يختلف محمد امجيد عن بقية الشخصيات التي طبعت تاريخ المغرب بتنوع اهتماماته، فالرجل، على الرغم من تقدمه في السن، يعتبر ذاكرة حية يتعايش داخلها السياسي والرياضي والاجتماعي. بدأ امجيد حياته مناضلا إلى جانب المهدي بنبركة، وانتهى به المطاف فاعلا جمعويا، وخاض معارك ضارية ضد إدريس البصري، تارة، وضد الأحزاب السياسية، تارة أخرى، رغم أنه مارس السلطة ونال، طيلة ولاية كاملة، صفة نائب محترم.. تلك التي يمقتها. «المساء» تجوب تضاريس مسار شخص يملك أكثر من قبعة، ويرفض المغادرة الطوعية لكل أوجه النشاط. - ما هي طبيعة العلاقة التي كانت تربطك بالملك الراحل الحسن الثاني؟ < كانت علاقتي بالحسن الثاني رحمه الله ممتازة، وقد قابلني مرارا وطرح علي مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالوضع داخل البلاد، وكان يصغي لآرائي ويثق بها، لأنني أقدم الحقائق كما هي دون تزييف أو صباغة. - ما هي المواضيع التي كان يستفسرك حولها؟ < سألني في سنة 1970، مثلا، عن وضعية السياحة وعن سبب تراجع هذا القطاع الذي كان المغرب يعول عليه في جلب العملة الصعبة، فقلت له إن السياحة تعاني مجموعة من الصعوبات، وقدمت تشخيصا للوضع بدءا بغلاء تذاكر السفر وصولا إلى معاناة المهنيين. وأذكر أنه قال لي إن بعض التقارير التي تصله غالبا ما تكون كاذبة، ونادى على لزرق، مدير القرض العقاري والسياحي، الذي توفي سنة 1971 في انقلاب الصخيرات، وقال له: عليك أن تتصل بامجيد من أجل التعاون في المجال السياحي. - لماذا تتم استشارتك في شأن القطاع السياحي؟ < لأنني كنت من مهنيي السياحة المغربية وكنت أملك فندقا يدعى «لاسييندا» في مدينة أكادير. مرة تلقيت اتصالا هاتفيا من مولاي أحمد العلوي، قال لي فيه إن الملك يتواجد في مدينة تارودانت وقرر تناول وجبة العشاء في الفندق الذي أملكه في أكادير، قلت إنه لشيء عظيم أن يقع اختيار العائلة الملكية على فندقي البسيط، وكانت تلك أول مرة يتناول فيها الملك وجبة بمطعم عمومي. ثم طلب مني مولاي أحمد إعداد الوجبات كي يطلع عليها الملك. وفعلا عرضت عليه اللائحة ووافق عليها تقريبا كلها، كما اشترط أن يكون الحسن الثاني في الفندق لوحده دون زبائن آخرين، لهذا كنت مضطرا إلى توزيع «بونات» العشاء على بقية زبائني ودعوتهم إلى تناول وجباتهم خارج المطعم بعد أن أخبرتهم بأسباب هذا الإجراء الخارج عن إرادة الفندق طبعا، فلم يعترض أحد واعتبروا تواجدهم في فندق اختاره الملك لتناول وجبة العشاء ذكرى تستحق التدوين. بعدها زارني أفراد من الشرطة وقاموا بالترتيبات الأمنية اللازمة، ومنهم من أخذ موقعه خلف الأشجار. انتظرت مجيء الملك في موكب صاخب محاطا بالدراجات النارية، لكنني فوجئت به يصل على متن سيارة من نوع فيات صغيرة وبرفقته مولاي حفيظ العلوي الذي كان يشغل منصب وزير القصور والتشريفات والأوسمة. اقترب من الفندق ووجدنا في انتظاره.. كانت ابنتي أسماء وابني كريم لايزالان صغيري السن. ولدى وصوله أهدته أسماء باقة ورد، وحين تسلمها وخزته شوكة وآلمته، فقلت في قرارة نفسي «الله يحضر السلامة». - ماذا كان الهدف من اختيار الملك لمطعم عمومي؟ < لا أعرف، لكني أعتقد أنه أراد أن يغير العادات ويتناول وجبة عشاء خارج محيط القصر. أذكر أنه قبل أن يجلس حول المائدة، قام بجولة عبر مرافق الفندق والمطعم ودخل إلى المطبخ حيث صافح، جميع العاملين وسألهم عن عددهم، قبل أن يمنحهم غلافا ماليا وزعوه في ما بينهم. وحين كان يتجول بين مرافق الفندق، قرر ابني كريم أن يشارك في هذا الاستقبال على غرار شقيقته التي أهدت الملك الراحل إكليل ورد في باب الفندق، فسلمه من جانبه مفتاح إحدى الغرف وقال له «بونجور»، فقلت له صافحه بما يليق، إنه الملك؛ فرد علي وكان لايزال بعد طفلا: «أعرف أنه الملك». وأذكر أن الراحل أعجب ببساطة الفندق وأثاثه التقليدي. - سلمك الحسن الثاني وساما بعد ذلك، بأية مناسبة؟ < سلمني الملك الحسن الثانيوسام الرياضة من الدرجة الممتازة، وذلك في المباراة النهائية لكأس العرش سنة 1972، بالملعب الشرفي بالدار البيضاء، وكان إلى جانبي النجم العالمي بيكنباور الذي نال نفس التتويج. لقد كان المشتغلون في الرياضة في تلك الحقبة الزمنية أشبه بالمجاهدين لأن الرياضة كانت تعتمد على مسير الشكارة في غياب المدعمين والمستشهرين. - هل كان الملك الراحل يمارس لعبة التنس؟ < نعم كان رياضيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل إنه مارس التنس في أكثر من مناسبة، لكن ادريس البصري، وزير الداخلية الأسبق، كان يحبب إليه حفر الغولف. - هل كنت تحضر إلى ملاعب الغولف خلال المناسبات الرياضية رغم خلافك مع البصري الذي كان رئيسا للجامعة الملكية المغربية للكولف؟ < التقيت الملك مرارا في مناسبات عديدة بملاعب الغولف، ودار بيننا حديث عابر، لكنه كان يعرف مواقفي من الغولف ومن رئيس الجامعة ادريس البصري، الذي جعل من كأس الحسن الثاني فرصة لممارسة سلطاته الواسعة على العباد من أجل جمع الأموال، وأنا كنت معارضا لهذا الفكر. - لكن منذ رحيل البصري أصبحت تؤمن بمقولة أذكروا أمواتكم بالخير، أليس كذلك؟ < في زمن البصري والحسن الثاني وفي وقت كانت فيه وزارة الداخلية تمارس سلطات مطلقة في البلاد، كنت من الرافضين للوضع، ولم أتردد في الجهر بالحقيقة. كان البصري مهيب الجانب، يفعل ما يشاء ويحمي من يشاء، وكثير من الصحافيين كانوا يتابعون الموقف في صمت، على غرار بعض الوطنيين الذين قبلوا الوضع وقرروا التعايش معه كي لا يدخلوا في حروب مع أم الوزارات آنذاك. الآن وبعد أن دفن البصري ومات الحسن الثاني، خرج الكثيرون عن صمتهم وشرعوا في انتقاد الوضع السابق. أنا أحتقر هؤلاء لأنني أعرف مواقفهم في زمن البصري وأعرف أنهم كانوا يضعون على أفواههم كمامة، ولهذا فأنا لا أولي اهتماما لخطاباتهم. - كنت من المقربين إلى القصر الملكي، لماذا لم تستعمل هذه الورقة في معاركك مع كمو والسليماني؟ < لا أريد أن أخلط الأوراق، خلافي مع المسؤولين عن المجموعة الحضرية للدار البيضاء هو معركة كنت قادرا على خوضها لوحدي، كنت أعرف أنهم لا يحاربون امجيد، رئيس الجامعة الملكية المغربية للتنس، بل يحاربون 65 في المائة من الشعب المغربي، أي الشباب، لم أكن في حاجة إلى سند لأنني واجهت أشخاصا فقدوا مصداقيتهم لدى المواطنين، رغم أنهم كانوا يختبئون تحت مظلة البصري.. البصري مات والباقون في السجن. - أنت من المدافعين عن الحداثة والديمقراطية، لكنك قضيت فترة طويلة في اللجنة الأولمبية إلى جانب العساكر، كيف تعيش هذه المفارقة؟ < عفوا هناك لبس كبير، لأنني أقرأ بعض الكتابات وهي تتحدث عن العسكر وكأنه كائن غريب، هل العسكري شخص من جنسية أخرى؟ ألا يملك بطاقة وطنية؟ نحن نريد أن يظل العسكري في الحدود يحمي الوطن فقط، دون أن تكون له الحرية في ممارسة النشاط الرياضي الذي يريده، أين هي القوانين التي تمنع رجال الجيش من ممارسة وتسيير الشأن الرياضي أو من الانخراط في العمل الاجتماعي؟ ليس من حق أي شخص أن يحصر عمل العسكر في الحراسة مهما كانت الظروف.