أعاد ذبح تلميذ لأستاذه بإعدادية الكتبية بمدينة سلا المغربية موضوع العنف المدرسي لواجهة الأحداث وغدا حديث عامة الناس ،وإن كان الموضوع متداولا باستمرار وسط رجال التعليم ، وإذا كان العنف في التعاريف المدرسية هو كل سلوك يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، سواء كان هذا الأذى جسمياً أو نفسياً . فإن تغييرات جوهرية طرأت على الظاهرة اليوم إذا ما قورنت بصورتها في الأمس القريب بعدما أصبح العنف أهم العملات رواجا داخل الوسط التعليمي في عصرنا ... تعد ظاهرة العنف داخل المؤسسات التعليمية ظاهرة عالمية وقديمة ، وتتنوع صورها ومظاهرها بحسب الجهة المسؤولة عنها: فقد يكون هذا العنف بين أستاذ وتلميذ أو بين تلميذ وتلميذ أو بين هذا الأخير والجهاز الإداري أو بين التلميذ والمؤسسة فيسعى إلى تخريب تجهيزاتها كتحطيم النوافذ، وتكسير المصابيح ،الكراسي ، السبورات ، الطاولات وإفساد الحنفيات ... كما تتنوع أشكاله بحسب نوعية العنف فقد يكون العنف جسديا وهو المتجسد في استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد بهدف إيذاء الآخر وإلحاق أضرار جسمية به مما يؤدي إلى الآلام والأوجاع ومعاناة جراء تلك الأضرار.وقد يكون نفسيا من خلال احتقار فرد وإهانته، تخويفه، تهديده، عزله، استغلاله.... أو القيام بسلوكيات شاذة غير واضحة، أو معاملة الآخر كمتهم أو عدو، إضافة إلى العنف الإيديولوجي كإقصاء من يخالف الرأي و محاولة فرض الآراء عليه بقوة واعتبار آراء الآخرين دائما ناقصة وغير مكتملة النضوج. وغير ذلك من السلوكات التي قد تترك تأثيرا سلبيا على نفسية الفرد ... وقد يتخذ العنف طابعا تواصليا من خلال غياب الحوار إما بسبب ضيق الوقت أو طول المقررات الدراسية مما يمنع الحلقة الضعيفة من التعبير عن آرائها ومواقفها ، و يجعلها تشعر بعنف يمارس عليها وقد يتخذ العنف شكل التحرش الجنسي و التغرير بالضحية ومحاولة خدش حيائها وذلك بإبراز مفاتن الجسد أو ملامسة وملاطفة المعتدى عليه أو عرض صور مخلة بالحياء أمامه لاستدراجه أو قياس رد فعله قبل الأقدام على التحرش المباشر ، وقد يتم تجاوز التحرش إلى الاغتصاب والاعتداء الجنسي وهذه بعض صور العنف التي كانت تمارس داخل مدارسنا. وغالبا ما كانت الضحية في كل تلك الصور هي التلميذ ذكرا كان أو أنثى باعتباره الحلقة الأضعف في السلسة التعليمية ، وحتى أن كانت بعض تلك الأنواع لا زالت تمارس إلى اليوم في التعليم الإبتدائي فإن الصورة انقلبت 180 درجة في التعليم الإعدادي والثانوي ضد المدرس الذي غدا هو الضحية الأولى ، وتتنوع أشكال العنف المدرسي تجاه المدرس إذ أمسى محط سخرية من التلاميذ يمارسونه عبر النبز بالألقاب جاعلين لكل أستاذا لقبا لدرجة أن عددا من التلاميذ الجدد يعتقدون أن اللقب الذي يسمعونه من أصدقائهم القدامى هو أسم أو نسب الأستاذ ،أومن خلال عدم احترام الأستاذ فتجد بعض الأساتذة قد أصبحوا هدفا للتلاميذ ، فما أن يلتفت الأستاذ للسبورة حتى يصيبه تلميذ ما بقطعة طباشير،أو حبة لفاكهة جافة أو طازجة أو بيضة أو ما شابه ، وربما تجاوز العنف ذلك إلى التهديد والتخويف وأحيانا إلى الانتقام من ممتلكات الأستاذ ككشط سيارته أو إفراغ عجلاتها من الهواء ،أو سرقة بعض أغراضه من محفظته خلال أوقات الاستراحة، وقد يصبح العنف ضربا وملاكمة و ملاسنة وغالبا ما تكثر هذه الحالات أيام الامتحانات ، بعدما يحاول المدرس منع التلميذ من الغش الذي أصبح حقا مكتسبا لدى معظم التلاميذ ، و هذا لا يعني أن تعنيف المدرسين مقتصر على أيام الامتحانات والفروض بل تكاد تطالعنا الأخبار يوميا عن حالات اعتداء يتعرض لها من كانوا إلى عهد قريب يمثلون القدوة ، ويشبهون بالرسل ( كاد المعلم أن يكون رسولا ) وفي غياب دراسات علمية تبقى الملاحظات العينية تربط هذه الظاهرة بنفسية المراهق وما يعيشه من اضطرابات سيكولوجية أثناء البحث عن إثبات الذات ،وبظروفه وتنشئته الاجتماعية ،وبالدور الخطير الذي تلعبه وسائل الإعلام وما تعرضه من برامج تعرض العنف وتكرسه،والتأثير المابشر للعب الإليكترونية وما تسببه من توثر وانفعال جراء قيام معظمها على القتل واعتبار الفائز باللعبة من يقتل أو يدمر أكثر ، ناهيك عن ضعف تكوين بعض الأساتذة وعدم قدرتهم على التواصل مع الجيل الجديد وغياب بيداغوجيا القدوة بعدما لم يعد المدرس هو مالك المعرفة الوحيد ، وما ينضاف إلى ذلك ثقل المقررات الدراسية وبعدها عن الواقع بتركيزها على الكم والنظري في غياب شبه تام لأنشطة الموازية التي تؤطر التلاميذ وتحتويهم وتمتص ما لديه من طاقات وشحنات يمكن تفجيرها في الإبداع ، وإذا أضيف إلى هذه العوامل ضعف التحصيل وتورط المراهقين في المخدرات والدعارة والاستغلال الجنسي فلن ننتظر من هذه الشريحة الحساسة إلا مزيدا من العنف والتورط في الإرهاب إن تواتر حالات العنف ضد رجال التعليم اليوم يستوجب البحث عن أسباب الظاهرة ، وتجنب إعطاء دروس الوعظ الجوفاء ، والتخلي عن المقاربة الأمنية والزجرية ،بعدما تغيرت قيم كثيرة في المجتمع ، وتعدد ت فيه مصادر المعرفة ولم يعد الأستاذ كما كان مصدرها الوحيد ، فكانت سلطته المعرفية تكسبه وقارا ومهابة ، والأكيد أن الظاهرة ستتضاعف في السنوات القليلة إذا ما تم حذف احتساب نتائج المراقبة المستمرة في التعليم الثانوي التأهيلي ، لأن حذفها سيجرد الأستاذ من أية سلطة على التلميذ ، ويدفع بالتلميذ إلى التمرد على الأستاذ أكثر ، و لن يعير الأستاذ أي اهتمام ، خاصة إذا كان هذا الأستاذ يجد بعض الصعوبة في التواصل مع التلاميذ ، أو يميز بينهم ، وربما يساعد التخلي عن احتساب نقط المراقبة المستمرة في نتائج الامتحانات على تغيير النظرة إلى ساعات الدعم المؤدى عنها، لكن قد يساهم في تفاقم ظاهرة العنف المدرسي ... يستنتج من خلال الواقع أن العنف المدرسي في المغرب قد غير وجهته سواء من حيث نوعية العنف إذ أضيف أنواع جديدة من العنف تجاوزت الأشكال التقليدية المعهودة بتفشي ما يمكن تسميته بالعنف الإليكتروني المتمثل في تصوير الأساتذة والتشهير بهم في العوالم الافتراضية فيكفي أن يتوفر التلميذ على هاتف محمول به كاميرا ليورط الأستاذ في وضعيات أو ردود أفعال قد يشتغلها التلميذ ضد أستاذه، أو من حيث المتضرر من العنف فبعدما كانت الضحية هي التلميذ أصبحت اليوم هي المدرس والأستاذ والإداري بعدما كسر التلاميذ حاجز الصمت والخوف واكتسبوا شجاعة لم تكن عند أمثالهم في الماضي ، فقديما كان التلميذ يضرب ويهان ويشتم ولا يحرك ساكنا ، واليوم أصبح التلميذ لا يقبل النصيحة، وبعدما ربته الأسرة الحديثة على عدم تقبل الإهانة والضرب ، فإذا كان الأب في العهد القريب يقدم ابنه للأستاذ وينصحه بتبني كل الوسائل في تربية ابنه وكثير من التلاميذ أصيب بعاهات دائمة جراء ضرب مدرس وقلما اشتكى أب أو أم من قسوة المدرس على ابنهما ، أما اليوم فيكفي أن توجه مدرسة اللوم لتلميذ حتى تهاجمها الأسرة وتهددها وقد تعنفها ، وكثير من رجال التعليم في المغرب هوجموا في أقسامهم أو خارجها لأنهم أنبوا تلميذا لعدم قيامهم بواجباته المنزلية ... الأكيد أن قيما وقناعات كثيرة تغيرت في مجتمعنا، والأكيد أيضا لو كانت بالمغرب إمكانية التوفر على السلاح لكان عدد الضحايا بمدارسنا يضاعف ما يحدث من حين لآخر بالولايات المتحدةالأمريكية ا