ربما لا يختلف أحد أن سياسة العناد و"ما أريكم إلا ما أرى"، كانت أحد أهم الأسباب التى أودت برأس النظام "شبه" البائد، وهى، كما يبدو، نفس السياسة التى يتبعها رجاله وشخوصه المتصدرين لمشهد الإدارة المصرية فى الوقت الحاضر دون الإعتبار من رأس الذئب الطائر، فتسببوا بسياساتهم الفاشلة فى إحداث الفتنة بين الشعب وجيشه، بداية من السيد رئيس الوزراء الذى يرفض التخلى عن اسلوب امانة السياسات التى كان أحد أبرز أعضائها حتى لحظة السقوط الأخيرة لينتقل منها مباشرة، ودون فاصل زمنى، الى رئاسة وزارة الثورة !!! ونهاية بالتلفزيون والإعلام الرسمى الذى صور لنا إحتجاجات ماسبيرو وما تلاها من أحداث مؤسفة على أنها هجوم تشنه دولة معادية على الجيش المصرى أسفر عن مقتل بعض جنوده، قبل أن يعود وينفى الخبر !!، وبينهما قبيلة النعام التى ما زالت تردد نفس الاسطوانة القديمة أن "الوحدة الوطنية بخير وأن المسألة مجرد عبث لأصابع أجنبية"، رغم الحقيقة أن خراب مصر لا يحتاج الى أصابع أجنبية أو وطنية، فحماقاتهم السياسية وسوء ادارتهم وسوءاتها فيهم ما يكفى لتدمير عدة أوطان مجتمعة لا مصر وحدها، ولكنها الشماعة التى استمرأنا وضع أخطائنا عليها عقوداً طويلة دون أن نتعلم من خيابتها وسذاجتها وعدم جدواها فى كل مرة، فكانت النتيجة تلك الكارثة الدموية غير المسبوقة التى تركت جرحاً غائراً فى قلب الوطن من الصعب شفائه، إلا إن أراد الله تبارك وتعالى، خاصة وليس ثمة علاج ظاهر حتى الآن، ولا حتى بالمسكنات الى أن يحين الأجل المحتوم !! توقع الناس أن يخرج اللواء الفنجرى ممثلاً للمجلس العسكرى، ليقرر أن هناك خطأ ما من أحد الأطراف قد وقع وأنه سيتم الكشف عنه ومحاسبة المخطىء بمنتهى الحسم، حتى ولو دون تأدية تحيته العسكرية الشهيرة لأرواح ضحايا ماسبيرو، الذين فى إسالة دمائهم خطيئة تحت أى مبرر، حتى لو كان نتيجة مواجهة مع الشرطة العسكرية، فذلك نفسه ما سبق وأدى سيادته التحية عنه، وهو نفسه الذى تجرى حاليا المحاكمات بخصوصه .. قتل المتظاهرين .. !!! فإذا بنا نرى المجلس بدلاًعن ذلك يرسل عنه مندوباً رسمياً لتسليم "كأس مصر" فى كرة القدم للفريق الفائز قبل انقضاء 48 ساعة على المأساة، بل وبعض جثث الضحايا لم تدفن بعد !! بل إننى تجاوزت بحسن ظنى وتوقعت أن يخرج المشير طنطاوى نفسه ببساطته وتلقائيته المعروفة مخاطباً الأمة، مقدماً العزاء، شارحاً الحقيقة، موئداً تداعيات الفتنة، واعداً بالتحقيق السريع، قاطعاً الطريق على الغرب المتربص الذى أعلن استعداده لإرسال جنوده لحماية دور العبادة المسيحية !، الأمر الذى كان سيجعل سيادته أقرب الى الناس من جولته وسط البلد بحلته المدنية، ولكن بكل أسف، لم يفعل الرجل ! ربما ظناً منه، أو كما أقنعه مستشاروه، أن ذلك ما تقتضيه هيبة الجيش أو هيبة الدولة التى يمثلها حالياً، دون إنتباه الى أن تلك الهيبة قد سال بعضها بالفعل على أرض ماسبيرو مختلطاً بدماء بعض المصريين. توقع الناس، ولو من باب سياسة التهدئة ونظرية "الإسفنجة"، اقالة سريعة لحكومة "أبناء الحزب الوطنى" التى يتصدرها الدكتور شرف وصحبه الكرام، بعد أن فشلت حتى الآن فى تحقيق الحد الأدنى من أمن المواطن الذى هو أهم أولوياتها والأساس الأول لمقومات أى دولة ! فإذا بالمجلس العسكرى يبقى عليها دون سبب مفهوم ! توقع الناس، على الأقل، إقالة سريعة لمحافظ أسوان، ذلك الباقى مخلداً فى منصبه من قبل 25 يناير !! رغم أنه تجب مسائلته عن قضايا الفساد الضخمة التى شهدتها محافظته مع عصابة الوزراء التى تحاكم حاليا، سواء حول جزيرة آمون وبالم هيلز أوغيرها مما ليس هنا مجال سرده، ولكنهم جاءوا به مرة أخرى ليتسبب فى مشاكل النوبة الأخيرة ثم فى أزمة قرية "ماريناب" التى تقاعس عن معالجتها بما يحفظ هيبة الدولة التى تخلى عنها وأهدرها تاركاً الأمر لمجموعة من الشباب المتحمس الذين "سخنهم أحد المشايخ فى صلاة الجمعة" حسب تعبير سيادة اللواء الوزير المحافظ على الهواء دون خجل، وهو الذى يملك سلطات رئيس الجمهورية فى محافظته ! ورغم أن هدم أو إزالة مجرد "كشك سجائر" يستلزم دراسة أمنية قبل الإقدام عليه ! ، فإذا بسيدنا الآتى من أمانة السياسات المنحلة يُبقى على الرجل راسخاً كالطود وكأن شيئاً لم يكن ! وكأن اسوان والنوبة خلتا من رجل واحد أدرى بشعابهما يصلح لأن يكون محافظاً ! موطن الداء وسبب البلاء كشفته المستشار نهى الزينى فى حديثها لبرنامج العاشرة مساءً ثانى أيام المأساة، وإذا تكلمت نهى الزينى وجب علينا أن نسمع وأن نعى ونصدق، فالسيدة الفاضلة ليس لها حسابات مع أحد، ولا تستجدى مصلحة من أحد، ولا يعنيها إلا رضاه تبارك وتعالى ثم مصلحة هذا الوطن الطيب كما خبرناها جميعاً، وقد تحدثت سيادتها لا كصاحبة رأى، ولكن بصفتها عضو لجنة العدالة الوطنية التى شكلها دكتور شرف نفسه رسمياً عقب الأحداث المؤسفة التى شهدتها كنيسة العذراء فى إمبابة، وكلفها ببحث سبل إنهاء الفتنة الطائفية ومراجعة قانون بناء دور العبادة الموحد والتقدم بتوصياتها فى ذلك الخصوص. قالت الزينى أن لجنتها اجتمعت الثلاثاء السابق للمأساة، ومع بدء مسيرة الإحتجاج التى إنطلقت من شبرا، وفى حضور مجموعة مما يطلق عليه "إئتلاف شباب ماسبيرو"، ودرست تقرير لجنة تقصى الحقائق فى أحداث كنيسة "الماريناب"، ثم خلصت توصيات اللجنة بإجماع الحاضرين الى وجوب إصدار قرار فورى فى نفس الليلة بإقالة محافظ أسوان الذى وصفته الزينى بالفاشل سياسياً، مع الاعلان السريع عن جدول زمنى لترخيص الكنائس التى تقام فيها الشعائر بالفعل ولم يتم ترخيصها فى السابق بسبب تدخلات من محافظى الأقاليم لسبب أو لآخر رغم موافقتهم على اقامة الشعائر فى بعضها لمدة 20 عاما. ولكن للأسف، والكلام للزينى، حدث نفس ما كان يحدث قبل 25 يناير .. "قولوا ما ترغبون وسنفعل ما نراه" ! فقد تجاهل الدكتور شرف تقرير اللجنة وقال أنه يفضل إجراء تحقيق حول ما إذا كانت تلك الكنيسة مرخصة بالفعل أم لا قبل أن يقدم على إقالة المحافظ ! لذلك "قررت ليلتها تجميد نشاطى فى اللجنة، بعد أن عملنا طوال تلك الفترة ولم يلتفت أحد لتوصياتنا ولم تناقش مناقشة جادة، وانما مناقشة إيجاد المبررات للتسويف والتأجيل، ثم تصدر الآن القرارات العشوائية المتسرعة غير المدروسة، الإعلامية أكثر منها حقيقية، لتهدئة الجماهير بعد كل ذلك القتل والدماء على أرض مصر"، كما قالت السيدة الفاضلة. ذلك موطن الداء وسبب البلوى التى أصبحت قدراً مقدوراً لمصر والمصريين .. تقاعس، سلبية، رؤية منفردة، آذان صماء عن صوت أصحاب الرأى، مسئوليات ومناصب أكبر حجماً من شاغليها، عشوائية قرار، عروض إعلامية براقة، إنتهازية مصالح يستغل أصحابها المكلومين لتحقيق أهدافهم السياسية على حساب الوطن، وغباء رأى بعضه فى قبة إرتفاعها 4 أمتار فِعلاً فاضحاً لأصول البناء وللرسم الهندسى المقدس، ورآها بعضه الآخر تقويضاً لأركان الدين وهدماً لديار الاسلام ومذلةً للمسلمين، رغم إنتقادنا الغرب حين منع بناء مآذن المساجد، أو كما يرى اليهود أن قتل العرب يجعلهم الى الله أقرب !، ناسين أن العدل أساس الدين قبل أن يكون أساس الملك، وأن القانون أحد أهم أسس الدولة، وأن الإسلام لن يضيره بناء ألف ألف كنيسة، وأن المسيحية لن تنتهى بمنع ذلك، وأننا "لن نسع الناس إلا ببسط الوجه وحسن الخلق"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ضمير مستتر: يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } المائدة 8 علاء الدين حمدى