ذ.محمد بدران لعل ما يميّز يوم العشاق حسب تفسير أهل الهوى هو اللقاء بمن يهواه المرء بعد طول انتظار شاق ولهفة واشتياق ،وأي هدية وإن قلّت تبقى في عين من يتسلّمها نور ساطع وأبهى إشراق.لكن للأسف الشديد لم يكن يوم (سان فالينتان) هذه السنة كما كان ينتظره في شتى بقاع الأرض العديد من العشاق ،بل كان يوم أحداث مهولة وفاجعة ومأساة. نختار من بينها ما بثته أخبار هذه الصبيحة ،الخاصة بالعدّاء الأولمبي (أوسكار بيتوريوس) الجنوب إفريقي ابن السادسة والعشرين ربيعا، والذي بدأ صيته يذيع بين نجوم ألعاب القوى الدوليين سريعا. ذلك العداء المبتور الساقين الذي يجري بأطراف اصطناعية وشارك في رياضة ألعاب القوى في تصفيات ال400 م بلندن لسنة 2012 في الألعاب الأولمبية وصل فيها لنصف المرحلة النهائية.كما سبق له أن أحرز على ميدالية ذهبية في نفس المسافة لذوي الاحتياجات الخاصة بلندن في الألعاب الأولمبية، وحصل من قبل على 3 ميداليات في دورة بكين لسنة 2008 في سباق400م و200م و100م بأخلاق عالية وروح معنوية. هذا العداء الواعد ذو العزيمة القوية والإرادة الخارقة والذي استطاع بقوته أن يتغلب على الإعاقة ويصنع منها القوة الخارقة، والجهد الجبار لينافس الأقوياء ويتغلب على الأصحاء.لم يكن يعلم قبل يوم أمس أن يوم الحب سيكون لعنة عليه وسخطا لا مردا له مع حبيبة العمر التي يهيم أعمى في عشقها وتسكن خياله إلى أبعد حد،لم يكن يعلم أن ذلك الشبح الذي رآه أمامه على الساعة الرابعة صباحا من يوم الخميس والذي كان يحاول ولوج غرفته أنه صورة المحبوبة ،بل كانت المحبوبة نفسها التي أتت لتفاجئه صبيحة يوم عيد العشاق حاملة في يدها هدية محبة وعشق وعرفان. كم كان سيفرح لو تسلمها منها بعد لقاء وحنين ،دون الاستسلام للخوف والشك اللعين الذي لم يترك له دقيقة تفكير أو أدنى أمل في التحقيق بعين اليقين ،فأخرج مسدسه ووجّهه في وجه من عاهدته على الغرام وعهد لها بالأمن والأمان ومقاسمة العطف والحنان.هدّد من سرقت قلبه وأهدته الأنس والاطمئنان ،فكيف يسيء بها الظنون ويحسبها سارق هواه المال أو مشاغب من الجيران.فأفرغ في خطيبته 4 رصاصات من مسدسه الأسود الذي كان يكتنزه لليوم الأسود المشؤوم ،ولم يعلم أن اليوم يوم عيد أبيض خالي من الغيوم وأن القتيل كان حبيبة العمر،لم تكن تحمل كما توقع أي سلاح معلوم،بل كان في يدها الفل والياسمين الأحمر على هيئة مشموم ملفوف بورقة صغيرة عليها عبارة: عشق مديد وحب يزيد يا أغلى حبيب في أسعد يوم. ماهي إلا سويعات قليلة وعاشقة العداء بين ذراعيه مستلقية غارقة في دماء الغدر وليس في حضن الحبيب الأمين ،ليس كسابق عهدها في الجو الرومانسي ودموع الفرح والحنين بل كانت لقطة دموع حزن وألم وأنين.كانت تقاوم تنفس الصعداء حين لم تنفع معها إسعافات الأطباء فاتحة عينيها الذابلتين ،لتذرف دمعات الحسرة والندم على ساعة الفراق في يوم عشقها الحزين.لم تكن تدري أبدا بأن نهاية قصة الحب ستكون على يد من أحبته بين كل المعجبين والمحبين،فاسمها كان يدوي بين أشهر مائة أجمل نساء العالم،تركت مهنة القانون لتتفرغ للإثارة والفنون ومن منّا لا يعرف "ريفا ستينكامب" عارضة الأزياء التي لم تباشر بعد سن الثلاثين . لما غلبتها المنية ألقت إليه نظرة حزينة قوية قبل أن تغمض رموشها المبللة بخليط الدموع بالدماء وغدر الحبيب وفزع الموت ،علها توقف سيول العبرات على خدوده النادمة الغارقة بين النحيب وخوف الصمت. فلما خانتها القوة كما خانها أقرب حبيب ولم تعد تقو على إمساك الهدية وثقل عليها اللسان،أرخت بيديها وعيناها تنظر إلى المشموم محاولة إيهام من ماتت من أجله بأنها وفية بوعدها كما أوضحت يوم أمس الأربعاء على حائط مدونتها بتويتر حيث كتبت: بماذا ستخرج يدك من كمّك لتقدّمه لعشيقك يوم الغد؟. كانت هذه العبارة الأليمة آخر كلمة سجلتها لتبقى خالدة عربون محبة وعنوان شهادة،بينما كانت هديتها آخر ما ستقدمه للحبيب البعيد بمناسبة هذا العيد السعيد. لم تكن تعلم أنها مع لقاء ملك الموت وأنه يوم الفراق ،لما تسللت لمنزل العشيق الذي لم تعشق غيره من المنازل في كل أحياء مدينة بريتوريا بنية مفاجأته بعيد العشاق. أثارت هذه الحادثة المفجعة حفيظة كل عاشق ولهان، وأدمت القلوب وحيّرت العقول والأذهان، كما أن اعتقال العداء بين العمد والخطأ شيئان لحد الآن كلاهما مطروحان، بينما الشرطة لم تصدر للأسف أي تصريح بالإدانة أو بالقتل الخطأ أدنى بيان.لم تصلنا لحد الساعة أية إشارات عدا تخمينات المتحدثة باسم الشرطة السيدة دينيز بيوكس التي أفادت بأنها على يقين تام بالقضية، وبأن المدعي العام سيرفض الإفراج عن المتهم بكفالة مالية. كما أعلنت أن الشرطة لها معرفة سابقة بمسرح العملية، وأنها تدخلت في عدة حالات حوادث وخلافات عائلية صيّرت المنزل إلى صراع، وفي أكثر من مناسبة لفض إشكال الخلاف والنزاع.كما أنهت حديثها بأن المنزل أصلا يخضع لمراقبة مشددة وله ضوابط مرور محددة، وأن يتسلل إلى داخله أي غريب احتمال ضعيف غير مقبول وإن كان قد حدث فشيء محيّر ومريب . ينتهي بنا السرد إلى نفق مسدود ويبقى التكهّن بين البراءة والإدانة عالم غامض مجهول الأبعاد لا يعرف له حدود،وتدفن قتيلة الهوى في مقبرة النسيان يوم عيد عشقها بكفن ملطخ بدم قلب معذب،أردته شظايا 4 رصاصات طائشة من الحبيب لم يعرفن أبدا معنى التضحية والحب.