يعرف التحالف السياسى Political Alliance على أنه اتفاق للتعاون بين أطراف سياسية مختلفة لتحقيق أهداف مشتركة أو تأمين مصالح متبادلة تفرضها تداعيات الحالة السياسية والإجتماعية لحظتها الراهنة، تتمحور عادة حول التنسيق لخوض انتخابات محددة أو الإئتلاف لتشكيل حكومة ما بعدها. وحسب تصورى، فالتحالف السياسى إن جرى بين كيانات تؤمن حقيقة بتفعيل رأى الأغلبية، فيجب أن يسبقه اقتناع القواعد الجماهيرية لأطرافه لا أن يأتى بقرار فوقى ! خاصة وأن قبوله من حيث المبدأ يستوجب بالضرورة تنازل أطرافه عن برامجهم وأيدولوجياتهم السياسية التى قام بنيانهم الجماهيرى على قناعتها، مقابل صياغة برنامج جديد مشترك يحقق المكاسب المرجوة. كذلك أتصور، أيضاً حسب رؤيتى المتواضعة، أنه يمكن تصنيف التحالف السياسى على ثلاث صيغ: الأولى: التحالف قبل الانتخابات، ويتشكل من أحزاب سياسية ضعيفة ذات أيدولوجيات متشابهة لغرض تحقيق أغلبية أو تكتل برلمانى يمكنه مواجهة حزب حاكم قوى، بمعنى أن وجود "حزب حاكم" هو المبرر والمسوغ الوحيد لعقد تحالف من هذا النوع، الأمر الغير موجود الآن على الساحة المصرية بعد إتاحة الفرصة أمام الجميع. الثانية: التحالف بعد الانتخابات، ويتم أيضاً إما لبلورة موقف موحد أمام حزب أغلبية تشكلت منه الحكومة، كتحالف المعارضة البرلمانية المصرية سابقاً، وإما نتيجة عدم الفوز بالأغلبية المطلقة التى تسمح لحزب ما بتشكيل الحكومة منفرداً، وبالتالى يجرى التنافس على إستقطاب بقية الأحزاب الفائزة الأضعف فالأقوى نسبياً، أو بعض المستقلين، مقابل حقائب وزارية يتفق عليها، لتكوين كتلة أغلبية عددية يمكنها تشكيل ما يعرف بالحكومة الإئتلافية، كحالة لبنان أو ما يسمى بدولة إسرائيل أو نظم الحكم البرلمانية عموماً، وهو تحالف غير ذى معنى فى مفهومه الأخير بالنسبة للحالة المصرية الآنية ولا فائدة من تفعيله، حيث ما زال الإعلان الدستورى القائم يمنح الحق المطلق لرئيس الدولة فى تعيين الوزارة بكاملها حسب ما يرى ويرغب دون معقب، حتى ولو اختارها بكاملها من خارج نطاق الحزب الفائز بالأغلبية ! الثالثة: تحالف الكومبرادورية Comprador ويجرى بين سماسرة المال والسياسة والأحزاب الطفيلية أو الانتهازية، ويتم على طريقة صفقات البيع والشراء، ويتلخص فى محاولة قوة سياسية عظمى إنتزاع شرعية القرار الذى يحقق مصالحها أو يتفق مع رؤيتها وبرامجها، فترتب للتحالف مع أحزاب ضعيفة متناقضة غير ذات قيمة حقيقية، توجد بطريق أو بآخر على الساحة السياسية لكنها لا تملك، لأسباب كثيرة، ذلك الزخم الجماهيرى الذى يكفل لها مواجهة تلك القوة العظمى عبر صندوق الإنتخابات، وبالتالى تسعى للتحالف معها حفظاً لماء الوجه أمام قواعدها، إن وجدت، مقابل بعض المقاعد البرلمانية، دون إعتبارٍ لهويتها السياسية التى فقدتها بالفعل حين تخلت عن أيدولوجيتها واختلف فكرها الثقافى الورقى الضخم عن طريقة الممارسة السياسية الفعلية، وفضلت التبعية للقوة العظمى على شراكة المصير ! سواء جرى ذلك تحت مسمى الصفقات السرية، على طريقة الحزب الوطنى المنحل، أو تحت مسمى التحالف الذى يأتى أشبه بنموذج حَربىّ الخليج أو أفغانستان، حين شكلت الولاياتالمتحدة تحالفاً أغلبه من دويلات صغيرة ضعيفة تحت غطاء من الأممالمتحدة مكَّن لها فى النهاية تحقيق مصالحها بشرعية دولية مصطنعة مقابل ترضية تلك الدويلات، أو بالأصح ترضية قادتها ! ليخرج الجميع فائزاً، دون أن يملك الأتباع مستقبلاً إلا إستمرارية الدوران فى فلك القوة العظمى، دولة كانت أو قوة سياسية. والصيغة الأخيرة، هى الوحيدة للأسف، كما أرى، المطبقة على أرض المحروسة ! حيث يختلف السِرِّى عادة عن المُعلن، وحيث يأتى التكسب السياسى دائماً قبل الطرح الفكرى ! وبالتالى فلا حوار ولا رأى إلا للمتحكم فى قواعد الصفقة أو التحالف، بعد أن هرول الآخرون ومنحوه حق إخضاع مبدأهم الفكرى لطرحه السياسى، دون حساب لنتائج ذلك وخطورته على مستقبل الوطن، خاصة إذا كان ذلك المتحكم شيفونيا Chauvinism متعصباً يحتكر الحقيقة ويحصر الخير فى طريقته أو يراه مرادفاً لوجوده، فى الوقت الذى يعرف فيه ضآلة حجم حلفائه ويعلم جيداً مقابل تحالفهم. إذا طبقنا تلك المقدمة الطويلة على ما نتابعه اليوم فى شارعنا السياسى، أو "حلف الإخوان" كما أسميه، فسيقودنا ذلك مباشرة لمناقشة الموضوع من خلال طرح بعض الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها حسب تحليلى البسيط، الذى من الجائز جداً خطأه أو تخطيئه بكل تأكيد، وذلك كالتالى: 1 هل تحتاج جماعة الاخوان، أو حزبها، التحالف مع أى فصيل سياسى للوصول الى البرلمان، حتى لو كان ذا رؤية فكرية تختلف جذرياً وعكسياً عن رؤية الجماعة ؟! الإجابة: قطعا لا، فعلى خلفية غياب أى فاعلية حزبية تمارس عملاً سياسياً حقيقياً، فالجماعة هى الكيان الوحيد الموجود على الساحة الذى يتمتع بقوة التظيم ودقته ووضوح الهدف والرؤية والسيطرة الولائية الكبيرة على أعضائه، شاء من شاء أو أبى. 2 ماذا يعنى تصريحٌ للقيادى الإخوانى دكتور "عصام العريان" قبل إعلان حزب الجماعة قال فيه ( أُحَذِّر الحزب الذى سيرفض التنسيق مع الإخوان من أنه سيرتكب بذلك خطأً تاريخياً كبيراً) ؟! الإجابة: يمكن للبعض، غيرى، تفسير ذلك من باب الغرور، خاصة أنه تصريح تزامن مع تصريحات كثيرة فى نفس السياق للأخ "صبحى"، عضو لجنة تعديل الدستور، إلا أننى أرى فيه رسالة تحفيز وتخويف سياسية واضحة وقوية لبقية الأحزاب حتى تلهث لإتمام التحالف دون أن تسعى الجماعة أو حزبها الى ذلك، وبالتالى تترسخ صورة ذهنية أمام الرأى العام تترجم تعففها وزهدها فى التحالف، كما فعلت مع حزب "الوفد الجديد" الذى لهث إليها مراراً وتمنعت .. ثم قبلت بعد زيارة قيادات الحزب لبيت الجماعة، ليبدو ذلك كما لو جاء من باب الإحراج الأدبى أو تأدية واجب الضيافة ! بينما هو، أمام الجميع، إظهارٌ للحجم الحقيقى على الأرض للطرف الآخر!!! يعنى "ضربة معلم" ودرس سياسى من الدرجة الأولى، يثير الإعجاب الكبير. هنا يظهر بوضوح ما أشرنا اليه آنفاً حول النوع الثالث من صيغ التحالفات، فمثلاً حزب "الوفد الجديد"، بصفته أول من بادر الى هذه الخطوة ليس إلا، آثر التخلى عن موروثه الفكرى والسياسى وفضل التحالف مع الجماعة ذات الفكر المختلف، بطريقة طفيلية ساذجة، طمعاً فى التسلق على أكتافها القوية الى بعض مقاعد برلمانية تحفظ لقياداته السُمعَة وماء الوجه و.. "صدارة المشهد السياسى" المأمول !!، مقاعد تعلم تلك القيادات، أكثر من غيرها، إستحالة الحصول عليها عبر صندوق الإنتخابات وبعد انقطاع الحبل السُرىّ مع النظام "شبه" البائد، إلا من خلال الجماعة ! وعلى المعترض مراجعة موقف تلك القيادات "ضد" الاخوان أثناء انتخابات 12 2010 ليلاحظ تناقضه الكامل مع موقفهم الحالى ! ذلك ببساطة لأن الخوف على العروش والمصالح التى يوفرها تمثيل الحزب حتى لو كانت حلالاً، فرض تعمد تغييب عملية صناعة كوادر شارع سياسى حزبية حقيقية خلال عقد كامل هيمنت خلاله تلك القيادات وسيطرت على شئون الحزب، فكانت النتيجة الحتمية أن أكبر الكيانات التى تمارس العمل السياسى الحزبى عبر ثلاثة عقود، خَلى حتى من شخصٍ واحدٍ يصلح للترشح لرئاسة الجمهورية !!! فبات وأصبح باحثاً عن "متطوع" يضمه من أقرب مقهى سياسى !!! 3 لماذا تفتح الجماعة أو حزبها الباب على مصرعيه للتحالف مع خليط من الأحزاب اليسارية والليبرالية والقومية بأيدولوجياتها المتناقضة تماماً مع فكر الجماعة، ولا تسعى لذلك مع الأحزاب ذات نفس المرجعية الاسلامية كحزبى "الوسط الجديد" أو "النور" ؟ الإجابة: إنها السياسة على الأقل حتى الآن، التى تحتم الحفاظ على قدسية المرجعية الاسلامية وعدم تعريض عملية تطبيقها وتفعيلها الى مفاجآت غير متوقعة خلال المرحلة القادمة بسبب أخطاء بشرية غير محسوبة، وهو هدف سامى فى حد ذاته يستوجب التحية والتقدير. فقد أعلن الإخوان من البداية انهم لا يطمعون فى حصد أغلبية مقاعد البرلمان، وأنهم "سيمنحون" الفرصة لبقية القوى السياسية للتمثيل فيه والعمل من داخله، وهو كلام طيب جداً، أوله معقول، أما آخره فغير مقنع ! فالجماعة، التى تعلمت الكثير من دروس الماضى فأعادت التخطيط للمستقبل بحنكة ملموسة وبرؤية ذكية تثير إعجابى الشخصى كمتابع بسيط للشأن السياسى، تعلم أن البرلمان القادم هو الأخطر فى تاريخ مصر، كما تعلم جيداً أن الدولة القادمة بكل آلياتها ستتحمل عبئاً شديداً كبيراً، وستتعرض لحنق الجمهور وسخطه وغضبه ليل نهار عن حق أو باطل، وهو موقف لا يفضل أى سياسى حصيف صاحب رسالة أن يقف فيه، وبالتالى فمن مصلحة الجماعة ورسالتها ومصلحة المرجعية الإسلامية عموماً، الإستعداد للمرحلة بعد القادمة، بعدم السعى الى أغلبية البرلمان المرتقب، ولا الانفراد بتشكيل الحكومة المنتظرة، ولا أغلبية الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، لأن أياً من ذلك سيجعلها تتحمل "وحدها" عواقب أى أخطاء متوقعة وطبيعية ستظهرها الممارسة العملية فى المستقبل ! ولكنها، أعنى الجماعة، فى نفس التوقيت لا يمكنها إضاعة الفرصة الذهبية المتاحة لنشر رسالتها وتفعيل برامجها التى ترى فيها الخير لمستقبل الوطن، وهو حقها بكل تأكيد ! إذاً فالحل يكمن فى مفهوم الصيغة الثالثة التى تعرضنا لها آنفاً !! نصنع تحالفاً يضم أغلب القوى السياسية الضعيفة، يصبح مسئولاً بكامله عن الخطوات والتشريعات القادمة، بشرط أن يخضع جدول أعماله لهيمنة الجماعة كقوة عظمى وحيدة ! لذلك .. فجمعية الدستور التأسيسية قد لا يمثل الاخوان أغلبيتها، حسب رؤيتى المتواضعة، لكنهم سيكونون أصحاب القرار والحسم فى إطار تفعيل صفقة أحزاب "ميكى ماوس" التى تجرى فصولها هذه الأيام، وبالتالى سيُمَثَّل "ميكى وتوم وجيرى وكابتن ماجد" وكل شخوص "مدينة البط" أيضاً فى اللجنة التأسيسة وفى إدارة المرحلة القادمة عموماً الى جوار الجماعة وتحت هيمنتها التى قد لا تقبلها بقية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية !!! وبذلك يُقضى تماماً على أى مزاعم أو إتهامات توجه للإخوان باحتكار شىء مما سبق، ويظهر مدى قبولهم للآخر، ويخرج الأمر "أمريكانى" يتوافق مع تحالف قوى الشعب العاملة .. بالسياسة ، أو على طريقة تفريق ذَنْبِهِ بين القبائل، ثم تظهر الجماعة فى الصدارة بعد انتهاء مرحلة الضبط والتجريب والإختبار! إنها الحنكة السياسية فى التخطيط للمستقبل التى تستوجب التحية بكل تأكيد، حتى لو إختلفنا معها .. فهى المتاح الوحيد اليوم ولفترة طويلة قادمة أيضاً حسب قراءتى المتواضعة ! الشاهد، أن السياسة المصرية ما زالت تفتقد ذلك المشروع الوطنى الديموقراطى الإقتصادى المنتج الواضح المعالم، الذى يمكنه أن يمثل القاسم المشترك لمجموعة الأرقام الفاعلة على الساحة المصرية، فالأمر لا يعدو عن صراعات نفوذ لا إختلافات توجه، واقتناص مكاسب حزبية بسياسات عشوائية يغيب عن رؤيتها تربص الغرب الذى لا يعنيه وأد التطور الوطنى السياسى أو الاجتماعى طالما ضمن استقرار مصالحه ! ضمير مستتر: خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البلل "المتنبى" علاء الدين حمدى