وخرج بنكيران مرة أخرى ليخبر المداويخ بأنهم مجرد مداويخ، وبأن النفاق والتلون ضروريان لضمان الاستمرارية والحفاظ على الكراسي .. وأخبرهم كذلك بأن مواقف حزبهم قد تغيرت، دون أن يخبر أحد المداويخ بذلك، وبأن الشعارات التي توصِل إلى المناصب لا يمكن أن تستمر بعد الوصول إلى المناصب .. لأنها مجرد وسيلة، وليست غاية في حد ذاتها ... بنكيران أخبرهم بأن كل ما آمنوا به وخدَّروا به عقول البسطاء طيلة عقود يمكن التخلي عنه في لحظة، ودون سابق إنذار .. وبأن الكذب يمكنه أن يصبح حلالا عندما يقرر الشيخ ذلك، وما على المريدين سوى السمع والطاعة ! هكذا أصبحت شعارات "تحرير القدس" و "عليها نحيا وعليها نموت" مجرد ذكرى، والذكريات طبعا لا تسمن ولا تغني من جوع .. وهكذا، وفي رمشة العين، لم يعد هناك أي وجود لخيبر وجيش محمد والملايين التي ستحرر القدس .. وعلى المداويخ إيجاد تبريرات جديدة للاستمرار في خداع المغاربة، لأن التعويضات لا يمكن إيجاد أي تبريرات لفقدانها ! بنكيران حاول كذلك أن يخبر من يهمهم الأمر بأنه مستعد ليلبس أي جلباب في سبيل العودة، ومستعد للتوقيع على أي شيء في سبيل الرجوع ... وما نسي السيد بنكيران أن يخبر به المداويخ، هو أن الكرامة والرأس المرفوع لا يمكن شراؤهما بالتعويضات .. وبأن خداع الناس لا يمكن استمراره مهما طال، وبأن الاختلاف مع الدولة في التقديرات ليس كبيرة من الكبائر .. وبأن الانسحاب بهدوء عندما يكون ضروريا يعتبر شرفا، وبأن الحفاظ على ثقة الناس كنز لا يمكن بيعه بأي ثمن ! هل كان على العثماني أن يرفض التوقيع على الاتفاق الثلاثي ؟ لا .. كان على العثماني أن يستقيل عندما قررت الدولة توجها يعاكس الشعارات التي أوصلته يوما، هو وإخوانه، إلى المناصب .. لأن الوضوح في المواقف والممارسة هو أهم أسس الديمقراطية، ولأن الممارسة الديمقراطية لا يمكن أن تخضع لمنطق التقية .. ولأن الهيئات السياسية تكون أقوى عندما تكون مواقفها واضحة وغير خاضعة ! ماذا سيفعل المداويخ الآن ؟ سيصفقون مرة أخرى، وسيلبسون الجلباب الجديد مهما كان ضيقا .. المهم هو أن تكون امتيازاته واسعة ! وسيصرخون جميعا مرة أخرى : "عاش الزعيم البطل، أبو عيون جريئة"