بقلم: عبد الصادق عبادة من أجل تحقيق التدبير الجيد للجماعات المحلية بإقليم أسفي، التدبير الذي يتوخى في المقام الأول العلاقة الجيدة بين الإدارة و كل الفاعلين و المتعاملين معها، في إطار من الخطوات الساعية إلى تخليق الحياة العامة، و ترشيد و عقلنة التدبير العمومي مع تدعيم التواصل و التشاور و الانفتاح على كل مكونات المجتمع بالإقليم، و انطلاقا من العمل الحداثي المنبني على إرساء دعائم إدارة جماعية حديثة، فاعلة و فعالة في الأداء ، من خلال حرص الجماعات المحلية بإقليم أسفي على ترشيد و استعمال الموارد الذاتية في الاتصال المباشر و المستمر بالمحيط المحلي حتى تكون الإدارة بهذا الإقليم في عملها حيوية تتجاوز كل السلوكيات القديمة التي عودتنا عليها التجارب السابقة و التي كانت تعتمد الانغلاق و البعد عن الساكنة و الاكتفاء بتسليم شواهد ووثائق إدارية فقط. و نظرا لأن الجماعات المحلية يجب أن تكون بإقليم أسفي آلية من الآليات الأساسية في الحياة اليومية للساكنة، تنبني برامجها و مخططاتها بناء على جعل الإنسان هنا بالإقليم هو محور و هدف كل أشغالها منه تنطلق و إليه تعود، مادام سكان هذا الإقليم أصبحوا يتطلعون إلى ما هو أكثر و أهم من الوثائق الإدارية إلى أن تصبح تطلعاتهم هي أساس التنمية المستدامة من خلال الاهتمام بهم و بحقهم في الحياة الكريمة، و تحقيق كل المشاريع التنموية على أرض الواقع، و المراهنة على إشراكهم في تدبير الشؤون المحلية من خلال انخراط جمعيات و هيئات المجتمع المدني كي تساهم في وضع و إنجاز البرامج و المخططات التنموية للجماعة .و في زمن يعرف فيه المجتمع المغربي بكل مكوناته، و على كافة الأصعدة العديد من التحولات ، زمن كثرت فيه انتظارات و وتطلعات الساكنة، كي تشعر بالفعل أنها في قلب هذه التحولات، و مباشرة بعد انتهاء مسلسل الاستحقاقات التي تمس تشكيل الجماعات المحلية و لجانها و تسلسلها الإداري بدءا من الجماعة المحلية. إلى المجلس الإقليمي إلى المجلس الجهوي في اتجاه غرفة المستشارين، و في إطار التحسيس بتحسين التدبير اليومي بالجماعات المحلية بإقليم أسفي نظرا للمكانة الهامة التي أضحت تبوءها هذه الجماعة ،و الرقي بها من خلال تأهيلها إلى المستوى الذي يجب أن تلعب فيه دورها الفاعل و الناجع كشريك أساسي في تحقيق التنمية الشاملة،نظمت ولاية دكالة عبدة صباح يوم الثلاثاء 6 أكتوبر 2009 لقاء تواصليا دراسيا بقاعة ولاية دكالة عبدة لفائدة رؤساء الجماعات المحلية بإقليم أسفي، تحت الرئاسة الفعلية لولاية جهة دكالة عبدة ، و عامل الإقليم ، و إشراف قسم الجماعات المحلية بالولاية ، حضره إلى جانب السلطات المحلية و رؤساء الجماعات المحلية، العديد من ممثلي القطاعات الحكومية بالإقليم ، حيث تميز هذا اللقاء بالكلمة التوجيهية التي ألقاها السيد عامل الإقليم ووالي الجهة، و التي يمكن اعتبارها بمثابة خارطة الطريق مع انطلاق الولاية الانتدابية الجديدة للمجالس المنتخبة، هذه الكلمة ركزت على أهم المستجدات التي جاءت بها التعديلات الأخيرة للميثاق الجماعي الجديد، إلى جانب الرؤية الشمولية حسب وجهة نظر وزارة الداخلية كوصية، لكل ما يجب أن يكون عليه العمل الجماعي داخل هذا الإقليم الذي عانى الكثير من جراء تعاقب مجالس جماعية لم تحسن تدبير موارده و لم تقدم للساكنة أي شيء ، نتيجة لكثرة الهفوات و اعتماد النظرة الذاتية الضيقة و المنغلقة ، رغم بعض الاستثناءات . فطغت السلبيات على الايجابيات ، و غرقت الجماعات في الديون و لم يعد يرى المتجول في هذا الإقليم إلا السلبي، رغم الجهود المبذولة هنا و هناك على مستوى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و بعض البنيات الأساسية في قطاعات الطرق و المساكل و الماء الصالح للشرب و الكهربة القروية و النظافة، و خلق دور الطالبة لتشجيع التمدرس بالوسط القروي و غيرها، رغم هذه الجهود التي لم تكن كافية بالنظر إلى عدد السنوات التي قطعتها التجربة الجماعية عندنا من خلال تعاقبات المجالس، و المداخل و الموارد التي تصنف الإقليم في خانة جيدة خصوصا إذا علمنا أنه أثناء التقسيم الإداري السابق الذي جعل مدينة آسفي مقسمة إلى ثلاث مجالس حضرية تعد فيها جماعة أسفي الزاوية من الجماعات الغنية على المستوى التراب الوطني، و ها هي المدينة بعد انتهاء هذه التجربة و عودتها إلى مجلس واحد، تعيش و كأنها قوية صغيرة و لا شيء غير ذلك تحقق. الجماعة المحلية : الحكامة الجيدة التشارك و القرب. إن أهم الاوراش التي جندت لها وزارة الداخلية في الآونة الأخيرة كسلطة وصية على الجماعات المحلية. كل طاقاتها و إمكاناته،ا ورش تحديث الإدارة نظرا للأهمية البالغة التي تستمدها الجماعة من طبيعتها المحورية داخل الجهاز الإداري بمختلف مكوناته و مستوياته و أشكاله كأداة رئيسية لتنفيذ الاستراتيجيات و المخططات و البرامج التنموي، لذلك ركزت كلمة السيد والي جهة دكالة عبدة عامل إقليم أسفي في هذا اللقاء التواصلي الدراسي من خلال التركيز على البعد الاجتماعي و مبدأ المساهمة و التشارك و الذي يهم تدبير الشأن المحلي على أهم التعديلات التي جاء بها الميثاق الجماعي الأخير الصادر في 18 فبراير 2009، من خلال التنصيص على الإصلاحات التي تروم مبدأ الشراكة بين الجماعة و هيئات المجتمع المدني لتحقيق و بلورة المشاريع وهو من خلال التنصيص على ما يجب أن يشتمل عليه المخطط الجماعي من مشاريع و مخططات تتعلق بالأعمال التنموية الواجب إنجازها لمدة الولاية الانتدابية للمجلس إلى جانب تشخيص الإمكانيات الاقتصادية و الثقافية للجماعة مع إبراز الحاجيات ذات الأولوية بن بتشاور مع الساكنة المحلية و الإدارات و الفعلين المحليين و التماشي مع روح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و مبدأ الحكامة الجيدة، و الارتكاز على مبدأ إرساء المقاربة التشاركية القائمة على نهج سياسة القرب دون إهمال للمقاربة الاجتماعية .الميثاق الجماعي من خلال كلمة السيد الوالي نص على إضافة لجنة رابعة للمجالس التي يفوق عدد أعضائها 35 عضوا، إلى جانب لجنة الوظيفية هي لجنة المرافق العمومية على أساس أن يكون التخطيط و التنمية البشرية حاضرين، مع إحداث لجنة استشارية تكون لجنة المساواة و تكافؤ الفرص تتشكل من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية، و فعاليات من المجتمع المدني ، و هي لجنة يبدي أعضاؤها رأيهم كلما دعت الضرورة في القضايا المتعلقة بالمساواة و تكافؤ الفرص و مقاربة النوع الاجتماعي.إن هذا اللقاء الدراسي التواصلي المنظم لفائدة رؤساء الجماعات المحلية بإقليمآسفي ركز على الإصلاحات و المستجدات و التعديلات التي تدخل في مجال توسيع اختصاصات الجماعة المحلية كفاعل أساسي في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية إلى جانب الحكومة، و انطلاقا منه و تجاوزا لكل التجارب السابقة و كبواتها السلبية يتعين على الجماعات المحلية بإقليم أسفي إبلاء العناية الكاملة للبعد الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لميزانيتها و فتح و مواصلة الاوراش الحيوية التي تدخل ضمن اختصاصاتها المرتبطة بتلبية حاجيات الساكنة ، مع تفعيل سياسة القرب و التتبع و التقييم للتجهيزات و البرامج و المخططات المرتبطة بهذا الجانب على اعتبار أن الجماعة المحلية الخلية الأساسية في النظام اللامركزية و الإطار الترابي الذي تتمحور حوله كل المشاريع التنموية الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية، و المحرك الأساسي في إنجاز تجهيزات القرب و أداء الخدمات السياسية المرتبطة بالحياة اليومية لساكنة هذا الإقليم... فهل جماعاتنا المحلية من خلال مشاريعها و مكاتبها في مستوى ذلك؟...و لماذا تم تنظيم هذا اللقاء ألان، و ليس في السابق؟... هل معنى ذلك أن جماعتنا المحلية تجربة عبرت عن فشلها نظرا لأن الذين تم اختيارهم أثناء الترشيح و بعده لا علاقة لهم بذلك؟... أم إن الأمية و الجهل و الطمع و الجشع سمات تغلب على العديد من أعضائها و خصوصا في الوسط القروي و يحتاجون إلى تأهيلهم من خلال تكوينهم؟... أين هو دور الأحزاب في تكوين أعضائها و مستشاريها، بل أين مصير برامجها التي قدمت أثناء الحملات كوعود؟. على هامش اللقاء الدراسي التواصلي: إن من يتجول بإقليم أسفي، سيجده إقليما شاسعا مترامي الأطراف، تحتل فيه المراكز القروية و جماعاتها النسبة الأكبر رغم أن أسفي هي عاصمة لجهة دكالة عبدة و يحتوي مدينة فوسفاطية /اليوسفية، و الشماعية كمركز حضري لمنطقة أحمر المصنف في إطار المدن الحديثة، و مركزين حضريين، بعبدة الشمالية في جمعة سحيم، و بعبدة الجنوبية بسبت جزولة، ناهيك عن مراكز يمكن إن صنفت أن تتحول إلى مراكز حضرية أخرى كأحد أحرارة و ثلاثاء بوكدرة و اثنين لغيات، إلى جانب احتوائه على ميناء مهم للصيد البحري كميناء آسفي و هو في نفس الأن ميناء للتجارة، و يمكن أن يتحول إلى ميناء سياحي، إلى جانب الميناء الصغير بالصويرية القديمة كمنطقة هامة يمكن أن تكون منتجعا سياحيا دوليا نظرا لشاطئها الجميل الممتد وسط منطقة شياظمة الشمالية، إضافة إلى وجود المركبات الكيماوية التابعة لإدارة الفوسفاط قريبا من مدينة آسفي، دون أن ننسى صناعة الخزف التي كانت وإلى عهد قريب من أجود الصناعات اليدوية على المستوى الوطني، و نظرا لجودة التربة الصالحة يحتل الجانب الفلاحي الإقليم مكانة هامة، مع وجود مجموعة من المآثر العمرانية كقصر البحر ودار السلطان و الأسوار المحيطة بمدينة آسفي ووجود المتحف الوطني للخزف ، وهذا القطاع هو الأخر يمكن أن يشكل خطوة أساسية على مستوى الصناعات السياحية ... إذن إقليم من هذا التنوع. إقليم غني بثرواته و مداخليه ، و الذي يسمع عنه لابد و أن يتصور أنه حقق نهضة كبيرة وأهله يعيشون في بحبوحة من العيش داخل مرافق حيوية مهمة، لكن الواقع عكس ذلك، إقليم يتضح من خلال تعاقب المجالس عليه و على تدبير موارده يعيش في الحضيض . فبدل أن يتطور يتدهور... الطرقات المعبدة ضيقة حتى في مدنه و كثرة الحفر و الأوساخ تعيق و المسالك لا تستطيع السير فيها على الأقدام فبالأحرى أن كنت تملك دراجة أو سيارة ، وكأننا هنا نعيش لحظة ما قبل التاريخ أو في العصور الوسطى أغلب جماعاته يعتبرها البعض ضيعات لهم، فتراهم يسودون و يعمرون ردحا طويلا من الزمن مشرفين على تدبيرها. فكيف لأمي يجهل مبادئ القراءة و الكتابة و لا يملك أدنى مقومات و آليات الحوار أن يقترب و يتشاور و يفعل و يتفاعل و هو لا يملك إلا نزعته الذاتية و الضيقة التي من خلالها يريد أن يجعل كل ساكنة جماعته خدامه المطيعين، و أمثاله يعتبرون الساكنة معادلات حسابية في صناديق الاقتراع فقط، و بعد ذلك فليذهبوا إلى الجحيم المهم لديهم هو خيرات الجماعة و مواردها المالية و عضويتهم بمجالسها ، أما دون ذلك فليس في الحساب.الحسنة الوحيدة التي نسجلها للمجالس السابقة التي تعاقبت على تدبير شؤون هذا الإقليم تتمثل في مشاريع العقار ، و التي تحولت مع مرور الوقت إلى نقمة على الساكنة ، فلنأخذ مثلا مدينة آسفي و عاصمة الجهة كيف انتشرت العقارات هنا و هناك و على حساب المساحات الخضراء و المنتزهات و الأراضي العمومية و أصحابها محسوبين على رؤوس الأصابع و لهم دور مهم داخل الجماعات المتعاقبة إن لم نقل أعضاء في مكاتبها و ساكنة المدينة تعرف من هم وكيف كانوا و كيف أصبحوا؟و نظرا لأنهم كانوا ضمن تشكيلات الجماعات المحلية السابقة فقد أصبحوا عائقا كبيرا أمام أي مشروع أخر، و ليس غريبا أن لا نجد بالإقليم مشاريع عقارية أخرى كأناسي أو الضحى أو الشعبي و ألا نجد مشاريع اقتصادية تحل محل معامل التصبير التي تهدمت جلها و أصبحت أطلالا، و هكذا تحولت مدينة آسفي إلى ورش عقاري خاص، يستحوذ أصحابه على المرافق و البنايات العمومية و غيرها في غفلة من الساكنة للتحول إلى عقارات فلا مرافق رياضية في مستوى الإقليم ناهيك عن غياب المرافق الثقافية و الاجتماعية، فاكتسح الباعة المتجولون و"الفراشة " أهم الشوارع و الدروب لتتحول أغلب مراكز الإقليم الحضرية و مدنها إلى أسواق و حتى المقاهي اكتسحت الشوارع و الأرصفة، و لم يعد للراجل مكان يمر منه إلا وسط الطريق حيث أصبح مهددا في حياته فقد تحصده سيارة أو دراجة نارية طائشة.لقد انتهت تلك التجارب الفاشلة التي عاشت معها الساكنة تائهة تبحث عمن يحقق رغبتها في التنمية و مجالس محلية منغلقة تقوقعت داخل شرنقة الجمود و الفراغ، و لم تؤمن يوما بالإنسان كمحور و أساس و هدف في كل تنمية محلية، بل فقط الإيمان بأصواتها كي تعمر و تسود... انتهت تلك التجارب و عبرت عن فشرها و انتهت كذلك كل الحملات الانتخابية و استحقاقاتها ، و انتهى المسلسل بتشكيل مجالس حضرية و قروية بدءا من المحلي إلى الإقليمي إلى الجهوي إلى الوطني، و هاهي الولاية الانتدابية الجديدة قد ابتدأت و ها هي صلاحيات هذه المجالس قد توسعت و الكل هنا ينتظر الذي ستلده الولاية الجماعية ، و ينتظر عملها و لو أنها عادت بأغلب الوجوه السابقة ، و ينتظر طبيعة اللقاح الذي سيلقح هذه المجالس ضد فيروس أنفلونزا الذاتية الضيقة و المنغلقة التي عمرت على حساب المصلحة العامة و مصلحة الإقليم و ساكنته، انتظار ممزوج بالخوف من أن يتمخض الجبل فيلد تجارب أخرى فاشلة ، فتسود المناعة المكتسبة من توالي التجارب ضد كل ما هو مفيد و يعيد الاعتبار لهذا الإقليم الذي عانى الويلات .