من الظواهر المدرسية المخيفة التي بدأت تنتقل عدواها إلى المدرسة المغربية العنف المدرسي والتي أصبحت تتطور ليس فقط في حجم أعمال العنف وإنما في الأساليب التي يستخدمها التلاميذ في تنفيذ سلوكهم التي لم يسلم منها حتى المدرسون وإدارة المؤسسات. هذه ظاهرة مرتبطة في نظر العديد من الباحثين بعدة عوامل ذات صلة بالظروف الاجتماعية، النفسية، والتربوية. و حسب الدراسات والبحوث يتبين أن التلميذ في بيئته خارج المدرسة يتأثر بثلاث مركبات وهي العائلة، المجتمع والإعلام وبالتالي يكون العنف المدرسي هو نتاج للثقافة المجتمعية العنيفة. وما هو العنف بالتحديد؟ وما هي أنواعه؟ وكيف نحارب الظاهرة؟ وأي مقاربة تتخذها الوزار الوصية على القطاع؟، وهل تتحمل لوحدها وزر انحراف ليست طرفا وحيدا فيه؟.. هذه الأسئلة وغيرها موضوع حوارنا مع الأستاذ الاسماعيلي محمادين مدير مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات بوزارة التربية الوطنية. ما هي أشكال وأنواع العنف المدرسي؟ يمكن تصنيف العنف المدرسي إلى مجموعة من الأشكال تختلف خطورتها حسب طبيعتها ومصدرها حيث نجد: 1 . العنف الجسدي: وهو استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد اتجاه الآخرين من اجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية لهم، وذلك كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى الآلام وأوجاع ومعاناة نفسية جراء تلك الأضرار، ويعرض صحة الطفل للأخطار. .2 العنف النفسي: و يتم من خلال عمل أو الامتناع عن القيام بعمل وهذا وفق مقاييس مجتمعيه ومعرفة علمية للضرر النفسي، وقد تحدث تلك الأفعال على يد شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة والسيطرة لجعل طرف متضرر مما يؤثر على وظائفه السلوكية، الوجدانية، الذهنية، والجسدية، مثل-: رفض وعدم قبول للفرد، إهانة، تخويف، تهديد، عزلة، استغلال، برود عاطفي، صراخ، سلوكيات تلاعبيه وغير واضحة، تذنيب الطفل كمتهم، لامبالاة وعدم الاكتراث بالطفل، كما أن فرض الآراء على الآخرين بالقوة هو أيضا نوع من أنواع العنف النفسي. 3 . الإهمال: عدم تلبية رغبات طفل الأساسية لفترة مستمرة من الزمن، ويصنف الإهمال إلى فئتين: إهمال مقصود، أو إهمال غير مقصود 4 الاستغلال الجنسي: وهو اتصال جنسي بين طفل وبالغ من أجل إرضاء رغبات جنسية عند الأخير مستخدماً القوة، أو عدم نضج الطفل وقلة وعيه لطبيعة العلاقة الجنسية، ويقصد بالاستغلال الجنسي كشف الأعضاء التناسلية،إزالة الملابس والثياب عن الطفل، ملامسة أو ملاطفة جنسية، التلصص على طفل، تعريضه لصور جنسية، أو أفلام، أعمال مشينة، غير أخلاقية كإجباره على التلفظ بألفاظ جنسية، اغتصاب. 5 العنف داخل المدرسة، وهو العنف بين الطلاب أنفسهم،أو العنف بين المعلمين أنفسهم وأحيانا العنف بين المعلمين والطلاب. 6 التخريب المتعمد للممتلكات: وأطلق عليه اسم العنف الفردي، حيث ينبع ذلك من فشل الطالب وصعوبة مواجهة أنظمة المدرسة والتأقلم معها ولكن لا يوجد لها اثر كبير على نظام الإدارة في المدرسة. هل يمكن الحديث عن عنف مدرسي من خارج المؤسسة؟ نعم هناك عنف من خارج المدرسة وهو يكون أشد خطورة إذ يمكنه أن يستهدف التلميذ والأستاذ معا، ومن أشكاله أ- بلطجة: هو العنف القائم من خارج المدرسة إلى داخلها على أيدي مجموعة من البالغين ليسوا طلاباً ولا أهالي، حيث يأتون في ساعات الدوام أو في ساعات ما بعد الظهر من اجل الإزعاج أو التخريب وأحياناً يسيطرون على سير الدروس. ب عنف من قبل الأهالي: عنف أما بشكل فردي أو بشكل جماعي (مجموعة من الأهالي)، ويحدث ذلك عند مجيء الآباء دفاعاً عن أبناءهم فيقومون بالاعتداء على نظام المدرسة والإدارة والمعلمين مستخدمين أشكال العنف المختلفة . إلى أي حد يمكن للعنف المدرسي أن يؤثر على المجال السلوكي والتعليمي والاجتماعي للتلميذ؟ لقد أثبتت العديد من الأبحاث بأن هناك أثارا سلبية لعملية الاعتداءات على الأطفال على أداءهم الاجتماعي والسلوكي والانفعالي، وأنهم في غالب الأحيان يكونوا مشتتين من الناحية الانفعالية، قلقين، كثيراً منهم يبدو عليهم مميزات الرغبة في أن يفهمهم من يحيط بهم وكأنهم غير مفهومين، يجرحون بسهولة، قليلي الثقة بأنفسهم وأحياناً بشكل حاد ،و مواقفهم النفسية والانفعالية تكون غير مستقرة. من الملاحظ أن حدة العنف المدرسي ارتفعت وأصبحت بادية للعيان فقد أصبحت الأوضاع الأمنية داخل المؤسسات التعليمية ومحيطها تدعو إلى القلق، ما هي أهم الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الوزارة للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت دائرتها في ارتفاع خطير ؟ فعلا لقد قامت الوزارة باتخاذ عدة تدابير وإجراءات للحد من تنامي هذه الظاهرة الخطيرة والتي يمكن تحديدها على مستويات منها ما هو تشريعي وتنظيمي حيث عملت الوزارة على إصدار مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية التي لها ارتباط بظاهرة العنف وبأسبابها، أو بأدوار الأطر التربوية والإدارية ومجالس المؤسسة في علاقة بها، ومجموعة من المذكرات المرتبطة مباشرة بظاهرة العنف، وأخرى بقضايا ذات صلة غير مباشرة بالعنف كظاهرة الغش في الامتحانات وظاهرة الاكتظاظ، وتربويا قامت الوزارة بإدراج مادة التربية على المواطنة في التعليم الابتدائي والإعدادي، وإدراج قيم التسامح ونبذ العنف، والتضامن، وحقوق الإنسان، والمحافظة على البيئة... ضمن المقررات الدراسية لبعض المواد (التربية الإسلامية، الاجتماعيات، اللغات) بالثانوي التأهيلي. أما على مستوى الآليات والبنيات فقد تم إحداث الأندية التربوية ومراكز الاستماع بالمؤسسات التعليمية، ونظرا لتفشي ظاهرة العنف بمحيط المؤسسات التعليمية مع بروز بعض الأنشطة التجارية غير المقننة (بيع السجائر بالتقسيط، بيع المأكولات الخفيفة دون مراقبة طبية...)، فضلا عن التحرش الجنسي، يمكن لوزارة الداخلية أن تتدخل من خلال تعزيز الأمن من أجل حماية المحيط المباشر للمؤسسة التعليمية ضد كل المخاطر الخارجية، خاصة عمليات السطو وإتلاف الوثائق والتجهيزات والاعتداء على تلاميذ وأطر وموظفي هذه المؤسسات..وكذا ضرورة إيلاء المزيد من العناية والاهتمام بشكايات وتظلمات نساء ورجال التعليم وتعزيز مشاركة الجماعات المحلية في النهوض بالنقل المدرسي؛ثم إتاحة إمكانية الاستفادة من الملاعب المتوفرة لدى بعض الجماعات المحلية.. ومع جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، فلابد من المشاركة الفعلية لآباء وأولياء التلاميذ في الحد من ظاهرة العنف المدرسي من خلال تكثيف مراقبتهم لأبنائهم وضبط تصرفاتهم وسلوكهم. هل سبق لكم أن قمتم بدراسات وبحوث ميدانية حول الظاهرة؟ هناك دراسة حول العنف ضد الأطفال بمؤسسات التعليم الابتدائي،أنجزت بتعاون مع منظمة اليونسيف، عرضت نتائجها على المصالح المركزية والجهوية للوزارة، وعلى النقابات التعليمية؛ وقد بينت الدراسة التي أنجزت بدعم من منظمة اليونسيف أن 87 % من التلاميذ تعرضوا للضرب في المدرسة، ويؤكد 73 % من الأساتذة اعتمادهم الضرب كوسيلة لضبط التلاميذ داخل الفصل، و61 % من الأطفال يتعرضون للضرب من طرف آبائهم، وقد تم في الأسابيع الماضية بلورة إستراتيجية مندمجة شاركت فيها مختلف القطاعات للحد من هذه المعضلة. لكن ألا ترون أن المقاربة القانونية والأمنية لا يمكنها وحدها أن تحد من تنامي هذه الظاهرة التي تمس القيم الإنسانية والأخلاقية والتربوية لمؤسساتنا التربوية؟ نعم، المدرسة أولا وقبل كل شيء مجال للتربية ورافعة لنشر قيم اللاعنف والتسامح والسلم والتعاون، مما يفرض عليها أن تضع مجموعة من الآليات والمقاربات المساعدة على مواجهة العنف المدرسي، من أهمها تهيئة فضاء المؤسسة التعليمية من خلال ،تهييء فضاء ملائم وجميل ومجسد لعالم الطفل والمراهق، ومتوفر على الوسائل المساعدة على تفريغ الطاقة الإبداعية للتلاميذ؛واعتماد المقاربة التشاركية في الحفاظ على المجال المدرسي والانخراط في إعداد شروط الحياة المدرسية وفق ما يلي: * على مستوى الفصل الدراسي: اعتماد المقاربة الحقوقية في الفصل وليس مقاربة الحاجة؛ العمل على إلغاء مظاهر التراتبية بين التلاميذ، شكلا ومضمونا، من خلال خلق فضاء مساعد على تمثل قيم التعاون والاحترام: جلوس البعض أمام البعض والالتزام بالسلوكات المدنية؛ وضع قانون داخلي للفصل يشكل ميثاق شرف يلتزم به التلاميذ طيلة السنة الدراسية؛ الابتعاد عن النظام العقابي الزجري، وتعويضه بالنظام التحفيزي، في حالة ارتكاب خطأ ما، وتغيير مفهوم السلطة من السلطة علىح إلى السلطة معح. * على مستوى الآليات التنظيمية: خلق خلية يقظة لتتبع ورصد الظاهرة، وتوفير قاعدة معطيات لإعداد تقرير دوري حول درجة تصاعد الظاهرة؛ تنظيم أنشطة وتظاهرات للتحسيس بحدة الظاهرة؛ إدماج وحدة خالعنف المدرسيح في اللقاءات التربوية للمدرسين، وإثارة النقاش حولها أثناء زيارات الإشراف. * على مستوى البرامج والمناهج: تعزيز إدماج قيم حقوق الإنسان والمواطنة وخاصة ما له علاقة بالتسامح والحوار وقبوا الاختلاف في البرامج المدرسية، وتنقيتها من الصور التمييزية المولدة للعنف، وإدماجها في تكوين الأطر التربوية؛ * على مستوى التوعية وكسب التأييد: تنظيم حملات تحسيسية واسعة النطاق لتغيير النظرة الاجتماعية لعدم قبول العقاب الجسدي كوسيلة تربوية تأديبية تطال الطفل، والأسرة، والمدرسة، والمجتمع، من خلال استعمال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. ما هي أهم الرهانات التي تعمل الوزارة على تحقيقها من أجل الحد من انتشار هذه الظاهرة؟ ستعمل الوزارة على وضع إستراتيجية شاملة لمواجهة هذه الآفة الخطيرة من أهم عناصرها، وضع قاعدة للمعطيات تدون بصفة دورية ومباشرة من المؤسسات التعليمية حالات العنف وإحداث بنية على الصعيد المركزي والجهوي والإقليمي تتكلف برصد الظاهرة ثم تعيين منسق على الصعيد المركزي لتدبير ملف العنف بالوسط المدرسي ؛وإنجاز بحث ميداني وطني وشامل حول الظاهرة، ثم تنظيم استشارات موسعة مع جميع الأطراف المعنية كوزارتي الداخلية والعدل والمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي ثم المرصد الوطني لحقوق الطفل. وعليه فإن أي تدخل في إطار المدرسة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار جميع الأطراف (التلميذ والمعلم-المدرسة والفصل-المحيط الخارجي للمدرسة)وبناء برنامج تدخل شمولي يكون لكل طرف من هذه الأطراف مشاركة فعالة في التعرف على الصعوبات ومسحها، التخطيط لبرامج التدخل الملائمة للإطار والمشاركة الفعالة في عملية التنفيذ.