الشأن السياسي- الحزبي : بين منظور أستاذ باحث مغربي وبرنامج au programme » «politique البلجيكي لمؤسسة بودوان
بقلم الدكتور عبد الله إكرامن: باحث في علوم التربية والديداكتيك استضاف المقهى الأدبي في أول أنشطته لهذه السنة يوم 11/01/2011 لقاء فكريا، ألقى الأستاذ عبد الفتاح أبو العز-أستاذ الجغرافيا بالكلية المتعددة التخصصات بآسفي-خلاله عرضا قارب من خلاله الشأن الحزبي والسياسي بالمغرب،ومن خلال مقاربة –أرادها المحاضر نسقية-قام بتشريح الوضعية السياسية الحزبية بالمغرب،مستعينا بمنظومة مرجعية،مكنته من دعم مواقفه وآرائه الواصفة لواقع حزبي سياسي،كل تحليله اتجه صوب تشكيل صورة قاتمة عن المؤسسة الحزبية ،والممارسة السياسية بالمغرب. ولأن وازع كتابتي لهدا المقال هو بالخصوص مرتبط بالنقاش الساخن الذي أثاره( والذي لم يفاجئ الأستاذ أبو العز بحسب ما عبر عنه)،فإني أستسمح القارئ الكريم أن أكتفي باقتراح ما يبدو لي أنه تعليق وليس تلخيصا لعرض الأستاذ،مع رجائي أن يجد فيه الأستاذ أبو العزم والحضور الكرام بعضا من الصواب،ومع رجائي أيضا أن يكون المقال فرصة لإبداء الرأي حول موضوع ليس بالتأكيد ترفا فكريا لكل ذي عقل حصيف.بعد انتهاء الأستاذ من إلقاء عرضه،وأثار ما أثار من انتقاد حاد من طرف بعض الحضور(إخوة ورفاق يمارسون السياسة فعليا)،،تذكرت تقريرا قرأته، أعدته مؤسسة الملك بدوان ببلجيكا في أعقاب تتبعها لمشروع بيداغوجي بلجيكي يروم محاربة العزوف عن الشأن السياسي،وحث التلاميذ والطلبة على الاهتمام بالسياسة وممارستها،البرنامج يحمل عنوان: au programme » « Politique ،ما يمكن ترجمته ب:السياسة ضمن الاهتمام –اهتمام المجتمع البلجيكي بطبيعة الحال-(يمكن تتبع الرابط للاطلاع على التقرير www.kbs-frb.be). وأقتبس من التقرير جانبا متعلقا بالعزوف عن السياسة في بلجيكا،والذي كي تحاربه وضعت البرنامج المشار إليه،وضمنه جانب توخى تمكين أساتذة مختلف الأسلاك التعليمية من أسس وآليات مناقشة السياسة مع التلاميذ والطلبة،واتضح من خلال استطلاع قام به البرنامج بين الأساتذة، أن الطلبة والتلاميذ لا يكنون أي تقدير للسياسة،ويعتبرون أنها تمارس من قبل أقلية قليلة منغلقة على نفسها،مستعينين بقواعد ملتبسة،وأنها لا تنتج إلا الرشاوى واستغلال النفوذ وكل ما ليس نافعا،وأنها مصدر كل التلفيقات،ويؤكد الأساتذة أنهم حاولوا تأكيد نسبية الأحكام المصرح بها ولكن دون فائدة،فهم يؤكدون أن مشاركتهم في التصويت الانتخابي مثلا، لا يمكن أن يغير أي شيء،وأن أولياء أمورهم يتقاسمون معهم الرأي،ولم ينفع في الإقناع سرد مجموعة من عينات الإصلاحات التي قامت بها أحزاب سياسية تحملت المسؤوليات بعد فوزها في الانتخابات ببلجيكا...اختصارا،كشف التقرير على أنه بالنسبة للطلبة والتلاميذ فإن كل شيء في السياسة مشبوه. ملخص التقرير هدا يسير قي ذات اتجاه ما يمكن استنباطه من عرض الأستاذ أبو العز،وأثار حفيظة بعض الإخوة والرفاق –وهم على صواب-،إذ كيف لا يثير الجالس على الشاطئ الذي يحسن السباحة، أعصاب أيا كان ممن يصارع الأمواج،فالأكيد،-وهو أمر بديهي-،أنه لا يمكن بشكل مطلق أن يجيز كل من يكابد المشاق في الأداء الفعلي لأمور،أي انتقاد غير لائق يصدر عمن يعتبر هده الأمور مجرد مواضيع للانتقاد والتبخيس،حتى وإن كان على صواب،إن القصد من إدراج هدا التقرير السابق، هو لتأكيد أن مسألة العزوف السياسي يمكن أن نجدها في مختلف الأقطار.وهو أمر، طبيعي ألا تنكره النخبة المثقفة سواء كانت تمارس السياسة،أو أنها تكتفي باعتبارها موضوعا لبحثها الأكاديمي،ولكن المفروض أيضا في هذه النخب، أن تحدو حدو مؤسسة بودوان، وتقترح برامج لمحاربة كل تبخيس للممارسة السياسية...والحق يقال، إن إدراجي لتقرير مؤسسة بودوان كان بدافع أكثر أهمية،ذلك أنه عند مغادرتنا القاعة،أثار أحد الإخوة التأثير السيئ المحتمل لمضمون العرض على طلبة حضروا بكثافة عرض الأستاذ ،ونحن نعرف شدة تأثير الأساتذة على طلبتهم،وشدتني المفارقة فعلا وآلمتني،مفارقة أن بلدا كبلجيكا يعد برامج بيداغوجية بغاية تشجيع المتمدرسين على الاهتمام بالممارسة السياسية،في وقت نحن هنا،كل في مجال اختصاصه وتخصصه، يعمل ما في وسعه كي يوسع الشقة بين شبابنا والممارسة السياسية...وفي اعتقادي، هذا ما آلم واستفز الإخوة والرفاق. ومع كل ما سبق،فإن الأمر ليس محسوما،إذ يبقى علينا فعلا التساؤل عن حدود إمكان تلمس أعذار للباحث الأكاديمي-في العلوم الاجتماعية بالخصوص- في مقاربته للشأن السياسي بما يسير في اتجاه تبخيس الممارسة السياسية السياسة والعلوم الاجتماعية: قارب الباحث Lawrence olivier من جامعة كندا موضوع علاقة العلوم الاجتماعية بالسياسة،واعتبر أنه عموما ،حددت العلوم الاجتماعية علاقتها بالسياسة تحديدا مزدوجا،فهي إما-1-إنها تخرج السياسة من اهتمامات الباحث،مفضلة الاهتمام بالموضوعية والبحث عن أحقية امتلاك شروط العلمية،-2-أو أنها تعتبر أن العلم لا يشارك فقط في الحياة السياسية،بل أكثر من دلك،فهو عنصر أساسي في التدبير السياسي. وبالنسبة للعلوم الاجتماعية،فإن التنظير السياسي هو عمليا دائما بجانب مصلحة من يقومون به. وبناء على ما سبق يتساءل OLIVIER LAWRENCE: ألا تحكم نظرة العلوم الاجتماعية للعلاقة بين النظرية والتطبيق في السياسة قدرية يستحيل الانفلات منها؟،قدرية حتمية ترهن العلوم الاجتماعية في مأزق : إما أن تكون علوما وهو ما يرغمها على أن تلغي السياسة من حساباتها ،أو أن تكون إيديلوجيا وتسحب منها بذلك صفة العلمية؟...وما عسى أن يكون جواب الأستاذ أبو العز صاحب العرض،ومن حضر العرض عن السؤال؟وما رأيه،ورأيهم في أن المقاربة الوصفية لباحث في الشأن السياسي(المقاربة التي اعتمدها الأستاذ في عرضه) يمكن أن تطرح إشكالات لا تكون في الحسبان؟ولا شك أن النقاش الحاد الذي تلا عرض الأستاذ هو من بين ما لم يكن في الحسبان،إضافة طبعا للتأثير السيئ المحتمل لمضمونه .إن البحث العلمي الحديث جدا بداية العشرية الأخيرة من ق 20 (-1990-)،نبه لما أصبح معروفا بعلم المخاطر la cindynique ، وهي علوم تهتم بدراسة المخاطر المحتملة أو المصاحبة لمختلف العلوم وتُعتَمد نظرية الوصف للكشف عنها. الأستاذ أبو العز جغرافي التخصص،ولا شك أنه يعرف أنه وفي مجال ما يتعلق بنظرية الوصف La théorie de la description وهي التي اعتمدها أساسا في عرضه-لا شك أنه يعرف- أن الجغرافيين يهتمون بعلوم المخاطر la cindynique ( اهتموا ويهتمون بوصف كل المخاطر والمؤثرات الفضائية،ومخاطر الكوارث وتأثيرها على البيئة الخ...)،وأن نظرية الوصف هده اعتمدت أسسها، في وصف وتدقيق الوضعيات والقضايا المتسمة بخطورة ما من جهة ،ومن جهة أخرى في وصف أحداث لا يُرغب في حصولها.اعتماد نظرية الوصف في علوم المخاطر لها أهميتها،فهي عموما تتوخى نوعا من تحري الاستباق للوعي بخطر محتمل قد يصاحب نتائج علم من العلوم. إننا نعرف جميعا قابلية تعميم مختلف النظريات على فروع علمية لم توضع لها أصلا،وهو أمر تم ويتم باستمرار كلما توفرت شروط التعميم،والتعميم تم فعلا على مستوى علوم عدة، الدقيقة منها والإنسانية...وسؤالي الأخير للأستاذ أبو العز وأيضا لمن حضر العرض: ألا ترون معي قابلية تعميم ما يطبق في علوم المخاطر من توسله بنظرية الوصف،واعتماده بغاية ضبط مخاطر تبخيس ممارسة الشأن السياسي في المغرب؟... الباحث Karl Popper من بين المهتمين بنظرية وصف المخاطر المشار إليها، وضع مفهوم النزوع الطبيعي -concept de propension- بناء على ما لاحظه من كون كل وضعية ( لنقل إنها وضعية تبخيس العمل السياسي ) تتطور تصاعديا نحو إنتاج شلال من أحداث متشابكة تتفرع عنها العديد من الأزمات،وبفضل مفهوم النزوع الطبيعي هدا أصبح حصر وتدقيق قوة احتمال تطور حدث كي يخلق أزمات (تطور حدث تبخيس العمل السياسي مثلا ،ونعيش حاليا ما أنتج من أزمات) ،ويصبح بالإمكان الوصف الدقيق للمخاطر المحدقة بوضعية ودرجة حساسيتها (وشدة حساسية تبخيس الممارسة الساسية يعلل النقاش الحاد الدي تلا العرض.) عموما،إن برنامج au programme » « Politique لمؤسسة بودوان ببلجيكا،يبرز استضمار مختلف الأقطار لمسار الأمور،وتتصرف بناء على مقتضياتها، ويبدو لي أننا في بلدنا الطيب هذا،لا يزال الكثيرون منا يجهلون حقا خطورة ومخاطر إدارة الظهر للممارسة الحزبية-السياسية.