بقلم : ادريس بوطور في نسختها الثالثة سنة 2002 وشحت مجلة "اسيف " الوطني الأسفي محمد امجيد بوسام العدد، ولم يكن هذا التوشيح اعتباطا أو تزلفا، بل كان اعترافا بالجميل وبمكانته التي نقش محطاتها على صخر التاريخ، وتقديرا لنضاله السياسي والجمعوي والرياضي، واعتزازا بالرجل الأسفي الصامد أمام المغريات من أجل تطور ورقي المغرب الحبيب. مسار حياة متميزة، استحقت بجدارة العديد من الأوسمة والتوشيحات، ومحطات تاريخية ساطعة نحو هدف واحد هو الإسهام بفعالية وتضحية ونكران للذات في تأسيس دعامات صلدة للحركة الوطنية وفكرها وفلسفتها لبناء المغرب الحديث و المعاصر. ولم يكن هذا الإسهام الوطني أمرا مصطنعا بل كان نابعا عن تربيته ونشأته الأولى منذ ولادته أواخر العقد الثاني من القرن العشرين بآسفي في بيت علم وثقافة وأصالة، كما أن دراسته بثانوية مولاي يوسف بالرباط و ثانوية مولاي ادريس بفاس أتاحت له فرصة لقاء رواد الفكر الوطني و السياسي المغربي، وجعلته يمتح من منابعه الصرفة الأصيلة. كان مؤمنا بالقيمة الغالية للشباب في رقي المغرب و تقدمه، وبعملية التربية و التعليم و التكوين الفكري للشباب كرافعة أساسية لبناء المغرب المعاصر، كان يعتبر الأنشطة الرياضية بالأحياء الشعبية مرتعا خصبا لنشر الفكر الوطني وحب العلم المغربي ورموزه. كان يعتبر تعلم اللغات وإتقانها إلى جانب العربية وسيلة قوية للنضال ضد سائر اشكال التمييز و الإقصاء، ومفتاحا للإنعتاق والحرية من سائر أشكال الحيف و الاستبداد. وكسائر رجال الحركة الوطنية تعرض محمد امجيد للتنكيل و القمع تارة وللمساومة والإغراء تارة أخرى، لكنه بقي صامدا على عزة نفسه لتحقيق عزة وسيادة المغرب المعاصر. مسار حياة سي محمد امجيد ومحطاته زاخرة بالعطاء و البذل من أجل المغرب ، ولن تكفيني هذه السطور المتواضعة للوقوف عندها وتدبرها وإيفاء الرجل حقه. إلا أنني سأورد للقارئ محطة خاصة سجلها التاريخ في يوم واحد، ومن خلالها نستشف تشبع سي محمد امجيد بحب المغرب والاعتزاز بالحرية و الانعتاق. كان المحامي الفرنسي الأستاذ جون شارل لوكران المدافع الجسور عن رجال الحركة الوطنية المغربية أمام محاكم الحماية الفرنسية . وبعد حصول المغرب على استقلاله كان اعتراف هؤلاء الرجال بالجميل وهو من شيم وسجايا المغاربة فتمت دعوته لزيارة المغرب حيث لقي استقبالا حماسيا من طرف رجال الحركة الوطنية وخاصة في مدن الدارالبيضاء ومراكش وأسفي وفي هذه المدينة الأخيرة أسفي كان اللقاء يوم 4 يناير 1956 تحت إشراف وتنظيم الوطني الاسفي محمد امجيد الذي ارتجل كلمة باللغة الفرنسية أمام الاستاذ جون شارل لوكران والحاضرين ومن ضمن ما جاء فيها: أيها الصديق العزيز إنك بدفاعك النزيه و المستميت عن رجال الحركة الوطنية خلال السنوات الثلاثة الاخيرة للحماية الفرنسية بالمغرب قد شكلت لهذا الشعب النبيل رمزا للشجاعة و الشهامة و التضحية و العدالة، لقد جهرت بالحق وصدعت بالحقيقة...كنت مدافعا عن جنود الايمان، جنود سلطاننا المعظم سيدي محمد بن يوسف، لقد خاطرت مرارا بحياتك من أجلنا ونحن لن ننساك أبدا ... كانت مرافعاتك وأنت تدافع عن رجال الحركة الوطنية بمثابة وثيقة لمشروعية قضيتنا التي نكافح من أجلها ...إنك بإجهارك للحق والانصاف كمحامي فرنسي أنقذت صورة فرنسا التي نحبها والتي شوهتها التصرفات اللانسانية لبعض مسؤوليها... ادعوك اليوم وأنت على ارض المغرب المستقل الذي دافعت عن رجاله الاحرار أن تقبل اعتزازنا وافتخارنا وامتناننا لكل ما قدمت لنا ... انتهت كلمة سي محمد امجيد. مسارحياة متميزة عاشها محمد أمجيد مترفعا عن السفاسف و الدناءات، شامخا بعزة نفس وإباء ونظرا لأن لكل أجل كتاب فقد شاءت إرادة الله الخالق ان يرحل عنا الوطني محمد امجيد يوم الخميس 20 مارس 2014 إلى دار البقاء ، تغمده الله برحمته الواسعة وجزاه عنا خير الجزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون.