ما لبثت المشاركة العربية في أولمبياد لندن 2012 أن انتهت إلا وأفادت بعددٍ من الدروس والعبر التي تحدد مستوى التطور الحقيقي للعرب بالمقارنة مع الأولمبياد السابق في بكين 2008، فمن ازدياد عدد المشاركين في الأولمبياد الأخير عن سابقه، إلى التمثيل الفارق في الألعاب الجماعية إضافةً للارتفاع الجيد في عدد الميد اليات المحقَّقة، وأخيراً نسبة الميداليات العربية ككلٍّ بالمقارنة مع ترتيب الدول المتوجة بأعلى رصيدٍ من المعدن النفيس، وذلك وفقاً للجنة الأولمبية الدولية والموقعين الرسميين لأولمبياد لندنوبكين. مشاركة العرب بين لندنوبكين شهدت المشاركة العربية تحسناً كبيراً في الأولمبياد الأخير مقارنةً بسابقها فبلغ عدد الرياضيين العرب 468 وفي المركز الثالث عالمياً (كمشاركة) خلف بريطانيا المنظمة 564 وأميركا صاحبة المركز الثاني 539، كما كانت مصر الأكثر حضوراً، فشارك منها 119 رياضياً ورياضية بينما كانت الصومال وموريتانيا الأقل تمثيلاً برياضيين لكلٍّ منهما. في حين شارك في أولمبياد بكين 357 رياضياً ورياضية احتلّوا المركز السادس على صعيد الدول الأكثر تمثيلاً، وذلك خلف الصين المستضيفة 603 وأميركا 591، ومن ثمّ روسيا 454 وأستراليا 434 وألمانيا 422، وأكثر الدول تمثيلاً من العرب كانت مصر (101) وأقلّها (موريتانيا والصومال وجيبوتي رياضيين لكلّ منها). وهذا يعكس رقما مميزاً في لندن تحديداً باعتبار الدولة المستضيفة قلّما يؤخذ بعدد المشاركين منها، نظراً لما يملكه لاعبوها من امتيازات بالمشاركات الأولمبية. وفيما يرتبط بالألعاب الجماعية كان الفارق واضحاً في الأولمبياد الأخير مقارنةً ببكين، فشارك العرب في كرة القدم للرجال بثلاث دول: (مصر والمغرب والإمارات)، كانت أفضلها مصر، التي خرجت من رُبع نهائي البطولة بثلاثية نظيفة من اليابان، بعد أن كانت تأهلت كثاني المجموعة الثالثة (خسارة من البرازيل وتعادل مع نيوزيلاندا وفوز على بيلاروسيا)، بينما خرجت المغرب من الدور الأوَّل بعدما احتلّت المركز الثالث في المجموعة الرابعة (تعادل مع هندوراس وخسارة من اليابان وتعادل مع إسبانيا)، فيما اكتفت الإمارات بنقطة وحيدة احتلّت على إثرها المركز الرابع في المجموعة الأولى (خسارتين من الأوروغواي وبريطانيا وتعادل مع السنغال). كما خرجت تونس من ربع نهائي مسابقة كرة اليد بعد خسارتها من كرواتيا 23-25، بعد أن كانت تأهلت كرابع المجموعة الأولى بفوزين (بريطانيا والأرجنتين)، وثلاث خسارات (السويد وإيسلندا وفرنسا)، بينما كانت مشاركة رجال تونس بكرة السلة متواضعة، بعد أن احتلّت المركز السادس والأخير في المجموعة الأولى نتيجة تلقيها خمس هزائم، والأمر نفسه مع تونس بالنسبة للكرة الطائرة للرجال كسادس المجموعة الثانية بخمس خسارات، وطائرة السيدات للجزائر كسادس المجموعة الأولى دون تحقيق أيّ انتصار. وعلى الرغم من ضعف هذه النتائج للألعاب الجماعية إلا أنها جيدة بالمقارنة مع احتلال مصر للمركز السادس (الأخير) في المجموعة الثانية بكرة اليد في بكين بتعادُلين وثلاث خسارات، بينما كانت الخسارات الخمس والمركز الأخير في المجموعة الثانية بالكرة الطائرة من نصيب رجال مصر، وهو الأمر ذاته بالنسبة لسيدات طائرة الجزائر أيضاً في أولمبياد بكين. أولى وآخر الميداليات والذهبية منها افتتح القطري ناصر العطية رصيد العرب في 2012 في اليوم الخامس المصادف ل31 تموز/يوليو بمسابقة الرماية السكيت، بينما كانت أول ميدالية في بكين هي برونزية 52 كلغ بالجودو للسيدات، التي أحرزتها الجزائرية ثريا حداد في 10 آب/أغسطس المصادف اليوم الثالث لأولمبياد بكين. كما كانت الذهبية الأولى للجزائري توفيق مخلوفي بسباق الجري 1500م في 7 آب/أغسطس، وكانت الذهبية الأولى لصالح التونسي أسامة الملولي سباق 1500م سباحة حرة باليوم العاشر لانطلاق أولمبياد 2008. أما آخر الميداليات فكانت للبحرين، عندما حقّقت العداءة مريم جمال برونزية سباق 1500 في ألعاب القوى قبل يومين من انتهاء البطولة، بينما اختتمت المغرب رصيد العرب من الميداليات في 2008، بواسطة العداء المغربي جواد غريب، الذي أحرز الميدالية الفضية في سباق الماراثون باليوم الأخير. الميداليات بين بكينولندن وحول رصيد الميداليات بين لندنوبكين، فقد حقّق العرب في لندن ذهبيتين و3 فضيات و7 برونزيات بزيادة 4 برونزيات عن بكين وبالتالي فإن ترتيبهم مجتمعين كان (30) في لندن علماً بأنّ أميركا تصدّرت ب(46ذهبية و49فضة و49برونزية)، والصين ثانية ب(38ذهبية و27 فضية و23 برونزية)، وبريطانيا ثالثة ب(29ذهبية و17فضية و19برونزية)، وهو نفس الحال بالنسبة للترتيب في بكين (30) وكانت الصين الأولى (51ذهبية و21فضية و28برونزية) وأميركا(36ذهبية و38فضية و36برونزية) وروسيا الثالثة ب(23 ذهبية و21فضه و29برونزية). ليصبح بذلك رصيد العرب من الميداليات كاملة 94 ميدالية في الألعاب الأولمبية من دورة أمستردام 1928 إلى دورة لندن وهي 23 ذهبية و24 فضية و47 برونزية. دولٌ تطورت وأخرى تراجعت وكان من الواضح في البطولتين الأخيرتين تألُّق بعض الدول العربية وتراجع أخرى واستمرار الاكتفاء بالمشاركة لدولٍ طال انتظار نتائجها المميزة، وفي مقدمة هذه الدول تأتي قطر التي خطفت الأنظار ببرونزيتين في لندن علماً بأنّ عدد أفراد بعثتها لم يتجاوز ال12 رياضياً ورياضية، وكان أقل من بعثة أولمبياد بكين التي لم تحقّق أيّ شيء، وكذلك الحال بالنسبة لتونس التي مثلت بثلاثة فرق في الألعاب الجماعية مرةً واحدة وتأهلت أحدى فرقها (كرة اليد) لربع النهائي، في حين غابت كلياً عن الألعاب الجماعية في 2008 دون أن ننسى رصيدها من الميداليات في الألعاب الفردية («لندن ذهبية وفضية وبرونزية» - «بكين ذهبية»). وشهدت السعودية والكويت ذات التطور بميدالية برونزية لكلٍّ منهما في لندن أمام عدم تحقيق أيّ ميدالية في بكين، ومصر بفضيتين وتمثيل مشرف لرجال كرة القدم بالمقارنة مع برونزية في 2008. كما بقيت الجزائر والبحرين والمغرب بذات المستوى المقبول فأحرزت الأولى ذهبية مقابل فضية وبرونزية والثانية برونزية نسائية مقابل ذهبية للرجال والثالثة برونزية مقابل فضية وبرونزية، في حين لم تحقِّق السودان أيّ ميدالية بعد أن كانت خطفت فضية، وذلك بين أولمبياد لندن أولاً وسابقه ثانياً. وأخيراً تأتي الدول التي أتت مشاركتها في لندن مشابهةً بدرجة كبيرة لسابقتها دون رصيد من الميداليات ومع تحسن أو تدهور طفيف بعدد المشاركين وهي: (الإمارات - لبنان - سوريا - العراق -جيبوتي - جزر القمر- عمان - الأردن - الصومال - اليمن -فلسطين -موريتانيا) مع ذكر المشاركة التاريخية لفريق كرة القدم بالنسبة للأولى. وبالمجمل فإنّ الإحصائيات السابقة تثبت اعتماد بعض الدول على ما يسمى بالطفرة الرياضية التي قد تخطف لبلدها ميدالية كلّ 4 أو 5 بطولات، بينما تؤكّد العمل الجاد لبعض الدول الأخرى، التي تجتهد وتنال نتائج مباشرةً لعملها، في حين تظهر الدول الأخرى، التي تحافظ على مستواها المرتفع في المنافسة دون تقدّم أو تدهور.