أثناء شرحي للدرس ،يحكي أحد الأساتذة،وبعد مرور نصف ساعة طلب مني التلميذ(س) تغيير مكانه،ولما رفضت الإستجابة لطلبه ألقى بكتبه داخل القسم،ثم شرع يتلفظ بكلمات نابية تتنافى مع الأخلاق و الآداب"أنت دائما حاط علية، و تحط من شأني...".تم توقيف (س)،يضيف الأستاذ،لمدة أسبوع عن الدراسة،مع تقديم اعتذار كتابي للأستاذ والتلاميذ و توقيع إلتزام. أثناء قيامه بمهم الحراسة في الامتحان،أثار انتباه الأستاذ(ع.ب) لجوء أحد التلاميذ لعملية الغش في مادة الإنجليزية باستخدام هاتفه المحمول،فتدخل في محاولة لردع التلميذ المعني،وعند خروج الأستاذ من الثانوية أوقفه التلميذ المتورط في عملية الغش،و اعتدى عليه بواسطة السلاح الأبيض.تم نقل الأستاذ إلى قسم المستعجلات لتلقي الإسعافات الأولية، وسلمت له شهادة طبية تثبت عجزه في 30يوما قابلة للتمديد. هذا غيض من فيض،مما تعرفه مؤسساتنا التعليمية من حالات عنف باتت تقض مضجع العاملين بها من أساتذة وإداريين.فما الذي جعل المؤسسة التعليمية تفقد قدسيتها ،لتصبح مسرحا لكثير من أعمال العنف والشغب،بعد أن كانت حتى وقت قريب أشبه بمحراب للتعبد؟ في هذا التحقيق تقترب"لاماليف" من ظاهرة العنف المدرسي،وتضعها تحت الضوء وترصد تداعياتها ،وتسأل عن أسبابها ومظاهرها وسبل الحد منها. يتخذ العنف المدرسي أشكالا ومظاهر متعددة،«تختلف أشكال العنف حسب شخصية ممارسه،و حسب شدة المثير» يقول الأستاذ حسن لغليمي ، الحارس العام بالثانوي الإعدادي و يضيف «التلميذ عندما يصمت و لم يدخل معك في حوار يمارس العنف،هدا شخصية متحكم و ضابط لنفسه .وهناك العنف اللفظي –ليس بالضرورة أن تكون الألفاظ لا أخلاقية-ولكن تكون ألفاظا من قبيل"ما شغليش "،"ما فراسيش"0000،فهو يتلفظ بألفاظ فيها شئ من الحياء ولا تجرح الطرف الأخر.و هناك من يتجاوز هده الألفاظ إلى سب الأستاذ بألفاظ قبيحة». وقد يتخذ العنف داخل الوسط المدرسي طابعا خفيا ومقنعا : كتخريب وإتلاف التجهيزات وتحطيم الزجاج ، وإقتلاع شجيرات الزينة ، وتكسير الطاولات والسبورات والمصابيح والمآخذ الكهربائية . ويفسر الدكتور مصطفى حجازي في كتابه " التخلف الإجتماعي : مدخل إلى سيكولوجية الإنسان " المقهور "" سبب نزوع التلاميذ إلى هذا الشكل من العنف بالقول « إنهم في عملهم هذا يهاجمون رموز المتسلط ، لإحساسهم بأن ما هو عام ليس ملكهم » . ومن السلوكات العدوانية التي تنتشر داخل المؤسسات التعليمية ، وتتخذ شكل التعبير المقنع : الغمز والتندر والنكتة اللاذعة أو الساخرة ، والتشنيعات على إختلافها . « لهذه الأساليب ، يقول د. حجازي في كتابه المذكور آنفا ، وظيفة تفريجية واضحة ، فهي تصرف الحقد والعدوانية المتراكمة وتمنع إنفجارها نحو الخارج ، وهي تخفف من إمكانية توجهها نحو الداخل على شكل إدانة للذات على فشلها ». وقد يتخذ العنف المدرسي مظهرا آخر كالكتابة على المقاعد والجدران والمراحيض . وقد يكون عنفا صريحا كالإعتداء المادي بالضرب والجرح بالأيدي أو بالسلاح الأبيض على أحد العاملين بالمؤسسة التعليمية . العنف المدرسي دخيل على المدرسة يعتبر العنف المدرسي مشكلة حقيقية باتت تعاني منها كل المؤسسات التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية على حد سواء. والعنف داخل المجال المدرسي ، حسب ما أكده كل اللذين تحدثت إليهم " لاما ليف" " ،" ظاهرة ذكورية بإمتياز" ، وتتراوح أعمار التلاميذ اللذين يلجأون إلى أحداث عنف مابين 13 و16 سنة ، وغالبا ما تكون لهم ملفات بالإدارة ويمارسون العنف حتى خارج المؤسسة ." أما بالنسبة للأسباب فلا يمكن اختزالها في سبب واحد ، وإنما هناك نمادج مركبة ترتبط إما بالوسط العائلي أو الشروط الاجتماعية والاقتصادية ، ويمكن إضافة المناهج التربوية داخل المؤسسات التعليمية نفسها . وفي هذا الصدد يؤكد الأستاذ الحسن لغليمي أن العنف هو دخيل على المؤسسات التعليمية ، وهو سلوك " مستورد " من خارجها وطارئ عليها .«المؤسسة التعليمية ، يقول لغليمي ، وظيفتها التربية ، وهاته الأخيرة وسيلة لخلق المواطن الصالح . أو يمكن القول بأن التربية وسيلة للضبط الاجتماعي أي ضبط المجتمع المتواجد في المدرسة في الاتجاه الصحيح على أن تخلق منه المواطن الفاعل بشكل ايجابي في المجتمع ». «إذن فالمؤسسة ، يضيف ، التي تمارس هذه الوظيفة لا يمكن أن تنتج نقيضها وتساهم في ظاهرة العنف المدرسي ، المدرسة أصبحت ملجأ لتصريف الظواهر التي يفرزها المجتمع ، نظرا للعوامل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية . فالعنف الممارس يأتي التلميذ أو المتعلم حاملا له من الخارج لأنه سلوك ليس من نتاج المدرسة ، بل هو سلوك ينتمي إلى مؤسسات خارج محيط المؤسسة التعليمية » . ويرى الأستاذ لغليمي أن المتعلم لم تعد تتحكم فيه السلطة المعرفية للأب والسلطة العاطفية للأم بل مؤسسات إجتماعية أخرى فارضة لوجودها وسلطتها : كنوادي الانترنيت – التي تستغل فيما هو سلبي أكثر مما هو ايجابي – ونوادي الكولفزير والفلبير ... هذه كلها ، يخلص ، تساهم في إنتشار العنف والعنف المدرسي بشكل خاص . وبالمقابل ألا يمكن للمؤسسة التعليمية أن تساهم بدورها في إبراز أحداث عنف بين مكوناتها من أساتذة وإداريين وتلاميذ ؟ العنف المدرسي عنوان لفشل المشروع التربوي « العدوان هو الوجه الآخر لفشل المشروع التربوي » يقول الدكتور أحمد أوزي في كتابه " المراهق والعلاقات المدرسية " ، مرجعا ظاهرة العنف المدرسي لأسباب موضوعية ترتبط بعدة عوامل منها : الامتحانات المدرسية ، وطبيعة التقييم الدراسي ، وعمل الأستاذ داخل الفصل الدراسي الذي يخضع بدوره لتقييم التلاميذ . « ظاهرة العنف المدرسي ، يشرح د .أوزي ، ليست سوى تعبيرا عن إنفجار وضع تربوي غير سليم ، وضع يفتقر إلى أسس موضوعية تلبي حاجات المتعلم . فالمقررات الدراسية وأساليب التدريس وغياب قنوات الاتصال بين المدرسة ومنافذ الشغل كلها عوامل خلقت وضعا مزمنا في المؤسسة التعليمية ». الخلاصة ذاتها توصل إليها الدكتور محمد عباس نور الدين في كتابه " قضايا الشباب في المجتمع المعاصر " ، إذ يعتبر حالات العنف في صفوف التلاميذ والطلبة ليست سوى مظهرا لفشل المؤسسة التعليمية في القيام بدورها ، وفشل التلاميذ والطلبة في التكيف مع برامجها وأنشطتها وأساليبها التي لا تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المتعلقة بشخصية التلاميذ والطلبة وقدراتهم وطموحاتهم ورغباتهم ... وطبيعة الفرص المتاحة أمامهم عند خروجهم إلى ميدان العمل . كما أن العلاقات المدرسية ، في نظر د أوزي ، تفتقر إلى علاقات تربوية إنسانية تسمو بها من العلاقات المعرفية إلى العلاقات الإنسانية أو النوعية . وهو الأمر الذي يوضحه الأستاذ صافي الدين البدالي المفتش التربوي بالقول «إن التمييز بين المتعلمين وممارسة الإقصاء داخل المؤسسة أو الفصل يؤدي إلى ردود أفعال متفاوتة من تلميذ إلى آخر ،وذلك حسب الوقع النفسي على التلميذ ، ومن تم يبدأ عنف التلاميذ على الأستاذ أو الإدارة أو البنية التحتية للمؤسسات أو على بعضهم البعض ». وبهذا الخصوص فقد توصل الأستاذ عبد العزيز قريش ، المفتش التربوي ، في دراسة قام بها حول العلاقات الإجتماعية في المؤسسة التربوية ، إلى أن المؤسسة التعليمية « متوترة في ذاتها ، مما تعد معه منبتا خصبا للعنف » . لكن ، كيف يمكن للتربية المدرسية وطبيعة البرامج والمناهج المعمول بها داخل المدرسة أن تساهم في انتشار العنف المدرسي ؟ إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي ، حسب المفتش التربوي البدالي صافي الدين ، الرجوع إلى العلاقات التربوية والبيداغوجية بالمؤسسة التعليمية . « فكلما تم تغييب ،- يقول ذ. صافي الدين ، العلاقات التربوية حل مكانها العنف من طرف الأستاذ أو التلميذ . فالعنف الذي يمارسه الأستاذ يضرب عمق العلاقات التربوية التي تهدف إلى اكتساب مقومات أخلاقية وإنسانية واجتماعية ويخلق ، يضيف ، آثارا لدى التلميذ قد تتطور إلى رد فعل ضد المؤسسة وإدارتها . وهذا ما يحدث حاليا بالمدرسة التعليمية ، وذلك لأن القواعد التربوية قد تم تغييبها وتعويضها بالتحكم والجزر » . ومن جهة أخرى، يؤكد ذ صافي الدين أن التدبير الخاطئ للعلاقات البيداغوجية من طرف المدرس يتسبب في العنف داخل المؤسسة « لأنه في هذه الحالة، يشرح ، يعتبر الأستاذ نفسه هو المالك للمعرفة وعلى المتعلم التلقي والطاعة والخنوع . ومن هنا ينطلق تمرد المتعلم على الأستاذ وممارسة الأستاذ للعنف للتحكم في المتعلم » . أما بخصوص التقييم المدرسي وطبيعة البرامج وعلاقتهما بالعنف المدرسي فيقول ذات المصدر «إن تغييب التقويم الهادف والشفاف داخل المؤسسة يؤدي إلى العنف خاصة من طرف التلاميذ ذلك لأنهم يلاحظون الحيف والإقصاء والمحسوبية . فمادام التقويم يتم بالأساليب التقليدية سيضل العنف يتوالد بالمؤسسات التعليمية 0 ومادامت المناهج لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية وحاجيات المتعلم والمجتمع معا بناءا على إستراتيجية واضحة ، سيظل العنف يسود بالمؤسسات التعليمي » . فيما أرجع كل التلاميذ الذين إلتقتهم " لاماليف " سبب العنف المدرسي إلى عدم التواصل وسوء معاملة الأستاذ للتلاميذ . إذ يعمد بعض الأساتذة ،حسبهم ، إلى أساليب غير تربوية كالسب والتحقير، وكذا الاصطدام بين تلميذ مراهق يريد إثبات ذاته وفرض وجوده وأستاذ غير متفهم . نواب برلمانيون يسائلون وزير التربية الوطنية حول : إرتفاع وتيرة العنف في المجال المدرسي صدى العنف المدرسي لم يبق حبيس جدران المؤسسات التعليمية ، بل وصل إلى قبة البرلمان ، ففي أبريل من سنة 2005 تقدم نواب برلمانيون بسؤال إلى و وزير التربية الوطنية حول إرتفاع وتيرة العنف داخل المؤسسات التعليمية ، وعن الإجراءات التي قامت بها الوزارة الوصية عن القطاع قصد حماية أطرها و أساتذتها وتوفير جو ملائم . « لقد جرم القانون الجنائي أعمال التخريب والإتلاف التي تتعرض لها المنشآت العمومية ومن ضمنها المؤسسات التعليمية . ويتعرض مرتكبو هذه الأعمال إلى عقوبات مختلفة منصوص عليها في القانون الجنائي » يقول السيد وزير التربية الوطنية في معرض جوابه على سؤال السادة النواب ويضيف «ولقد منح الفصل 19 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية حق حمايته من طرف الإدارة من التهديدات والتهجمات والإهانات والتشنيعات والسباب الذي قد يستهدفه أثناء مزاولته عمله . كما أن القانون الجنائي من خلال مجموعة من فصوله يعاقب على إهانة الموظف والاعتداء عليه ». أما في حالة ، يقول ذات المصدر ، تعرض أحد العاملين بالمؤسسة التعليمية لإعتداء من طرف تلميذ ، فإن هذا الأخير يمكن عرضه على المجلس التأديبي للمؤسسة لإتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة في شأنه . لكن ، الأستاذ لغليمي يرى ع أن قرارات هذا المجلس ( ويتحفظ على تسمية المجلس التأديبي ويفضل بدله المجلس الانضباطي ) يغلب عليه نوع من " العطف" من قبل الأساتذة على العنصر المعروض على المجلس على اعتبار أن المؤسسة ليست هي المسؤولة عن فرز العنف المدرسي . وتتراوح قرارات هذا المجلس بين إمضاء إلتزام أو التوقيف عن الدراسة لمدة معينة أو تغيير المؤسسة وفي الحالات القصوى الطرد النهائي من الدراسة . وفي محاولة للحد أو التخفيف من ظاهرة العنف المدرسي ، تم إنشاء مراكز إستماع للتلاميذ بهدف إفراغ طاقاتهم السلبية وشحنها بأخرى ايجابية من أجل ضمان إعادة إندماجهم السليم في محيطهم المدرسي والأسري والمجتمعي «لكن الذي جرى ، يقول ذ. حسن لغليمي ، أن هذه المراكز تحولت إلى مكتب للشكايات والمنازعات ، إذ أصبح التلميذ يتقدم بشكاية ضد الأستاذ ، في حين أن وظيفتها هي ردم الهوة بين المتعلم و الأطر العاملة بالمؤسسة التعليمية ». ويشدد على ضرورة تخصيص مبالغ مالية للقضاء على الظاهرة ، على إعتبار أن التلاميذ ممارسي العنف ينحدرون من الطبقات الاجتماعية الدنيا المهشمة« لذا يكون الرفع من الدخل الفردي ضروريا » يقول ذات المصدر . كما دعا إلى تظافر كل الجهود ، وإلى تفعيل دور جمعية الآباء من خلال تسطيرها برامج تساعد المؤسسة التعليمية ( استدعاء الآباء وتواصل دائم معهم ، أنشطة ثقافية تربوية ) . « بإعتماد المقاربة التشاركية على مستوى والمؤسسة ، وذلك بإشراك التلاميذ في بناء المعارف وإتخاذ القرارات » يقول ذ صافي الدين ردا على سؤال كيف يمكن الحد من الظاهرة يضيف « وبتمكين الأساتذة من وسائل ووسائط تربوية وديداكتيكية ، لتسهيل كل الصعاب التعليمية التي تعترض التلميذ » . سواء أكانت المدرسة هي من أنتجت العنف المدرسي أو كان دخيلا عليها، أو ساهمت فيه أسباب وعوامل أخرى . فإن الأمر التابث هو أن المدرسة تستغيث ، مما يستدعي إعادة النظر في البرامج والمناهج ورد الاعتبار للمدرسة العمومية . فهل من منقذ ؟