لم يوفق الإسلاميون والتيار المحافظ عموما في تحريف المرجعية الكونية لحقوق الإنسان ونزع المصداقية عنها، رغم أنهم عملوا من أجل ذلك عقودا خلت، وانتهوا إلى الشعور بالتناقض الذي وقعوا فيه بمطالبتهم بالمشاركة السياسية التي هي حق لهم، مع تحفظهم على منظومة حقوق الإنسان العلمانية التي تعطيهم كل الحق في هذه المشاركة، والتي يمكن أن يستفيدوا منها كغيرهم في التنظيم والتعبير عن آرائهم وخوض معترك التنافس كباقي التشكيلات السياسية، فتنازلوا عن إيديولوجيا التكفير وانتقلوا من رفض حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا إلى القول بقبولها لكن في إطار "ملاءمتها" مع "الخصوصية الدينية" و"التقاليد العريقة"، وهي الخصوصيات والتقاليد التي جاءت حقوق الإنسان لتجاوز بعضها التي تمسّ بالحقوق الأساسية من أجل مصلحة الإنسان المواطن في كل دول العالم . وقد أدى خطاب الملاءمة المذكور إلى تنبيه الفاعلين الحقوقيين عبر العالم إلى مناورات بعض الدول الإستبدادية، وبعض التيارات الدينية بتحفظها على حقوق الإنسان عبر استعمال ذرائع الخصوصية الدينية والتقاليد والثوابت التقليدية، وهو ما أدى إلى تبلور فكرة "سموّ المعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية"، لتفادي استعمال الأديان والتقاليد ضدّ حقوق الإنسان التي لا يمكن تبرير المسّ بها، سواء من قبل الأنظمة أو التيارات الدينية المتشددة. من المفاهيم التي تمت محاولة الإلتفاف عليها أو تحريفها مفهوم الديمقراطية ومفهوم حرية المعتقد ومفهوم الإستبداد. فبالنسبة لمفهموم الديمقراطية حاول الإسلاميون اختزاله في الأغلبية الرقمية العددية، والتي يراد لها أن تكون "ممثلة للشعب"، وإن كانت في الحقيقة تمثل أقلية منظمة، مثل ما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي لم تتعد الأصوات التي حصل عليها مليون ونصف صوت، من أصل ستة ملايين ونصف من المصوتين من أصل 13 مليون ونصف من المسجلين في اللوائح من أصل 22 مليون ممن لهم حق التصويت، بينما يعرف الجميع في الديمقراطيات العريقة بأن الديمقراطية تبدأ أولا في توفير ضمانات الحكم العادل والمساواة والحرية في الدستور والقوانين التي تمثل المنطلق نحو عملية الإقتراع التي هي آلية تقنية لفرز من يتولى إدارة الشأن العام. فجوهر الديمقراطية هو قيم العدل و الحرية والمساواة، وفي غيابها مهما كان من حصل على الأغلبية فالنظام لا يعدّ ديمقراطيا بأي حال من الأحوال. وفي مفهوم حرية المعتقد ارتكب الإسلاميون فضائح كثيرة منها محاولة استعمال مفهوم الخصوصية الدينية ومفهوم "الردّة" من أجل رذع المواطنين عن اختيار دينهم بحرية، فبعضهم اعترف بحرية المعتقد نظريا، ولكنه قام بقلبه بشكل كاريكاتوري معتبرا أن الحرية هنا هي حرية أي واحد في تغيير دينه والإنتقال إلى الإسلام، و ليس العكس، وهي نكتة طريفة لكنها تدلّ على مقدار تخلف العقل الإسلاموي وانغلاقه عن منظومة حقوق الإنسان الكونية. وهناك تيار آخر حاول التحايل على الموضوع على الشكل التالي: لكل الحق في الإيمان أو عدمه و في تغيير الدين كما يحلو له، ولكن ليس من حقه التعبير عن ذلك أم ممارسة شعائره الدينية علانية لأن في ذلك "استفزاز لمشاعر المسلمين"، وهذا اليتار يرتكب خطأ فادحا يتمثل في فصله بين حرية المعتقد وحرية التعبير وممارسة الشعائر الدينية وهي حريات لا تنفصل في منظومة حقوق الإنسان كما تعبر عن ذلك بوضوح الفقرة المتعلقة بالمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولم يسلم مفهوم "الإستبداد" بدوره من التحريف، ففي الوقت الذي استعملنا فيه هذا المفهوم من أجل كشف عيوب الأنظمة الدكتاتورية السالبة للحريات والمتسلطة على شعوبها، وتنبيه مختلف الفرقاء السياسيين إلى مخاطر الإنزلاق نحو العودة إلى ممارسات سابقة مخلة بالكرامة، حوله بعض الإسلاميين إلى سعي الأقلية إلى فرض مطالبها الديمقراطية على الأغلبية، والتمسك بحقوقها، وهو فهم خاطئ نتج عن الفهم المنحرف والإنتهازي للديمقراطية، والصحيح أن للأقلية حقوقها في الديمقراطية لا تنكر، إذ أن الأغلبية في الإنتخابات لا يمكن لها تجاوز حدود المسّ بحقوق غيرها التي هي حقوق أساسية في نمط العيش والتعبير الحرّ و الإستمتاع بالمكاسب الإنسانية المحصلة.