في لحظة اختفاء عابرة وغير معتادة، دخل مؤخراً عميد الرياضة المغربية سي محمد امجيد المستشفى بعد وعكة صحية، اعتقدنا جميعاً، أنه سيعود بعد أن ظل حاضراً على امتداد أزيد من خمسين سنة داخل المشهد الرياضي الوطني عموماً وداخل مجال الكرة الصفراء تحديداً. لكن هذه المرة، قرر الرحيل. كان ذلك صبيحة يوم أمس الخميس، لم يعد للرجل مجالاً للتنفس لإطلاق مستملحاته وخرجاته الإعلامية اللافتة للاستماع والمستفزة أحياناً حتى في حق أقرب مقربيه. امجيد الذي ظل صوتاً متميزاً في المجال الرياضي، بشجاعته وبحذاقته وبلغة الحسم فيه، لم يخلف موعداً ما. ولم يخف قلقه ورأيه في القضايا ذات الحساسية الخاصة، بل لامس في كثير من الأحيان الخطوط الحمراء التي اعتبرها دوماً مجالاً للنقاش والتداول ولو على سبيل التنكيت. في زمن امجيد، كان القرار مستقيماً، بل حاضراً حتى في عز الأزمات المتكررة التي عرفتها رياضة التنس. في زمن امجيد، كان كل شيء ميسراً، بل الضغط على زر الهاتف يكفي بأن تحل الأبواب المغلقة ليعود الجميع إلى لحظة الاشتغال. على مر الزمن، كان سي امجيد يريد أن يكون التنس عالياً، نتذكر حين سقطت دموعه وهو قريب من منصة التتويج، والشاب وقتها هشام أرازي يرفع كأس الحسن الثاني الدولية، كيف مسح دموع الفرح، وهو ظل لأزيد من عقد ينتظر مثل هذا التتويج الغالي على أهل الكرة الصفراء. سي امجيد في ندواته الصحفية، وفي لقاءاته الحميمة بمنزله أو خارجه، كان يصنع الحدث من لاشيء، يصنعه لأنه قادر على صناعة الحدث والخبر معاً. سي امجيد، لم يكن حضوره مقتصراً على ملاعب وسراديب التنس، بل فتح أبوابا عديدة للتضامن للوقوف إلى جانب المهمشين والمقصيين ولأبناء السبيل. سي امجيد، عبر مؤسسة امجيد، اقتحم العوالم الهشة، وهب في كل وقت وحين إلى جلب المساندة والدعم لآلاف المحتاجين في القرى القريبة وفي عوالم المغرب العميق. هكذا كان الرجل، رجل المبادرات الإنسانية النبيلة، رجل دافع عن اللاجئين و المهاجرين والمبعدين. رجل دافع عن القيم النبيلة التي ظلت تسكن صدره الواسع، الصدر الذي منحه قوة لأزيد من تسعين سنة. تسعون سنة، عرف فيها الوطنية الصادقة حين كان شاباً، ومناضلاً في منتصف العمر، وحكيماً في آخر المحطات. هكذا، كان سي امجيد، يقف باستمرار وقفة العناد وقفة المطالب بالحق وبالصدق. سنفتقد سي امجيد بكل تأكيد، في زمن أضحى فيه الإنسان بدون قيمة ، يقل وزنه عن وزن الريشة. كم من دروس سنقف عندها، حين نعي أن الرجل قد رحل إلى العوالم البعيدة، كم من دروس ستخيفنا ونحن نودع رجالاً من قيمة هذا الرجل. رحم الله رجلاً وضع حداً للتنازلات. إنا لله وإنا إليه راجعون.