كتب : نهى محمود المعايطة / المقدمة: إن المسائل المتعلقة بأوضاع المرأة وحقوقها بدأت ترقى إلى قمة جدول الأعمال العالمي، ولقد كان ذلك نتيجة المؤتمرات المعنية بالمرأة وما بذلته الجماعات النسائية للضغط على المحافل الدولية فيما يتعلق بمسائل المرأة، وزيادة وعي الناس بأهمية تمكين المرأة وتحسين مركزها لتحقيق كامل الامكانات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما أن تمكين المرأة يشكل هدفاً هاماً في حد ذاته، ويشكل عنصراً حاسماً في اية استيراتيجية تسعى إلى حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. كما أن حقوق المرأة أصبحت من الأهداف الأساسية لسياسة التنمية المستدامة. ولم تقف غالبية الدول العربية بعيداً عن هذا التوجه العالمي بالنسبة لقضايا المرأة، بل أخذت هذا المنحنى وبدرجات متفاوتة وبما يتلاءم مع الموروث التاريخي القيمي والحضاري للمجتمع العربي، بحيث لا يكون هذا التوجه تقليداً غير واع وغير منسجم مع البيئة الاجتماعية والثقافية والحضارية . وللوقوف على أوضاع المرأة العربية ومدى ما وصلت إليه الآن فلا بد من معرفة الدور الذي قامت به، وربط هذا الدور بتطور الأوضاع التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأقطار العربية، ومدى تأثير هذه العوامل على وضع المرأة، فلا بد من الاستناد إلى بيانات ومعلومات ومجموعة من المؤشرات القطرية المتعلقة بالفئات العمرية، وذلك لفهم حالة المرأة في كل قطر عربي على حده. ولا شك أن أوضاع المرأة العربية تكاد تكون متشابهة في غالبية الأقطار العربية مع وجود بعض الاختلافات بين قطر وآخر ، وبالتالي فإننا سنتناول في هذه الورقة وضع المرأة مرتبطاً بالعوامل المؤثرة في تطوير أوضاعها وهي : 1 . التعليم. 2. الصحة. 3. العمل والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية . 4. المرأة الفقر. 5. المرأة في المناصب القيادية، ومراكز صنع القرار وفي البرلمان. 6. المشاركة في السياسة. وإننا نطلب من قارئي هذه الورقة العذر إذا لم تتوفر الإحصاءات والبيانات التي تعطي مؤشرات عن وضع المرأة على مستوى كل قطر. إننا سنحاول أن نعطي المؤشرات المتوفرة التي تدعم ربط العوامل المؤثرة بوضع المرأة ما أمكن ولو على مستوى بلد واحد كنموذج. المرأة العربية والتعليم : تبقى قضية التعليم هي القضية المحورية التي تحسم مدى فعالية ومشاركة المرأة في عملية التنمية، ومن هنا تعتبر أمية المرأة من أهم المعوقات التي تحول دون مشاركتها في اوجه الحياة وميادينها ، بالرغم من وجود القوانين التي تعطي المرأة الحق في التعليم والعمل. وإذا ما تطرقنا إلى الأمية بين النساء على مستوى الوطن العربي فإننا نجدها تختلف من قطر إلى آخر، ويرتبط ذلك بعدد السكان والظروف الاجتماعية والاقتصادية. وحسب تقرير الأممالمتحدة فإن نسبة الأمية بين الإناث في الفئة العمرية مابين سن (15 – 64) تصل إلى (52%) في حين تصل بين الرجال إلى 29%. أي أن الفجوة بين أمية النساء والرجال تقدر بحوالي 23% ، وكما هو معروف بأن هناك مسببات للأمية منها العامل الاقتصادي والزيادة السكانية والسياسات التعليمية والعوامل الاجتماعية وغيرها الكثير.ولا شك بأن هناك تقدماً ملحوظاً قد تحقق بالنسبة لتعليم المرأة على مستوى كافة الأقطار العربية خلال العقدين الماضيين. وتشير الإحصائيات أن معدل التحاق الإناث في التعليم الأساسي على مستوى الوطن العربي قد ارتفع من 67% في العام 1980 إلى 76.3% في العام 1996، في حين بلغت نسبة الذكور حوالي 89.5% عام 1985، ووصلت إلى 91.9% في العام 1996، وهذه الأرقام تشير إلى فجوة بين إلتحاق الذكور في التعليم الأساسي تقدر بحوالي 15.6% حسب احصائيات عام 1996. كما ارتفعت نسبة إلتحاق الإناث في التعليم المتوسط على مستوى العالم العربي من 29.5% إلى 49.5% بين عامي 1980 و 1996 ، في حين بلغت نسبة إلتحاق الذكور 15.2% ، وبالتالي فإن الفجوة بين الإناث والذكور هي 43%. وعلى أية حال يمكن القوم بأن الفرص التعليمية التي أتيحت للمرأة وعلى كافة المستويات وفي مختلف الأقطار العربية قد أدت إلى تحسين كبير في أوضاعها الحياتية الصحية والاجتماعية والأسرية والمعيشية كما أتاحت لها الوصول إلى فرص العمل . إلا أن ذلك بقي بشكل غيرمكتمل ولا يصل إلى درجة عالية من التوازن مع الرجل، وهنا تأتي أهمية إيلاء السياسات والبرامج الحكومية الأهمية التي تحقق التوازن في ربط مخرجات التعليم بفرص العمل لكلا الجنسين. كما يدور تساؤل آخر حول مدى امكانية وصول المرأة إلى واتاحة الفرصالتعليمية لها لاستخدامات التكنولوجيا الحديثة. وتوفير المعاهد التدريبية المتخصصة للإناث لتطوير مهارتهن في ذلك المجال وربطها بالتحصيل الأكاديمي وفرص التشغيل. ولاشك بأن هذه احد القضايا التي يجب إيجاد الحلول المناسبة لها من اجل تطوير أوضاع المراة. المرأة العربية والوضع الصحي : إذا كان التعليم يشكل عاملاً أساسياً في مشاركة المرأة في عملية التنمية فإن الوضع الصحي للمرأة يشكل العامل الحاسم في مسيرة حياتها العامة والخاصة وذلك منذ ولادتها وحتى الوفاة. ولقد عرفت منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها حالة اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز . وتعتبر الصحة ليست فقط حقوق الإنسان ولكنها مسؤولية كل فرد، لا شك في أن صحة المرأة على مستوى الوطن العربي قد تحسنت تحسناً كبيراً خلال العقد الأخير، إلا أن الوعي مازال في حاجة إلى الإرتقاء به سواء للحفاظ على الإنجازات الصحية التي تحققت أو تحسينها وإشراك المجتمع وبكل مؤسساته وأفراده للنهوض بهذا الوعي، وترتبط الناحية الصحية بعوامل عديدة تؤثر وتتأثر بها البيئة الحيطة وخدمات البيئة الأساسية من مأوى، صرف صحي، مواصلات واتصالات، الحالة الاقتصادية، التعليم،الفقر، الخ...ولقد تطورت الأحوال الصحية للمرأة على مستوى الوطن العربي تطوراً كبيراً خلال العقدين الماضيين، حيث تعبر المؤشرات الصحية عن هذا التطور فمتوسط العمر المتوقع عند الولادة على مستوى الأقطار العربية بالنسبة للإناث قد ارتفع من 63.5% في عام 1990 إلى 68.5% في العالم 2000، ومن المتوقع أن يصل إلى 71.6% في العام 2010. وبالرغم من كل هذه المؤشرات الإيجابية الدالة على تمتع الإناث بوضع صحي جيد إلا أن هناك محاذير عديدة تهدد صحة الإناث في مراحل مختلفة من عمرها وخاصة في المناطق الريفية، ومنها (نقص التغذية، الأنيميا، الحمل المبكر، احتمال الوفاة عند الولادة، تعدد الأحمال، سرطانات عنق الرحم والمخاطر الصحية المتعلقة بالصحة الإنجابية. وهذا كله ناتج عن وجود فجوة في الخدمات الوقائية والعلاجية فيما يتعلق بالأمراض المقصورة بيولوجيا على المرأة. كما لا يفوتني التنويه إلى المخاطر التي تواجه المرأة في بعض الأقطار العربية وخاصة المرأة الفلسطينية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي البغيض حيث انخفضت الخدمات الأساسية المقدمة في مجال التعليم بنسبة 10% وفي المجال الصحي بنسبة 22% وحرمت النساء على وجه التحديد من تلقي العلاجات الوقائية والاستشفائية الضرورية أثناء الحمل والولادة، مما انعكس بالضرورة على نسبة وفيات النساء والأطفال. كما أن العراقية واجهت وتواجه مخاطر صحية نتيجة الحصار الطويل الأجل والمفروض على الشعب العراقي . المرأة والعمل والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية: إن حصول المرأة على العمل المدفوع الأجر أمر حاسم لتحقيق الاعتماد على الذات، ورفاه أفراد الأسرة المعالين، ولكن من الملاحظ على مستوى الوطن العربي ككل وخاصة في المناطق الريفية أن شطراً كبيراً من عمل المرأة يقع في الوظائف المنخفضة الأجر أو غير المدفوعة الأجر. ومعظم هذه الأعمال تكون في الزراعة والمشاريع الأسرية والقطاع غير الرسمي مما يقلل من فرص المرأة في الادخار أو الحصول على ائتمان أو استثمار. وتشير الاحصاءات والمسوح الدورية التي تجري في بعض الدول العربية إلى مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي لاتزال مساهمة محدودة في بعض الدول وهامشية في البعض الآخر . حيث تتراوح المعدلات المسجلة مابين 3.6% في بعض الأقطار العربية و 14% في أقطار أخرى، وهذا يعني أن متوسط المعدل العام لمساهمة المرأة على المستوى القومي يتراوح حول نسبة 9%. وهذا المعدل يعتبر متدنياً جداً عند أية مقارنة، حيث أن معدل مساهمة النساء في العالم الثالث حوالي 26% وفي الدول المتقدمة يتجاوز 40%. كما تشير التقديرات الرسمية لمساهمة المرأة في الأنشطة الاقتصادية إلى تركز المرأة في القطاع الزراعي، وفي قطاعات معينة كقطاع التعليم. وبالرغم مما وصلت إليه المرأة من تعليم وفي تخصصات مختلفة إلا أن عمل المرأة يقتصر على مجالات محددة ومحدودة مثل( التعليم، التمريض، الأعمال اليدوية). وهذا يؤدي إلى "تأنيث الوظائف" مع بعض الاستثناءات في الأقطار العربية. بالإضافة إلى ذلك يلاحظ ارتفاع نسبة الشابات في الهرم العمري للعاملات إلى تعثر الحماية الاجتماعية بوجه عام، وضعف الإفادة من برامج التدريب المهني وإلى وجود تمييز في الوظائف القيادية، وفي سلم الترقي الوظيفي وغيرها الكثير من العقبات التي تقف حائلاً دون احداث التوازن بين الرجل والمرأة في مجال العمل، الأمر الذي يستدعي التوصية للحكومات بانتهاج سياسيات منصفة للمرأة في مجال العمل والمشاركة الاقتصادية. المرأة والفقر: لقد ادت الأزمات الاقتصادية التي واجهت العديد من الأقطار العربية إلى آثار سلبية على المستوى المعيشي للكثيرين من فئات المجتمع، كما أدى إلى تقليص فرص العمل وشيوع ظاهرة البطالة والفقر. كما ازداد الأمر سواء جراء حرب الخليج وما خلفته من آثار بشكل عام على مستوى التنمية، كما تأثر الأردن والعديد من الأقطار العربية من الحصار المفروض على العرق، وإن تدمير الاقتصاد الفلسطيني والذي يجري حالياً وبشكل منتظم ومتعمد قد أدى أيضاً إلى زيادة حالات الفقر، وقد أثبتت العديد من الدراسات بأن النساء هي الأكثر تأثراً بين مختلف فئات المجتمع بظاهرتي البطالة والفقر. خاصة بين النساء المعيلات لأسر أو ما يمكن نسميه ربات الأسر. وتشير الاحصاءات بأن نسبة النساء المعيلات لأسر على مستوى الوطن العربي ككل تشكل حوالي 12.5% من مجموع النساء، وأن معدل حجم الأسرة التي تعيلها هؤلاء النساء يصل إلى 5 أفراد.وهذا يعني أن مزيداً من أعباء الفقر يقع على كاهل هؤلاء النسوة وأسرهن، وكما ذكر سابقاً بأن نسبة مساهمة المرأة في القوى العاملة لا تتجاوز 9%، وهذا يعني ندرة فرص العمل المتاحة أمامها. وبالتالي فإن وضع المرأة في التنمية الشاملة لم يتم استيعابه بعد، كما إن بعض المؤسسات إن لم يكن غالبيتها تحاول حل مشكلة البطالة على حساب المرأة. كما أن هناك تغييب للمرأة في معظم الأحيان عن مجالات صنع القرار الاقتصادي مما يؤدي إلى مزيد من الفقر والظروف المعيشية غير المقبولة وغالباً ماتكون ضحاياه النساء. ومن هنا تأتي أهمية بلورة خطط قصيرة ومتوسطة المدى وبعيدة المدى من جانب الحكومات، واعتماد استراتيجيات إنمائية تهتم باحتياجات وجهود المرأة التي تعيش تحت خط الفقر، والعمل على دعم الأسر التي ترأسها امرأة، واعتماد تدابيرلإدماج النساء اللاتي يعشن تحت خط الفقر والمهشمة اجتماعياً في قوى اللعمالة المنتجة، وإعداد المشاريع التنموية التي تهدف إلى إشراك أكبر قطاع من النساء في هذه المشاريع لزيادة دخل أسرهن. المرأة في المناصب القيادية ومراكز صنع القرار وفي البرلمان: إن وجود المرأة في مراز صنع القرار والبرلمان وغيرها من المناصب الإدارية العليا لهو مقياس للسلطة والنفوذ، وإذا ما استعرضنا واقع المرأة العربية في هذه المراكز، فإننا نرى أنها لم تحظ إلا بالقليل من هذه المراكز بالرغم مما وصلت إليه من مستوى تعليمي متقدم وأن هذا القليل إما يأتي بالتعيين أو بالاختيار في معظم الأحيان . ولازالت المحاولات التي تبذلها المرأة في الوصول إلى هذه المراكز وإلى قبة البرلمان تصطدم بغقبات وعوائق عديدة بعضها عوائق مجتمعية موروثة، والبعض الآخر عوائق جراء سياسات حكومية. وبالرغم من الدعم والتأييد من قبل القيادات وبالرغم من النصوص الدستورية التي أعطت المرأة الحق في الترشيح والانتخاب، فلا زال على المرأة أن تسعى وبكل جهد وتوحد الصفوف وتنسق فيما بين منظماتها النسائية، وتحاور بديمقراطية، وتعمل على الإقناع وتوعية الجمهور حتى تحقق أهدافها. المرأة والمشاركة السياسية: لقد شهد المجتمع الأردني في العقود الثلاثة الماضية كما هو الحال في بعض البلدان العربية تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية مهمة، واتجهت بعض الأقطار العربية ومنها الأردن إلى النهج الديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى زيادة مشاركة المرأة في نواحي الحياة العامة ( الاقتصادية والاجتماعية) . أما على الصعيد السياسي فإن مشاركة المرأة لازالت محدودة بالرغم من التوجه الديمقراطي، والذي يتطلب مشاركة فعالة من قبل المرأة كونها تشكل جزءاً كبيراً وهاماً من المجتمع . ومن خلال استعراض دور الهيئات النسائية في الحياة العامة نرى أن هذه المنظمات قد اضطلعت بدور هام ورئيسي في الحياة العامة من خلال ما قدمته هذه الهيئات والجمعيات النسائية من برامج وخدمات. أما على صعيد مشاركة المرأة في الحياة السياسية، فتشير الإحصاءات المتوفرة عن الأردن بأن سبة مشاركة المرأة في البرلمان (مجلس الأعيان والنواب) تشكل 2.5%، كما أن نسبة مشاركة المرأة في مؤسسات المجتمع البدني قد وصلت إلى 18.7% في النقابات المهنية، و 27% في نقابات العمال، و 18.8% في المنظمات غير الحكومية، و2% في المجالس البدية والقروية، و10% في الأحزاب (الأعضاء المؤسسين). ونظراً لعدم توافر إحصائيات عن بقية الدول العربية، ونظراً لعدم وجود فروقات جوهرية كبيرة بالنسبة لمشاركة المرأة في الحياة السياسية في الدول العربية، فإنه يمكن الاستنتاج بأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية لا زالت دون الطموحات، الأمر الذي يستدعي تفعيل لدورها للمشاركة في الحياة السياسية، وتطوير قانون الانتخابات بما يحقق زيادة في عدد ممثلات الهيئات والقيادات النسائية في مجلسي الأعيان والنواب للمشاركة في صنع القوانين، وصنع القرار السياسيى وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة.