اعتاد المشاهد العربي و المغربي على وجه الخصوص ، على تلقي مشاريع فنية ذات صبغة تدرامية موحدة تكرر سيناريوهاتها الباهتة و المعتادة في جل الأفلام و المسلسلات . قصة حب مستعصية حبلى بالصعاب و شائكة منبداية الفيلم ،لكنها تتوج دائما مباشرة في نهايته بزواج سعيد يعج بالزغاريد و الأغاني الشعبية و الرقصات المحلية ، أو حياة زوجية بغصة المشاكل افتتحت حلقات مسلسل غالبا ما تأتي نهايته على نحو مكرر يلخص في كلمتين "سعادة و هناء" ، وربما لن نبالغ إذا قلنا أن المشاهد أصبحت تتضح له من الوهلة الأولى مجريات القصة و ما سيحدث في باقي الحلقات ، حتى أنه قد يقوم بتخمين النهاية و تصورها . "بحيرتان من دموع" للمخرج الكبير "محمد حسيني" تجربة جميلة استرجعت مجد الفن المغربي ، و عوضت شيئا من النقص الذي طال البرامج الرمضانية لهذا الموسم ، تناول من خلاله المخرج موضوعا حساسا و شائكا يطرح للنقاش بلا جدوى و يعالج من زاوية ضيقة و منظور متزمت ، طرح وضعية المراهق بعيدا عن الرؤية التقليدية و المنطق الروتيني الذي يجعل من المراهق كائنا على الخطأ دائما متكل و نحو الهاوية موجه بقراراته الارتجالية في هذه الحياة .و اعتمادا على أنظمة تكنولوجية متطورة و قدرة كبيرة على انتقاءأماكن التصوير و اعتماد على وجوه شابة ، قدم للمغاربة هذا الفيلم الذي حقق نجاحا كبيرا في قاعات السينما لحسن سلوكه و خلوه من المشاهد الساخنة المخلة بالحياء ، والأكثر من ذلك هو تقديمه للجهات المسؤولة عن تدني سلوك المراهق و عدم قدرته على التفاهم و مختلف الأطراف التي تتشارك معه الحياة و مشوار العمر، بل أكثر من ذلك أنه لم يعامل المراهق كمذنب وحيد ، بل جعله بمثابة ضحية لشيء مهم يدور ضمن مدار الضعف التواصلي و انفصام العلاقات داخل العائلات المغربية، مسلطا الضوء على أمر جدير بالتقدير و هو تقيد المراهق بتأثيرات خارجية و تأثره بتيارات عابرة و طريقة تفكيره التي تنافي تماما ما يدور بلب الكبار الناضجين و الراشدين ،القادرين على اتخاذ القرارات و التشبث بها و تحمل كامل المسؤولية و القدرة على مواجهة العواقب . و قد يكون الأمر الأكثر إثارة في هذا الفيلم هو تقديمه للوضعية المغربية الواقعية بعيدا عن تلك التصورات الخيالية التي ما تلبث تتبدد بمجرد ما يتعلق الأمر بالجانب العملي و حيز التطبيق الفعلي ، إذ صور لنا وضعية اختلاف الأجيال ، و ما يحمله صراع العادات و التقاليد مع التحرر و الانفتاح بين ثناياه من تنافر و تناقض، يمكنه أن يفض بربط جسور الحوار و تمديد أواصر العلاقات العائلية و محاولة خلق حوار فعال و ايجابي فيه من التسامح و الرغبة في الاقتناع ما يعفي المراهق الانسياق نحو ممارسات لا يحمد عقباها و يجنب الآباء الشعور بالتذمر نحو فلذات أكبادهم، لأن مشكل الحوار يبقى الأكثر صعوبة و تعقيدا بين صفوف المجتمعات العربية و المغربية خاصة .