أوكرانيا لا تمتلك لا الإمكانات المادية ولا التقنية لتصنيع القنبلة الذرية ولا رغبة لأوروبا في مساندة هذه الاستراتيجية في ظل التطورات الجيوسياسية المتسارعة، تصاعد الحديث في الأوساط الإعلامية والسياسية عن إمكانية لجوء أوكرانيا إلى تصنيع القنبلة النووية كوسيلة للتصدي لروسيا عسكريًا. إلا أن هذا السيناريو يبدو بعيد المنال لأسباب متعددة تتعلق بالإمكانات التقنية والمادية، فضلًا عن غياب الدعم الدولي، وخصوصًا الأوروبي، لهذه الاستراتيجية.
من المعروف أن أوكرانيا، التي تعاني من اقتصاد منهك ومجتمع يرزح تحت وطأة الحرب المستمرة، لا تمتلك الإمكانات المادية أو العلمية اللازمة لتطوير برنامج نووي مستقل. فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، تخلت أوكرانيا عن ترسانتها النووية بموجب اتفاقية "بودابست" لضمان أمنها، مما يعني أنها لا تمتلك البنية التحتية أو الكفاءات العلمية المطلوبة لتصنيع الأسلحة النووية. أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في مستقبل أوكرانيا هو موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية. الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يدرك أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تعني تغييرًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه كييف. ترامب، الذي يُعرف بنهجه البراغماتي، كان خلال فترته الرئاسية السابقة أقل حماسًا لدعم أوكرانيا مقارنة بخلفه جو بايدن. العلاقة المتوترة بين ترامب وزيلينسكي، على خلفية قضايا تتعلق بنجل بايدن، تجعل من غير المرجح أن يحصل الرئيس الأوكراني على دعم قوي إذا عاد ترامب إلى السلطة. من جهة أخرى، يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي تتبنى موقفًا أكثر حذرًا تجاه الأزمة الأوكرانية. ففي ظل التداعيات الاقتصادية الناتجة عن الحرب، تقلصت المعاملات التجارية بين أوروبا وروسيا، مما زاد من حدة الأزمات الاقتصادية داخل القارة العجوز. كما أن الاتحاد الأوروبي لا يرغب في دعم مشروع نووي أوكراني قد يزيد من تعقيد الأوضاع ويهدد أمن المنطقة.
الاتحاد الأوروبي، الذي أيد دعم أوكرانيا عسكريًا وماليًا في بداية الحرب، يواجه اليوم تساؤلات حول استدامة هذا الدعم، خاصة مع إدراكه أن أوكرانيا تجر وراءها اقتصادًا هشًا ومجتمعًا منهكًا. كما أن الحاجة إلى إعادة بناء الثقة مع روسيا قد تدفع دولًا أوروبية، مثل ألمانيا، إلى البحث عن حلول دبلوماسية بعيدًا عن التصعيد العسكري. روسيا، من جهتها، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة أوكرانية لتطوير أسلحة نووية. موسكو تعتبر أوكرانيا جزءًا من مجالها الحيوي، ولن تسمح لها بأن تصبح قوة نووية، مهما كانت الظروف. إضافة إلى ذلك، فإن روسيا تمكنت من إعادة توجيه علاقاتها الاقتصادية والتجارية نحو آسيا، مما جعلها أقل تأثرًا بالعقوبات الأوروبية.
على الصعيد الداخلي، تزداد الضغوط على زيلينسكي مع انتهاء ولايته في مايو الماضي وتأجيل الانتخابات الرئاسية بذريعة الأحكام العرفية. المحلل السياسي فلاديمير سكاتشكو أشار في مقال على موقع أوكرايين. رو إلى أن مستقبل الأزمة الأوكرانية سيتحدد بناءً على عاملين رئيسيين: عودة ترامب إلى البيت الأبيض وخطته لحل الأزمة، بالإضافة إلى احتمالية تغيير القيادة في كييف.
روسيا، التي تشدد على أن أي حوار مستقبلي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصالحها الأمنية والواقع الجديد على الأرض، تبدو مستعدة للتفاوض فقط في حالة تغيير القيادة الأوكرانية.