يختلف محمد امجيد عن بقية الشخصيات التي طبعت تاريخ المغرب بتنوع اهتماماته، فالرجل، على الرغم من تقدمه في السن، يعتبر ذاكرة حية يتعايش داخلها السياسي والرياضي والاجتماعي. بدأ امجيد حياته مناضلا إلى جانب المهدي بنبركة، وانتهى به المطاف فاعلا جمعويا، وخاض معارك ضارية ضد إدريس البصري، تارة، وضد الأحزاب السياسية، تارة أخرى، رغم أنه مارس السلطة ونال، طيلة ولاية كاملة، صفة نائب محترم.. تلك التي يمقتها. «المساء» تجوب تضاريس مسار شخص يملك أكثر من قبعة، ويرفض المغادرة الطوعية لكل أوجه النشاط. - أنت ابن مدينة آسفي لكن أغلب أنشطتك تمارس بعيدا عن هذه المدينة، أليس لعاصمة عبدة حق عليك؟ < فعلا، أنا أعترف بأنني لا أعطي أهمية كبيرة لمدينة آسفي رغم أنني قمت بأنشطة هناك، لكن للمدينة رجالاتها، وأنا أرفض أن تلتصق بي صفة ناشط جمعوي أو رياضي محلي، فأنا ابن الوطن وأريد أن أخدم ساكنته من طنجة إلى الكويرة.. أنظر إلى تلك الخريطة الموجودة على الحائط سترى أن أنشطة المؤسسة المغربية لشباب المبادرة والتنمية تصل إلى المغرب العميق. فبينما أنت تحاورني تلقيت اتصالا هاتفيا من مراكش، واستجابة لدعوته فإني سأرحل إلى منطقة الحوز للقيام بإحدى المبادرات الاجتماعية، وبعد ذلك سأنتقل إلى شيشاوة للمشاركة في نشاط بمركز الطاهر بنجلون الذي تديره زوجة الأديب الراحل؟، ومنه إلى أيت باها ثم إلى قلعة السراغنة فسيدي قاسم. وهكذا فمتى اتصل بي أي شخص أو مؤسسة فإنني لا أتردد في تلبية الدعوة وتقديم المساعدة حسب الإمكانيات، وإن باستشارة أو كلمة طيبة. إذن، أنا ابن آسفي وابن كل المدن المغربية. - هل الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة امجيد تسير في نفس مسار الاستراتيجية المسطرة من طرف الوزارة الوصية على القطاع الاجتماعي؟ < اسمع، أنا حين أتوجه إلى مناطق مختلفة من المغرب العميق، أول باب أطرقه هو باب مكتب العامل، أي السلطة، فالأخيرة هي المكلفة بتنفيذ سياسة الحكومة على المستوى الإقليمي والجهوي، ويجب عليها أن تسترجع دورها. حين أقمنا نشاطا اجتماعيا في مرزوكة وأرفود، كنا على اتصال مباشر بالسلطات وليس بجهاز آخر في العاصمة. نحن، كما قلت لك مرارا، لا نمارس العمل الاجتماعي في ندوات بالفنادق الفخمة، بل بالتعاطي المباشرة مع المواطنين البسطاء. الآن، توجد مؤسستنا في الشاون في حملة مع بيطري أمريكي لمعالجة وتلقيح مواشي الفلاحين الضعفاء مجانا.. هذه هي سياسة القرب التي نادى بها ملك البلاد. - هل تتلقى مؤسسة امجيد دعما ماليا من الحكومة؟ < إلى حد الساعة، أعتمد في جمع الموارد على الأصدقاء والإخوان من أجل مساعدتي على ترجمة البرامج الاجتماعية إلى فعل ملموس، والحمد لله على أن الكثير من الأشخاص يضعون ثقتهم في امجيد. - ولكن المؤسسة مرتبطة بامجيد الشخص، هل تفكر في مرحلة ما بعد امجيد؟ < نحن نفكر في الاستمرارية ووضعنا هياكل من شأنها أن تضمن بقاء المؤسسة وتواصل حضورها في ميدان العمل الاجتماعي، فلدينا كفاءات شابة قادرة على تقديم الكثير إلى هذا الوطن، وحتى في جامعة التنس سلمت المشعل إلى العرايشي وإلى جيل آخر، وظل التواصل قائما بيننا لما فيه مصلحة اللعبة، بحيث يمكن اللجوء إلى امجيد متى ظهرت حاجة إلى استشارته في موضوع ما. - هل صحيح أن مؤسسة امجيد تسعى إلى توسيع نشاطها في الخارج، من خلال مبادرات مع الجالية المغربية المقيمة بالخارج؟ < لا أبدا، ليست لمؤسسة امجيد الإمكانيات الكافية لإنجاز مشاريع تنموية في الخارج، «ها العار نتكفاو غير مع الداخيل». لقد عدت مؤخرا من جنيف حيث أبرمت شراكة مع هيئة مهمة، ولي أصدقاء يمثلون المؤسسة في الخارج، لكن الهدف هو إقامة مشاريع تنموية في المغرب لفائدة البسطاء، لأنني آمنت بأن المجال الخصب للعمل الاجتماعي هو البادية وليس المدينة، فحين ألتقي بسكان بعض المناطق الفقيرة جدا يطلبون مني أن أبلغ المسؤولين أنهم يعانون وأن فراشهم الأرض وغطاءهم السماء، كيف لا نقدم العون إلى هؤلاء؟ ثم إن الحملات الطبية التي اعتاد البعض على القيام بها لفائدة البشر، نقوم بها نحن ولكن لفائدة الحيوان، مصدر رزق الفلاحين والكسابين في البوادي المغربية. - كان رشيد لمرابط مرشحا لخلافتك على رأس جامعة التنس وفجأة صعدت أسهم العرايشي، لكن المكتب المسير الذي تم اختياره من طرفك للعمل مع لمرابط لم يتغير، ما السر في ذلك؟ < لمرابط لديه مسؤوليات ومهام كبرى في قطاع التعليم العالي، فهو يشرف على المعهد العالي للتجارة والمقاولات في كل من الدارالبيضاء والرباط وفي مدن أخرى، وهو يقول دائما إنه رهن إشارة التنس المغربي. ثم إنني لست الوحيد الذي اختار مكونات المكتب الجامعي، فقد كانت هناك استشارة، علما بأن العرايشي وغيره من الأسماء ليسوا غرباء عن التنس، فهناك تعاملات بيننا تعود إلى سنوات، وقد تم الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى دون أي مشاكل، وهو ما يسمى بالانتقال السلس بلغة السياسيين. - ما هو الموقف الطريف الذي حدث لك خلال مسارك كرئيس لجامعة التنس؟ < هي في الواقع مواقف عديدة، وقد حدثت بشكل خاص خلال اجتماعات الاتحاد العربي للتنس، حيث كنت أنا ورئيس الجامعة التونسية نعجز عن مجاراة النقاش باللغة العربية واللهجات المحلية لكل بلد، وكلما أخذت الكلمة إلا وتحدثت باللغة الفرنسية مما حول الأعضاء إلى مستمعين لا يفهمون ما أقوله، بل إنني كنت، في إحدى المرات، بصدد وضع برمجة بطولة عربية للتنس، وبرمجت مسابقة في السعودية فأثار أمرها انتفاضة رئيس الاتحاد السعودي، لأنها تزامنت مع موسم الحج، وأذكر أن المسؤول السعودي انتفض غاضبا وهو يلومني لأنني لم أضع الموسم في الاعتبار خلال تسطير البرنامج. - تسلمت من الملك محمد السادس وساما شرفيا، ماذا قال لك محمد السادس أثناء توشيحك؟ < سألني إن كان سبق لي أن نلت وساما من الملك الراحل، فقلت له نعم لقد سبق للحسن الثاني أن وشح صدري بوسام الرياضة سنة 1972، خلال مباراة نهائية لكرة القدم إلى جانب النجم بيكنباور، فرد علي بالقول: «إن شاء الله تكون من بين الموشحين في مناسبات أخرى»، فقلت: إن شاء الله «ماجيستي». - هل صحيح أن الملك طلب منك أن ترتاح من مسؤوليتك في المجال الرياضي؟ < لا أبدا، لأنه يقدر العمل الذي أقوم به في المجالين الاجتماعي والرياضي والذي يتماشى وسياسته في تدبير الشأن المحلي. لقد تم توشيحي بوسام قدمه الملك إلى رؤساء الدول الشقيقة وإلى بعض السفراء، وهو ما يجعلني فخورا بهذه الالتفاتة التي أعتبرها تكريما لي وتقديرا لمساري في المجالين الرياضي والاجتماعي. - ماذا تتابع الآن؟ < للأسف، أتابع المعارك التي أصبحت المجالس البلدية مسرحا لها، وأقول من هذا المنبر إن ما يقع يؤكد أن مجموعة كبيرة من المنتخبين نسيت فور فوزها ما كانت تردده على مسامع المواطنين من ضرورة التحلي بروح الوطنية، كاشفة عن قناع آخر سيجعل الناخبين ينفرون من الانتخابات ولاسيما أمام تنامي سلوكات لا يمكن أن نصفها إلا ب«الإجرامية». - في كلمة أخيرة بعد انتهاء جلسات كرسي الاعتراف، ما هي ردود فعل أصدقائك بعد تعرفهم على مسارك في سلسلة من الحلقات؟ < قبل ساعة من زيارتك، قابلت أحد الأشخاص وهو ينتمي إلى حي شعبي عريق بالدارالبيضاء، فقال لي بالحرف إنه يتابع، إلى جانب مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين، حلقات كرسي الاعتراف من خلال قراءة الجريدة في المقهى، وإنه يفكر، رفقة مجموعة من الإخوان، في كتابة سيرة ذاتية لامجيد، الحمد لله الناس «متبعين».