ظلت جالسة القرفصاء .. وقد شق المطر الأسود نهرا على وجنتين ذابلتين، ووجه شاحب له قسمات جميلة، وشعر ناعم ينسدل سواده كستار معتم أرهقته ويلات السنين، وجسد ممشوق يسكن ثيابا رثة بالية، لم تفقده من الحسن والبهاء شيئا … وبينما كنت أطل من شرفة المقهى وأنا على الطاولة الركنية حيث أتأمل العالم من الأعلى، وأقلب صفحات جريدتي الصباحية، وأحتسي فنجان قهوتي المر .. كانت تتوزع نظراتي بين سجائر مشتعلة تداعب في مكر شفاها داكنة .. فيتطاير من الأفواه دخان يعكر صفو الصباح ..وبين حروف عابثة تستفزني لأغير المكان كي لا تثور أعصابي وألون شفاهي الزهرية بلونهم القاتم .. تتبعثر النظرات مني ، لتستقر مجددا في من تقبع هنالك دون حراك… أحدق في ذلك الوجه الشاحب النابض بالحياة .. الذي امتزجت ملامحه بمياه منهمرة أخذت نصيبها من كحل عينين منكسرتين … وسيقان متسابقة بين كر وفر .. وإقبال وإدبار … وعجلات تدور في تراتبية قاهرة مملة .. لا عين تستقر في عين كي تسأل عن أحوالها .. ولا يد تمتد نحو راحة تعاني الجفاء والقهر والإقصاء .. في تلك اللحظة داعبت ريشتي في رفقي المعتاد .. لأضع آخر اللمسات على لوحة امتزج فيها لون زرقة السماء .. بحمرة الشفق .. وصفرة عباد الشمس .. ليعلو قوس قزح راسما مشهدا قدريا .. ينير الضوء ولا يلعن الظلام .