المسلمون ليسوا ملائكة يمشون على الأرض،إنهم بشر –كسائر البشر- يصيبون ويخطئون ،غير أن قيمتهم الاعتبارية استمدت واكتسبت مشروعيتها من مرجعيتهم الدينية التي كلما التزموا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، علت مرتبتهم، وسمت مكانتهم ،وزادت رفعتهم، قال عمرين الخطاب-رضي الله عنه- في هذا المقام:"لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام،فإذا ابتغينا العزة في غير دين الله أذلنا الله" . ومحاولات الإساءة لهذا الدين، والنيل من رموزه العظام، ضاربة الجذور في عمق وتربة التاريخ، بدءا من افتراءات قريش على نبي الرحمة والهدى-صلوات ربي وسلامه عليه- باتهامه بالكذب، والسحر، والكهانة، والشاعرية،مرورا بالحروب الصليبية(حتى قال ضابط إفرنجي بعد الاستيلاء واغتصاب القدس على قبر المحرر العظيم:"ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين)،وصولا إلى مرحلتي الاستعمار المباشر والاستعمار غير المباشر وما الرسوم الكاريكاتورية عنا ببعيد... وليس فيلم براءة المسلمين إلا حلقة من مخطط منهجي تسعى من خلاله دوائر الاستكبار العالمي المتحكمة في الصناعة الإعلامية والانتاجات السينمائية نفث سمومها، وتصدير أحقادها، وتصريف خبثها المقصود،وما خفي كان أعظم. على أن الملاحظ أنه كلما تكالبت قوى الشر المعادية لروح وجمالية التدين وثقافة الاختلاف والتسامح الديني،وتزايدت الحملات المسعورة والمسمومة إزاء الإسلام والمسلمين،كلما اتسعت رقعة هذا الدين، ودخل الناس في محرابه أفواجا مهللين ومكبرين.قال تعالى:"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"وهذه سمة هذا الدين العظيم الشامل الخالد المهيمن على كل الديانات . ومعلوم أن اللقطات المفبركة الخاضعة لمقص الرقيب في هذا الفيلم-كما بثت على الشبكة العنكبوتية- لم تتجاوز أربعة عشر دقيقة- من أصل مائة وعشرين دقيقة المخصصة للفيلم/المهزلة-فيما تضاربت الأحبار بخصوص هوية وجنسية مخرجه ومنتجه(مصري قبطي/إسرائيلي...)،غير أن الثابت أن الفيلم لم ولن يكتب له النجاح في ظل الاعتذار العلني الذي تقدمت به الإدارة الأمريكية بعد موجة الاحتجاجات الشعبية العارمة والغاضبة للمسلمين في أغلب بقاع العالم،مما ينم عن خيرية هذه الأمة وصحوتها وغيرتها على دينها ونبيها محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم-المبعوث رحمة للعالمين،المنعوت بأسمى الصفات مصداقا لقول الله تعالى:"وانك لعلى خلق كريم".هذا الرسول الكريم الذي ضرب أروع الأمثلة في التسامح والحلم وكظم الغيظ حتى قال الإمام البصيري: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير الخلق كلهم لقد علمنا نبي الرحمة والهدى دروسا ذهبية في أخلاقيات التعامل مع أعدائه وخصومه- ستبقى منقوشة في سمع الزمان- ألم يقل يوم فتح مكة لأسرى قريش:"ما تظنون أني فاعل بكم؟"قالوا:أخ كريم وابن أخ كريم"فقال صلى الله عليه مسلم:اذهبوا فأنتم الطلقاء"؟الم يعرض الإسلام على الأعرابي الذي تجرأ على التبول في المسجد-بكل قدسيته وهيبته وصورته الحضارية- بعد أن فك قيده، وأمر بإطعامه دون استجابة في أول وهلة،وبعد أن أمر بإطلاق سراحه عاد الأعرابي أدراجه سائلا عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-معلنا إسلامه عن طواعية واقتناع؟حتى قال إمام الشعراء أحمد شوقي: وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا غضبت فإنما هي غضبة للحق لا ضغن ولا شحناء وإذا عفوت فقادرا ومقدرا لا يستهين بعفوك الجهلاء لا يعني هذا القول أننا معشر المسلمين نقبل الدنية في ديننا،بل إن كل من في قلبه ذرة إيمان واحدة لمستعد لفداء رسول الله بأعز ما يملك،غير أن الأمر يقتضي نوعا من الحكمة، والتؤدة ،والاحتكام إلى لغة العقل، ونبض الواقع حتى لا نسقط في الفعل وردة الفعل التي قد تكون عواقبها- لا قدر الله- وخيمة لا على الأفراد والجماعات فحسب،بل على الأمة كمنظومة كاملة متكاملة لا تقبل التجزيء،وإذا عرف السبب بطل العجب