الأعمال الأخيرة للفنان التشكيلي المغربي رشيد فاسح تسجل لمرة أخرى منعطفا كبيرا في المسار الفني والإبداعي لهذا التشكيلي الشاب الذي كرس بحثه الفني والتشكيلي في جيوب الموروث الثقافي الشعبي المغربي برمزيته التاريخية وتعبيريته التشكيلية في تقاطع مع ما وصلت إليه الأنماط التشكيلية الصباغية في الوقت الراهن من طلاقة وحرية وتلقائية وتجريد . إن المتأمل في مسيرة الفنان رشيد فاسح سوف لن يقف عند نوع من الأعمال المحدودة الزمان والمكان أو الإبداع والتعبير, لن تقف عند النمطية والارتجال أوالتكرار لإشكال تعبيرية مستهلكة من ذي قبل، بحيث لايقوى صاحبها على التحرر من خندقها بل قد تخيفه المجازفة من مغادرة نمطه التشكيلي المعهود لذا جمهوره والعارفين بالمجال التشكيلي، أو مايعرف في معجم الفن عامة بأزمة إبداع، والتي غرق فيها التشكيل المغربي لعهود طوال عند أسماء وطنية معروفة، يمكن القول إن الفنان رشيد هو فنان التحرر والمجازفة فنان التجريب والمغامرة أعماله متقاطعة ومختلفة، أعمال توحي بأنها إسكيسات تكاد كلها تكون تجارب وأبحاث لاتستقر على بر، انه معرض جماعي لفنان واحد وموضوع واحد، لاتجد للتكرار مكانا في فضاء اللوحة، الألوان هي بمثابة سفر طويل في أعماق هذا الإنسان المبدع، فالباليت لاتكاد تستسلم لعينة من الألوان في حد ذاتها انه فنان التغيير والتجريب بامتياز، فنان الزمن المتغير والفضاء المتغير والمشاعر و الأحاسيس المتقلبة، يطوع الأشكال والرموز والمفردات بشكل أسطوري تتقاطع فيها رمزية اللون مع الشكل مع الطلاقة مع الخطوط المتعانقة والمنسابة في كل الاتجاهات والفضاءات التي تؤثث اللوحة، خطوط سوداء سميكة ودقيقة في كل الاتجاهات وحتى إن مساراتها حرة تنطلق من أي مكان وتسبح في كل الاتجاهات أشبه بتعددنا الثقافي وسبلنا في الحياة المتقاطعة، أشبه بمساراتنا المتداخلة،الفنان رشيد فاسح يحاكي ذواتنا التاريخية الغابرة، يححل ثقافتنا المتناسية في رفوف لوحاته وأعماله المتسلسلة، إنها تقاطعات الماضي بالحاضر والمستقبل، يسافر بنا إلى الماضي البعيد ويوقفنا في لحظات خاطفة في الوقت الراهن ويحمل أبصارنا إلى شرفات المستقبل بتلقائيته طلاقته وحريته المترفة، الأعمال عبارة عن سرد قصصي وحكايات بلا أبواب ولا كلمات لما يختزنه التراث المغربي من غنا مادي ضارب في القدم جذور متلاشية بين أنماط حرفية يدوية تعبيرية بسيطة متلاقحة تجاوز بين الفن المغربي والروافد التي شرب منها ليشكل عبقا تعبيريا غني في حمولته الإستيتيقية، فإلى هذه البساطة والجمال يدعونا هذا الفنان،إلى هذا المد الجمالي الذي يجعلنا الفنان رشيد مجبرين على الوقوف حوله لحظات وأخرى لنكتشف ذواتنا التائهة والضائعة في عالم اليوم، يجبرنا على الوقوف أمام أعماله ويحرك فينا السؤال الأساس العميق حول الذاكرة حول التراث حول الثقافة حول الهوية حول الحداثة لقد حرك فينا السؤال الأساسي عبر ريشة رهيفة ورقيقة، بشكل تعبيري صادق، صدق الرسالة التي كرس نفسه كفنان تشكيلي لحملها والاعتناء بها وتطويرها وتذكير أبصارنا بأنها قابلة للتطور والتحديث والحضور في حياتنا اليومية، إنها بكل صدق تشكيلي تقاطعات ماأحوجنا إليها في زماننا هذا،استعمل الفنان طرائق تشكيلية وتجريد واضح، وشكلت الالوان في أعمال الفنان وأعماقه صراعا مريرا مع التوازنات والكتل والخطوط والأشكال والرموز والعلامات، لدرجة قصوى من التحرر من براثن التناول الفلكلوري والاستعراضي،لقد صاغ الفنان كتابة تشكيلية خاصة لقد توصل إلى اكتشاف ابجدية تشكيلية للرموز والعلامات التائهة في الزرابي والحلي وكل الصنائع اليدوية البسيطة، لقد رج الالوان رجة تذكرنا بدفء الأرض التي نشرب من معالمها وصروحها الشامخة، من ألوان الجنوب المغربي ورماله وجباله ومن بساتين التراث القروي الشعبي المغربي، لواحته مرآة تعكس وجه كل المغاربة بتعددهم الثقافي واللغوي والعرقي حضور خطوط وتشكيلات أشبه بممرات ومنعطفات تؤثث اللوحة لا متناهية تشكل امتداد لحركة يدوية غير محدودة قد تجد لها امتداد فينا نحن الوقفين أمام قوة العمل الفني لهذا المبدع الصادق الذي يشتغل في صمت بعيدا عن الأضواء، يشتغل بحبه للصباغة وللتشكيل المغربي، كما علق قائلا: (إن شغفي بالصباغة والفن التشكيلي لايوازيه إلا أن أصرف ما أملك وأنا في ضيق الأزمة لشراء بضع قنينات من الاكريليك والخشب والقماش لأنجز لوحات ليس بدافع التجارة والكسب بل بدافع داخلي يسيطر على كل كياني وتفكيري، فلا أحس بالسعادة العابرة إلا حين أكون قد انهمكت في العمل..... وأغرب لحظاتي الحزينة هي حين أحس أني أنهيت اللوحة ويجب أن أتوقف عن العمل وهكذا فإن سفري الجميل في رحاب اللوحة والأشكال والخطوط والألوان يتوقف ) إنه يحتفي بالذاكرة الشعبية المغربية وبتراثها المادي، تلك الذاكرة التي تأبى النسيان والضياع، وذلك التراث الذي يأبى التناول النمطي والفلكلوري, إنه وبكل تجرد،صدق الرسالة وسمو الإبداع عند التشكيلي رشيد فاسح.