسلامية"، تنطلق من أن الإسلام دين، و دولة، و انطلاقها ذاك يعطيها الحق في اعتبار نفسها تحكم باسم الله، و هذا الحكم، هو الذي يجعل الناس يقبلون الاستبداد، على أنه قدر من عند الله. و هذا القدر هو الذي يجعل الخضوع لإرادة الحاكمين، باعتبارهم ينوبون عن الله في الأرض، واجبا حتى يتجنبوا اعتبارهم كفارا، و ملحدين، يقام عليهم حد الكفر، و الإلحاد. و كلاهما يسيء إلى إيمان المسلم، و عقيدته. أما دولة المسلمين، فهي دولة من اختيار المسلمين، كما جاء في القرءان الكريم: " و أمرهم شورى بينهم"، و كما جاء في الحديث: " إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم". لأن المسلمين هم الذين يختارون من يحكمهم، انطلاقا من دستور ديمقراطي، و من إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، لإقامة مؤسسات تمثيلية حقيقية، و لإيجاد حكومة، مفرزة، من صناديق الاقتراع، بناء على برنامج انتخابي معين، يقتنع به المسلمون، و تقوم الحكومة باعتماده في برامجها المركزية، و القطاعية، حتى تقوم بخدمة مصالح الشعب الاقتصادية، و الثقافية، و السياسية، التي تحفظ كرامة الناس، بصفة عامة، و كرامة المسلمين، بصفة خاصة، على أساس المساواة فيما بينهم، انطلاقا من قيم الدين الإسلامي، كما تقتضي نصوصه ذلك: "لا فرق بين عربي، و عجمي، إلا بالتقوى"، و "الناس كأسنان المشط"، و " كلكم من آدم و آدم من تراب"، و هكذا ... و لذلك فمسؤولية الدول المتوارثة، عبر العصور، و القائمة على أساس أدلجة الدين الإسلامي، حاضرة في ممارسة تحريف مفهوم الإيمان، و مفهوم الإسلام، لاعتبارها، نفسها، دولا دينية من جهة، و لتجنيدها للجهاز الإيديولوجي الضخم، و الذي تموله من أموال المسلمين، من أجل تكريس التحريف، على أنه هو الإيمان، و هو الإسلام. و من أجل تكريس التحريف على أنه هو الإيمان، و من أجل فرض سيادة الاعتقاد، و بواسطة القوة، على أن الله هو الذي حكم بواسطة هذه الدولة، أو تلك، التي تتحول إلى دولة رهبانية، في الوقت الذي يردد فيه "علماء" المسلمين و "فقهاؤها" أنه لا رهبانية في الإسلام، للإيغال في التضليل. 3) مؤدلجو الدين الإسلامي الموالون للاستبداد القائم، أو العاملون على فرض استبداد بديل. لأن هؤلاء المؤدلجين باعتبارهم "علماء" الدين الإسلامي، و "فقهاء" هذا الدين ، هم أول من يعرف أن ما يمارس في مختلف المناسبات الدينية، و خاصة في شهر رمضان، في الحياة العامة، و في مختلف المساجد، لا علاقة له بالأيمان. لأن الإيمان في حقيقته، لا علاقة له بما يجري، فما يجري هو ممارسة للشرك، بأوجه مختلفة، و باسم الدين الإسلامي، و عن طريق التأويل، المغرض للنصوص المختلفة. كما أنهم هم أول من يعرف: أن ما يمارس، لا علاقة له بحقيقة الإسلام، الذي ينقل المجتمع الإنساني إلى ما هو أفضل، حتى يتأتى اكتمال سعادة البشرية، باحترام الكرامة الإنسانية: الفردية، و الجماعية، التي هي الهدف الأسمى للممارسة الإسلامية الحقيقية. و معلوم أن الكرامة الإنسانية، لا تتحقق إلا بتحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، كقيم أسمى، تعتمد في بناء حياة إنسانية سليمة، تتحقق في إطارها إنسانية الإنسان، الذي يتمتع بحقوقه المختلفة، التي تمكنه من اختيار من يمثله، و من يحكمه، في نفس الوقت، و من اختيار الدستور، الذي يناسبه، و القوانين التي تعتمد لتنظيم شؤونه. و مسؤولية مؤدلجي الدين الإسلامي، تتمثل في الإصرار على التحريف، الذي يستهدف الإيمان، و الإسلام، و العمل على إشاعة ذلك التحريف، و بكل الوسائل الممكنة، و غير الممكنة، بما فيها اعتماد مكبرات أصوات المآذن، و على مستوى التراب الوطني، و في كل بلدان المسلمين، على أنها جزء لايتجزأ، من الإيمان، و من الإسلام، و أن استعمالها يعتبر فرض عين، حتى يتم إيصال صوت "الإيمان"، و صوت "الإسلام"، إلى كل الناس، الذين لم يحضروا إلى المساجد، أو لا يحضرون إليها، حتى ينغرس في أذهان الجميع التطابق بين الدين، و بين التحريف، و بين الإيمان، و الإسلام. ليسود بذلك التضليل، و بواسطة مكبرات الصوت، فيفقد بذلك المِؤمنون، و المسلمون، بوصلة الإسلام، التي تحل محلها بوصلة التحريف، التي تصير موجهة لمسلكية المؤمنين، و جميع المسلمين، على السواء، في اتجاه القبول بالتجييش على أنه هو الإسلام، و هو الإيما، و هو الاستعداد المستمر ل"الجهاد"، الذي لم ينتج لنا إلا هذا الخضم من الإرهاب، و عبر العالم، و الذي لا يمكن أبدا، أن يصير معبرا عن حقيقة الإيمان، و حقيقة الإسلام. 4) عامة الناس من المتعلمين بالخصوص، و حتى من غير المتعلمين، الذين يتعاملون مع أدلجة الدين الإسلامي، و كأنها هي الدين عينه. و هذه المسؤولية تكمن في انجرارهم وراء الدعوة إلى التعامل مع الدين الإسلامي، و كأنهم مجرد جيوش يصطفون وراء مؤدلجي الدين الإسلامي، و في تنظيماتهم المختلفة المشارب، و الأهداف المتفقة جميعا في العمل على تضليل المسلمين، و في استغلال الدين الإسلامي، و في السعي إلى إيجاد استبداد بديل، يسمونه "الدولة الإسلامية"، التي تختلف مضامينها، و أهدافها، من فصيل مؤدلج للدين الإسلامي، إلى فصيل آخر مؤدلج للدين الإسلامي. و قد كان من المفروض، أن يعمل عامة الناس، على استخدام عقولهم، فيما يستهدفهم من قبل البشر، و مهما كان ذلك البشر، و خاصة إذا كانوا مؤدلجين للدين الإسلامي، حتى يتبين المومنون، و عامة الناس، حقيقة الدين من غير الدين، و حتى يصير الدين لله، و الوطن للجميع. و يرجع عدم استخدام الناس لعقولهم فيما يستهدفهم من قبل البشر، و مهما كان ذلك البشر، و خاصة إذا كانوا مؤدلجين للدين الإسلامي. خاصة الديانة الوثنية، و ما لحق من تحريف بديانة موسى، و ديانة عيسى، إلى الممارسة النقدية. لأن الممارسة النقدية، تبدو واضحة وضوح الشمس في قوله تعالى: "إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون"، و قوله: " إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون"، و قوله: " و قالت اليهود عزير ابن الله، و قالت النصارى المسيح ابن الله". و قول الرسول: " لا يكن أحدكم إمعة، بأن يقول أنا مع الناس، إن أساءوا أسأت، و إن أحسنوا أحسنت، و لكن وطنوا أنفسكم". و حتى في النص الإسلامي نفسه، نجد نقدا لممارسة الرسول، تجنبا لأي تحريف يمكن أن يلحق العقيدة الإسلامية. فقد ورد في القرءان "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي". وورد أيضا: "عبس و تولى أن جاءه الأعمى، و ما يدريك، لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى". و المومنون المسلمون عندما يمارسون النقد البناء، على مؤدلجي الدين الإسلامي من فقهاء الظلام، و المتفيقهين، و مجيشيهم، فلأجل المحافظة على الدين الحقيقي، وحمايته من كل استغلال إيديولوجي، أو سياسي، حتى لا يتحول إلى مجرد مطية للوصول إلى السيطرة على أجهزة الدولة، التي توظف بدورها في تحقيق المصالح الطبقية لمؤدلجي الدين، من فقهاء الظلام، و متفيقههيه، و مجيشيهم، و في حماية تلك المصالح، التي تصير بدورها مقدسة، بفعل الاستبداد البديل، الذي يسعى فقهاء الظلام إلى فرضه على المجتمع. و هكذا يتبين أن مسؤولية المساهمة في تحريف الدين الإسلامي، هي مسؤولية تاريخية، و مسؤولية الطبقة الحاكمة، التي تقيم حكمها على أدلجة الدين الإسلامي، و مسؤولية فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و المجيشين وراءهم، و مسؤولية عامة الناس، الذين لا يبذلون أي مجهود لمحاربة منكر الأدلجة التي تحرف الدين الإسلامي. مع أن محاربة المنكر، بمختلف الوسائل، تصير واجبة، كما جاء في الحديث ": من رأى منكم منكرا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، و ذلك أضعف الإيمان ". و يمكن بهذه المناسبة أن أعظم منكر يرتكب في حق الإنسانية بصفة عامة، و في حق المسلمين بصفة خاصة، هو تحريف الدين الإسلامي، الذي يحول هذا الدين إلى دين للشرك كما وضحنا ذلك في الفقرات السابقة، و معلوم أن الله "لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء" ضرورة إعادة الاعتبار لحقيقة الإيمان : و بوقوفنا على مسؤولية كل من التاريخ، و الطبقة الحاكمة، و مؤدلجي الدين الإسلامي، و سائر المومنين و المسلمين، نجد أنفسنا مضطرين إلى طرح السؤال : ما العمل من أجل إعادة الاعتبار لحقيقة الإيمان ؟ و للإجابة على هذا السؤال: نجد أنفسنا أمام طرح سؤال آخر هو : ما حقيقة الإيمان ؟ إن المفهوم التقليدي للإيمان الذي يعتمده فقهاء الظلام، و من على شاكلتهم، و الذي يتجسد في "الاعتقاد بالله، و ملائكته، و كتبه، و رسله، و بالقدر خيره، و شره"، هو مفهوم لا يمكن أن يستحضر الإنسان كقيمة يجب أن تشكل جزءا لا يتجزأ من ذلك الإيمان، لأن التسليم في الاعتقاد، نفي للذات، و خدمة ، و تقدير للمعتقد الذي يصير هدفا. و ما دام المعتقد غير متجسد، و هو في الدين الإسلامي لا يمكن أن يتجسد إلا من خلال الإنسان المومن، فإن هذا المومن يصير جزءا من ذلك الإيمان، لأنه لا يوجد الإيمان إلا بوجوده. و على أساس هذا الاستنتاج، فإن الإيمان يجب أن يستهدف الربط بين القول، و العمل، بين النظرية، و الممارسة، بين الإقرار بوجود بالله، و العمل على سعادة الإنسان كاستحضار لذلك الوجود، حتى لا يتحول الإيمان إلى سلاح لجعل الإنسان غير قادر على فهم ما يجري حوله، و لا مستوعب له، و لا فاعل فيه، و لا متفاعل معه، بسبب الانقياد المطلق وراء فقهاء الظلام، الذين يدعون الوصاية على الدين، و يحولون الإيمان إلى مجرد مجموعة من الطقوس التعبيرية، التي لا تنسجم أبدا مع حقيقة الإيمان. فكرامة الإنسان يجب أن تشكل جزءا من ذلك الإيمان، كما يمكن أن نستنتج ذلك من العديد من النصوص المساهمة في بناء منظومة الإيمان. فالله تعالى عندما يقول: " و لقد كرمنا بني آدم "، لا يقولها هكذا، بل لأن ذلك التكريم يعتبر جزءا من عدل الله في الأرض، الذي لا يستهدف إلا الإنسان، الذي يجب أن يتمتع بحقوقه الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي هي الهدف الأسمى الذي تسعى البشرية من خلال حركيتها المتطورة، حسب تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الهادفة إلى الارتقاء الذي تزول من خلاله مختلف الفوارق المعيقة لتحقيق كرامة الإنسان، التي هي عدالة الله في الأرض في نفس الوقت. و هذا ما يمكن أن نستنتجه أيضا من قوله تعالى: " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر"، و من غاية الصيام، و الزكاة، و الحج، لأنها جميعا تسعى إلى تحقيق كرامة الإنسان، إذا استبعدنا التأويلات الإيديولوجية للممارسة الإيمانية، و التي تجعل الإنسان فاقدا لإنسانيته، التي يغيب فيها الربط بين مختلف النصوص الدينية، التي يكمل بعضها بعضا. و لذلك فأي فهم للإيمان يجب أن يستهدف الإقرار بوجود الله، و ما يستلزمه ذلك الوجود، و أن يستهدف في نفس الوقت، اعتبار ذلك الإيمان، أساسا للقول بضرورة تحقيق كرامة الإنسان، لنفي القهر الذي يستلزمه الفهم التقليدي، الذي يغيب بالدرجة الأولى، كون الإنسان في حاجة إلى حفظ كرامته، مهما كان شأنه و كيفما كانت عقيدته، أو لغته، و كيفما صار لونه، أو عرقه، لأنه بتحقيق تلك الكرامة، يتم الاستدعاء بطريقة مباشرة إلى اعتناق الدين الإسلامي، الذي يتحول إلى دين إنساني، إذا ترك لشأنه، و استبعد من الاستغلال الإيديولوجي، و السياسي، الذي يكرس تحريفه، الذي يجعل الإيمان غائبا، حتى بالمفهوم التقليدي، الذي يعتمده فقهاء الظلام، عصا غليظة، و مسدسات، و بنادق، و أحزمة من المتفجرات، يسلطونها جميعا على رقاب البشرية. و هذا الغياب للإيمان، في الممارسة، هو الذي أنزل فيه الله في القرءان: " قالت الأعراب آمنا، قل لم تومنوا، و لكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم". و نفس الآية الكريمة نتوجه بها إلى فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و مجيشيهم، الذين تتطابق ممارستهم مع ممارسة الأعراب، الذين نزلت فيهم الآية الكريمة، و الذين لا يرون في الإيمان بالدين الإسلامي، إلا وسيلة لخدمة مصالحهم الطبقية، و لا شيء غير ذلك. و كنتيجة للتدقيق في مفهوم الإيمان، الذي هو شأن إنساني، وصولا إلى التعامل مع الدين، على أنه لله فقط، كما تفيد ذلك الآية الكريمة: " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا"، و أن من صفات الله العدل، الذي يقتضي العمل على طلب العمل، على تحقيق كرامة الإنسان، التي لا تتجسد إلا في تمتيعه بحقوقه الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، كما هي في المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، و التي تمنع استغلال أي دين، و مهما كان، في الأمور الإيديولوجية، و السياسية، و اعتماد ذلك الاستغلال في تأسيس أحزاب دينية، تسعى إلى الوصول إلى السيطرة على أجهزة الدولة، نرى ضرورة إعادة النظر في منظومة القيم المترتبة عن الفهم المغلوط للإيمان. تلك المنظومة التي تسهل أمر اعتماد أدلجة الدين، كوسيلة "إيمانية"، التي لا تتجاوز أن تكون مجرد اعتقاد بأيديولوجية معينة، قائمة على أساس التأويلات المغرضة للنصوص الدينية، و لا يمكن أن تكون لها علاقة بالله، الذي ينحاز في الإيديولوجية الدينية، إلى الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي، و حسب ما يظهر في أدبيات هؤلاء المؤدلجين، و في ممارساتهم اليومية، و في وصايتهم على الدين الإسلامي. فإعادة النظر في منظومة القيم المترتبة عن الفهم التقليدي للإيمان، صارت مسألة ضرورية، من أجل تجنب تحويل المجتمع، إلى مجرد قطيع مجيش، لا يسعى إلى تكريس الاستبداد القائم، أو فرض الاستبداد البديل، و محاربة كل القيم التنويرية، و التقدمية، و الإنسانية، و الديمقراطية، و إعادة النظر تلك، لا تكون إلا بالنضال الديمقراطي الحقيقي، المستمد من استحضار إرادة الشعب، المتنور، و التقدمي، و المالك لوعيه الطبقي الحقيقي، الذي يجنبه السقوط في مهوى عبور الاستبداد البديل، الذي يهدد مصير الشعوب المومنة بالدين الإسلامي. وبذلك يتبين، و من خلال التجارب المختلفة، أن اعتماد التيارات المؤدلجة للدين الإسلامي، و المتكونة من فقهاء الظلام، و المتفيقهين، و المجيشين، لمحاربة الفكر الاشتراكي العلمي، و ملاحقة الاشتراكيين العلميين، و اغتيالهم، يعتبر جريمة في حق الإنسانية، لأن ذلك الاعتماد هو الذي أدى إلى إقبار الفكر الديمقراطي، و الفكر الإنساني، ليحل محله الفكر الظلامي المتخلف، الذي أريد له أن يصير فكرا إسلاميا، يقود إلى قيام ما صار يسمى، على المستوى السياسي، ب " الحركة الإسلامية "، التي ليست إلا حركة مؤدلجة للدين الإسلامي، الذي هو للناس جميعا، و ليس خاصا بالمؤدلجين، الذين لا يمكن اعتبار أدلجتهم هي الدين الإسلامي، كما وضحنا ذلك في الفقرات السابقة. و حتى تتحقق إعادة النظرة في منظومة القيم المترتبة عن الفهم التقليدي للإيمان، نرى ضرورة : 1) إيجاد دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب. 2) ملاءمة القوانين المحلية، مع المواثيق الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان. 3) منع، و تجريم، قيام أي حركة سياسية، على أساس أدلجة الدين الإسلامي. 4) إعادة النظر في البرامج الدراسية، حتى تتخلص من كل ما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي. 5) القيام بحملات واسعة، و بمختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية، و المقروءة، من أجل توعية الناس بخطورة أدلجة الدين الإسلامي. 6) إجراء انتخابات حرة، و نزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، من الشعب، و إلى الشعب. 7) إيجاد حكومة تقوم بخدمة مصالح الشعب، و رعاية تلك المصالح، و حمايتها، كما هي في الدستور الديمقراطي، و في القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. و بهذه الخطوات الإجرائية، يتحمل الجميع المسؤولية أمام التاريخ، و أمام الله، و أمام الشعب، من أجل قيام مجتمع حر، و ديمقراطي، و عادل، قائم على أساس تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، و لا نفوذ فيه لمؤدلجي الدين الإسلامي، من فقهاء الظلام، و المتفيقهين، و المجيشين. هل يمكن الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل ؟ و إننا، و نحن نواجه أدلجة الدين الإسلامي، الساعية إلى تكريس التخلف الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و السياسي، عن طريق التأويلات المغرضة للنصوص الدينية الإسلامية الثابتة، نجد أن هؤلاء المؤدلجين، يجعلون من الماضي مثالا يحتدى، سعيا منهم إلى الاستعادة. و هو ما يفرض طرح جملة من الأسئلة المستفزة، التي تدفعنا إلى إعمال النظر في الماضي، كماض لا يتكرر، و في الواقع، كواقع يقوم على التجدد المستمر. و من تلك الأسئلة نجد : هل يمكن يصير مسلمو عصرنا، هذا، مثل المسلمين الذين عاشوا في صحراء الجزيرة العربية، قبل أربعة عشر قرنا ؟ هل يمكن أن يعيش مسلمو عصرنا بدون كهرباء، و بدون وسائل الاتصال السمعية البصرية، و بدون وسائل النقل الجديدة، و بدون اعتماد الشبكة العنكبوتية، و بدون العيش في المساكن الحديثة، و بدون ... و بدون ... ؟ هل المسلمون الأوائل، كانوا يفكرون في إقامة "دولة إسلامية"؟ أم أنهم سعوا إلى إقامة دولة للمسلمين ؟ هل حافظوا على حقيقة الإيمان كما هي في القرءان ؟ أم أنهم عملوا على تحريف ذلك الإيمان، لخدمة مصالحهم الطبقية ؟ هل طريقة لباسهم، و إسدالهم للحي مرتبطة بعادات و تقاليد ذلك العصر؟ أم أنها مجرد تطبيق شكلي للدين الإسلامي، انطلاقا مما جاء في الكتاب و السنة ؟ هل يرتفع المسلمون الأوائل إلى مستوى المقدس ؟ أم أنهم مجرد بشر يصيبون و يخطئون كباقي البشر، و في جميع العصور، و جميع الأماكن ؟ و إذا عملنا على تقديسهم، ألا يعتبر ذلك تكريسا للشرك بالله ؟ أليس مبرر مجيء الدين الإسلامي، هو إعادة الاعتبار لوحدانية الله ؟ فهل يمكن القول: بأن الدعوة إلى الرجوع إلى الماضي، هي مجرد إيديولوجية، تهدف إلى السعي إلى تحقيق مصالح طبقية معينة، و خدمة تلك المصالح، و حمايتها في نفس الوقت ؟ هل يصح الاستمرار في ترديد مقولة "آباؤكم خير من أبنائكم إلى يوم القيامة " ؟ ألا يتطور الإنسان، تبعا للتطور الذي يحصل، من خلال التحول الحاصل، بسبب الانتقال من تشكيلة اجتماعية، إلى تشكيلة اجتماعية أعلى ؟ أليس التمسك بالماضي، و تقديس ذلك الماضي – على تخلفه- من فعل الطبقات المستفيدة من الجمود العقائدي لدى المسلمين، في جميع بلدان المسلمين، حتى يتم تجييشهم على هوى الطبقات الحاكمة، أو على هوى فقهاء الظلام، و متفيقهيه، و مجيشيهم ؟ إننا في الواقع عندما نطرح السؤال: عنوان الفقرة : " هل يمكن الرجوع إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل ؟" و ما ترتب عنه من أسئلة أخرى، فلأننا نسعى إلى جعل ذلك الماضي موضوعا للنقاش، على أن نميز في نقاشنا، بين الماضي كمثال، و بين الدين كدين، لأن الذين عاشوا في ذلك الماضي، هم مجرد بشر، و البشر يصيبون، و يخطئون، و الذين عاشوا في ذلك الماضي، لا يتوفرون على نفس المعطيات الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و السياسية، بهذا الكم، و هذا الزخم الذي يتوفر عليه الناس اليوم، و لا يمتلكون العقل العلمي، و لا منهجية التفكير التي يمتلكها الناس اليوم. و الفكر الماضي قائم على الاتباع، أما اليوم فيقوم الفكر على الابتداع، و الذين عاشوا في الماضي لا يتوفرون على سعة الفكر الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و الأيديولوجي، و السياسي، كما يتوفر على ذلك سكان العصر الذي نعيش فيه. و المفروض أن ينعكس الأمر، و أن يصير الماضي مجرد عبرة نأخذ منها الدور، لا مثالا نستنسخه استنساخا بشعا.