شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة لقاء مع الدكتور محمد المصباحي (أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط سابقا ) حول موضوع :"الفلسفة والمدينة" يوم الثلاثاء 4 نونبر الجاري بمدرج مركز دراسات الدكتراة بالكلية. وقد عرف هذا الدرس الافتتاحي مداخلة رئيس جامعة شعيب الدكالي الأستاذ بومدين التانوتي التي أبرز من خلالها ظروف وملابسات إنشاء شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، والمتمثلة في النقاش الذي دام زهاء سنتين مع العميد السابق للكلية الأستاذ عبدالواحد مبرور قصد إحداث شعبة الفلسفة بالكلية، كما أشار الأستاذ بومدين التانوتي إلى المستقبل الزاهر الذي ينتظر هذا المولود الجديد. من جانبه، أبرز الأستاذ حسن قرنفل عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأعمال الفكرية الكبيرة للأستاذ محمد المصباحي خاصة في مجال الفلسفة الرشدية. ويرى الدكتور محمد المصباحي في درسه الافتتاحي أن من بين المعاني التي يثيرها موضوع العلاقة بين الفلسفة والمدينة تغير شروط مشروعية الحضور الفلسفي في المجتمعات العربية. فإذا كان الفلاسفة العرب في الماضي قد بحثوا في مشروعية القول الفلسفي داخل اللاهوت الإسلامي، فإن الفلسفة العربية الحديثة والمعاصرة تبحث عن هذه المشروعية داخل المدينة والدولة والمجتمع. ويعد الكلام عن علاقة الاتصال بين الفلسفة والمدينة بمثابة رد عقلاني سليم ضد أفعال تخريب المدينة التي تشهدها المجتمعات العربية في الربيع العربي، حيث أن انتفاء وغياب العلم والفلسفة داخل المدينة أدى بالضرورة إلى وجود الخراب داخلها. وتستمد بالتالي الفلسفة مشروعيتها من القدرة على تعبئة الفكر والأخلاق والمجتمع من أجل ترسيخ وتكريس ثقافة وقيم الديمقراطية داخل جهاز الدولة وفي الفضاء العمومي. كما تأتي أهمية إثبات الاتصال بين الفلسفة والمدينة، يضيف محمد المصباحي، في كون الفلسفة تستمد مصداقيتها من القدرة على تعبئة العقل والتاريخ من أجل خدمة المدينة وكذا إعادة بناء مجتمع جديد، وبالتالي ضرورة التفكير في علاقة الفلسفة والمدينة من منظور جديد يتجاوز معيقات الفكر الفلسفي القديم والحديث على حد سواء، والمتمثل في فتح مسالك التأثير والتأثر بين الفلسفة والمدينة في إطار علائقي جدلي. فالحداثة، في نظر محمد المصباحي، تجمع بين محبة الحكمة ومحبة السياسة. وفي معرض حديثه عن علاقة الفلسفة بالبعد الكوني والمحلي، يرى الدكتور محمد المصباحي أن الفلسفة منذ القرن 19 ارتبطت بالتاريخ وبالثقافة وباللغة رغم أن مصداقية الفلسفة بطبيعتها كونية وشمولية ولا محلية، حيث أن الفيلسوف يخاطب الإنسانية، وأن الفلسفة بالتالي تأمل كوني. إلا أن الخوف من السقوط في النزعة المركزية، أدى إلى محاربة العقل والفلسفة، ف"الفلسفة إما أن تخاطب الكونية أو ألا تكون" على حد تعبيره. أما في ما يخص الفلسفة كدعوة إلى الحق، فيرى الدكتور محمد المصباحي أن الفلسفة لا تهدد جهاز الدولة، لأنها ليس إيديولوجيا، حيث أن الفلسفة محاولة للبحث عن معنى للحياة. ويتمثل الحوار الذي يكون بين الفيلسوف والمدينة في أن "السياسة تصبح ثمرة المجهود الفلسفي، انطلاقا من اقتراحات وتصورات تنبني على أساس رقي الإنسان". وأن دور الفلسفة، حسب الكندي، هو الزيادة في تعشيق الفلسفة لذوي النفوس النيرة. هذا، ويخلص الدكتور محمد المصباحي إلى أن طلب الوحدة بين الفلسفي والسياسي يعد مخرجا للأزمة التي تعيشها المجتمعات الحديثة. كما يدعو إلى ضرورة الاحتياط من عملية الانصهار بين الفلسفة والمدينة، حيث تتحول السياسة إلى ديكتاتوريا والفلسفة إلى إيديولوجيا، وبالتالي التفكير في الفلسفي والسياسي من منظور العلاقة الجدلية بين الفلسفة السياسية والسياسة المدنية في أفق انبثاق عقل عام وفضاء عام كشروط ضرورية وأساسية للحداثة؛ دعوة لفلسفة منفتحة رائدها العقل الحر.